مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

مراقبات شهر شعبان

 

السيد بلال وهبي

 

قارئي الكريم: ها نحن جميعاً نستقبل أوقاتاً جليلة من أيام اللَّه تعالى، كان رسول اللَّه صلى الله عليه وآله يدأب فيها على العبادة والصيام والقيام، والتعظيم والتبجيل لحرمتها وكرامتها، إنها أيام شهر شعبان المبارك شهر رسول اللَّه الذي لا يزيده إلا شهر رمضان فضلاً وكرامة، وما أروع وصف علي أمير المؤمنين لعظمة هذا الشهر إذ يقول وهو يتحدث عن فضله: "سماه ربنا شعبان لتشعب الخيرات فيه، قد فتح ربكم فيه أبواب جنانه، وعرض عليكم قصورها وخيراتها بأرخص الأثمان وأسهل الأمور فاشتروها". ويصفه النبي الكريم صلى الله عليه وآله قائلاً: "شعبان شهر شريف وهو شهري، وحملة العرش تعظمه وتعرف حقه، وهو شهر تزاد فيه أرزاق المؤمنين لشهر رمضان، وتزين فيه الجنان، وهو شهر العمل، فيه تضاعف الحسنة سبعين، والسيئة محطوطة، والذنب مغفور، والحسنة مقبولة، والجبار جل جلاله يباهي فيه بعباده، ينظر من فوق عرشه إلى صوامه وقوامه فيباهي بهم حملة عرشه".

فما هي أهم المحطات في هذا الشهر المبارك التي يجدر بالمؤمن أن يتنبه لفضلها وأن يحرص على الإفادة منها ليكون ممن ينظر اللَّه إليهم من الصوام والقوام مباهياً بهم ملائكة عرشه كما تقدم في حديث النبي صلى الله عليه وآله؟ هناك نوعان من الأعمال التي يستحب المواظبة عليها في شهر شعبان: النوع الأول الأعمال العامة التي ليس لأدائها وقت محدد من الشهر بل يؤتى بها طيلة أيامه ولياليه، والنوع الثاني هو ما يكون مخصوصاً بزمن محدد منه ليلاً أو نهاراً. فأما النوع الأول فهو:

1 - الصوم: إذ يستحب صوم هذا الشهر، وفي صيامه الكثير من الفضل والبركات، ولهذا حرص الأئمة عليهم السلام على صيامه كل عام ولا زال شيعتهم والسالكون صراطهم يواظبون على صومه والقيام فيه، وقد ورد عن الإمام الصادق عليه السلام: "صوم شعبان ورمضان توبة من اللَّه...". وكان النبي محمد صلى الله عليه وآله يقول "شعبان شهري ورمضان شهر اللَّه عزَّ وجلَّ فمن صام يوماً من شهري كنت شفيعه يوم القيامة، ومن صام يومين غفر اللَّه له ما تقدم من ذنبه، ومن صام ثلاثة أيام قيل له استأنف العمل". وألفت نظر القارئ الكريم إلى أن من عجز عن صوم الشهر كله يمكنه استدراك الفضل بحرصه على صوم يومي الإثنين والخميس من كل أسبوع منه. فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وآله: "من صام يوم الإثنين والخميس من شعبان جعل اللَّه له نصيباً قضى له عشرين حاجة من حوائج الدنيا وعشرين حاجة من حوائج الآخرة".

2 - التصدق على الفقراء والمحتاجين فقد ندب الإسلام إلى هذا الأمر كثيراً وشجع عليه وخصوصاً صدقة السر التي تطفئ غضب الرب وإذا ما وقعت الصدقة في شهري شعبان ورمضان كان أجرها مضاعفاً. فقد سئل الإمام الصادق عليه السلام عن أفضل ما يفعل في شعبان فقال: الصدقة والإستغفار ومن تصدق بصدقة في شعبان رباها اللَّه كما يربي أحدكم فصيله(1) حتى يوافي يوم القيامة وقد صارت مثل جبل أُحد.

3 - الإكثار من الإستغفار: حيث دلت الرواية المتقدمة عن الإمام الصادق عليه السلام أنه من أفضل الأعمال في شهر شعبان الإستغفار والصدقة.

