الشهيد السعيد حسن كمال حايك
إليك أيها الإمام الغائب، الشافي للجروح، المبلسم لكل الآلام، القاضي للحوائج، نشكو الظالمين. أينك يا صاحب الزمان لتعلمنا أدعيةً تعيننا على الصبر، وأدعية ترد عنا كيد الأعداء، وأدعية تزيل بها عن عيوننا غشاوة حبِّ الدنيا، وأدعية لصفاء القلوب وأدعية لقضاء الحوائج؟
سيِّدنا لقد ضاقت أنفسنا ذرعاً من هذا الغياب الطويل، أولست أنت السلوى لقلوب المؤمنين في هذا العصر الفجيع الذي امتلأت زواياه بالفساد والأحقاد؟ أينك يا حامي الحمى، يا باب اللَّه الذي منه يؤتى، ويا وجه اللَّه الذي إليه يتوجَّه الأولياء، أنتم الأدلاء، أنتم السبيل، فمن يرشدنا في هذه الغمار؟! من يأخذ بأيدينا؟! إلى من نشكو همومنا؟! إلى من نبث حكايات أوجاع صدورنا؟! ها نحن نشكو همومنا ونقول إن كل الناس رأوا إمامهم إلاّ نحن غاب عنا الإمام! إيه يا قلبي القاسي أما آن لك أن تتفطر؟ قم واخرج، ابحث عن الإمام في هذا الكون الفسيح، اذهب يميناً وشمالاً، غرد مع الطيور، سافر مع النسمات، هبّ مع الرياح، تعلّق بأوراق الأشجار، حلِّق مع النجوم، سافر إلى جهة كربلاء أو إلى النجف وسامراء، أو إلى الكاظمية وبغداد، أو إلى مشهد أو إلى مسجد السهلة أو إلى المسجد الأقصى أو إلى جبل صافي وجاهد فيه مع المجاهدين، لا بُدَّ في لحظة ما في سفرك الطويل سيرأف بحالك الإمام ويمرُّ طيفهُ يسلِّم عليك فترتاح وتنجلي عنك الهموم، وعندها قف وابكِ وادعُ ورتل مناجاة الحزين، واقضِ العمر في ذلك المكان حيث رأيت الإمام وعش على أطلاله، واقضِ الحياة مشتاقاً إليه... مولاي... يحنُّ إليك آدم عليه السلام ويناجيك نوحُ ويتوسل إليك إبراهيم ويهمس في أذنك موسى وينتظرك عيسى بفارغ الصبر، عجِّل يا مولانا فإن قلوبهم كما قلوب مواليك في هذا العصر تكاد تنفطر من طول الغياب... مولاي... تطلع الشمس كلَّ صباح ولا تطلع أنت يا حبيبنا، ولا خير في شمسٍ وأنت بعيد، ويأتي المساء ولمَّا نرك، تعساً لأيام نقضيها دونك...
سيدي نحن إليك مع كل ذرات الوجود، فالساكنُ منها ينتظرك، والمتحرِّك منها مسافِرٌ إليك يبحث عنك، وكلها تدعو لك بالفرج وتتمنى لو كانت مؤهلةً لتقديم النصرةِ لك... مولاي... أبصرنا نور الوجود ولم نسمع صوتك وها نحنُ قضينا عمراً وما زلت غائباً. نخشى يا سيدي أن نموت ولمَّا ندرك شيئاً من أمرك. نخاف أن ينزل بنا الحِمام (الموت) ولما نعلم أن قد رضيت عنَّا يا ابن الكرام إذن كيف نطمئن ومن يخبرنا بواقع الحال...؟! سيدنا اشمأزت أنفسنا من الوجوه كل الوجوه بعدما سمعت بأن وجها حبيباً جميلاً يُدخلُ إليها السكينة ويُبعد عنها كلَّ الأحزان غائب عنها، راحت تبحثُ عنه ووقعت في الحيرة والتيه أين تبحث سهلاً أم جبلاً وفتشت لم تجد، قالت يجب أن يكون بين الصخور وراحت تبحثُ بين الصخور، وفي المغارات والكهوف، عن صوتٍ حنون حزين دخلت سراديب الدنيا ولم تجد، ثمَّ وقفتُ فجأةً وانتبهت أن النفس ما زالت أمارة فعادت القهقرى وقالت: لنصلح أنفسنا وإلى بيوتنا يأتي الإمام في اليقظة أو في المنام فإنه كريم سليل الكرام وهذا الأملُ عليه نحيا، أن نراك ولو طيفاً في الرؤيا وبعد ذلك لنمت... مولاي... كيف تغفو العيون؟ وكيف تنام الجفون؟ وكيف يأنس الفؤاد ويطمئن القلب لهذه الدنيا والحبيب غائب؟ أغلى الأحبة، أجملهم، أطيبهم، أنبلهم، أسناهم كيف ننساه؟ أم كيف نلهو عنه؟ "عزيزٌ عليَّ أن أرى الخلق ولا تُرى". يجب أن نسائل نجوم المساء وشمس الصبح وقمر الليل عنه، نسأل كل الكائنات لأنَّهُ علةُ وجودها عنهُ، فإذا لم نسمع جواباً... فإن لوعة فراق الأحبَّة تحرق القلوب. فكيف بها غربةُ الوليُّ الحبيب سليل الأطهار عليه السلام.