4 - أن يقول كل يوم ألف مرة ما كان يقوله رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: "لا إله إلا اللَّه ولا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين ولو كره المشركون". ومن لم يقدر على ذلك يمكنه الاقتصار على العدد الذي يرغب فيه.

5 - الإكثار من الصلاة على محمد وآل محمد. فقد ورد في الحديث أن "من صلى على محمد وآله خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه". وعن الإمام الباقر عليه السلام أنه قال: "أثقل ما يوضع في الميزان يوم القيامة الصلاة على محمد وآل محمد".

6 - أن يدعو كل يوم عقيب صلاة الظهر بالدعاء الوارد عن الإمام زين العابدين عليه السلام الذي يقول فيه: "اللهم صل على محمد وآل محمد شجرة النبوة، وموضع الرسالة، ومختلف الملائكة، ومعدن العلم، وأهل بيت الوحي..." إلخ.

7 - أن يقرأ كل يوم في أي وقت شاء المناجاة الشعبانية التي رواها ابن خالويه وقال: "إنها مناجاة أمير المؤمنين والأئمة من ولده عليه السلام الذين كانوا يدعون بها في شهر شعبان، والتي توارثها المتعبدون جيلاً عن جيل، وكانوا يحرصون على الدعاء بها في هذا الشهر العظيم، والتي تبدأ بقوله: "اللهم صل على محمد وآل محمد واسمع دعائي إذا دعوتك واسمع ندائي إذا ناديتك، وأقبل علي إذا ناجيتك..." إلخ.

8 - أن يدعو بالدعاء الذي كان النبي صلى الله عليه وآله يدعو به كل يوم، ولا وقت محدداً لهذا الدعاء قبل الظهر أو بعده، عقيب الصلاة أو قبلها وبدايته: "اللهم اقسم لنا من خشيتك ما يحول بيننا وبين معصيتك، ومن طاعتك ما تبلغنا به من رضوانك..." إلخ. وأما النوع الثاني من الأعمال الخاصة بشهر شعبان فهو ما يؤتى به في أيام أو ليالٍ مخصوصة منه، ونقف هنا عند محطات عدة.

المحطة الأولى: الاستهلال وهذا أمر تشترك فيه الشهور كافة. وقد وردت بعض الأدعية المخصوصة التي يستحب قراءتها حين رؤية الهلال يمكن طلبها من المصادر التي تكفلت بذلك.

المحطة الثانية: اليوم الثالث من الشهر فهو اليوم الذي انبلج فيه نور سبط رسول اللَّه سيد الشهداء الإمام الحسين عليه السلام ويستحب في هذا اليوم:
* الصوم.
* الدعاء بهذا الدعاء الذي يبدأ بقوله: "اللهم إني أسألك بحق المولود في هذا اليوم الموعود بشهادته قبل استهلاله وولادته، بكته السماء ومن فيها والأرض ومن عليها..." الخ.
* أن يزور مرقد الإمام الحسين عليه السلام. وإن لم يوفق لهذا الشرف العظيم فليقرأ الزيارة المخصوصة بهذا اليوم، ويمكنه أن يرجع إلى الكتب التي تكفلت بذكر ذلك.
* أن يدعو أيضاً بآخر دعاء دعا به الإمام الحسين عليه السلام يوم كثرت عليه أعداؤه حيث يبدأ بقوله: "اللهم أنت متعالي المكان، عظيم الجبروت، شديد المحال، غني عن الخلائق، عريض الكبرياء، قادر على ما تشاء..." إلخ.

المحطة الثالثة: إحياء ليلة الخامس عشر من شعبان، وهي الليلة التي ولد فيها المدخر لخلاص البشرية الإمام المهدي عجل الله فرجه وهي ليلة لا تدانيها في العظمة إلا ليلة القدر الشريفة. وقد سئل الإمام الباقر عليه السلام عن فضل هذه الليلة فقال: "هي أفضل ليلة بعد ليلة القدر، وفيها يمنح اللَّه العباد فضله، ويغفر لهم بمنه، فاجتهدوا في القربة إلى اللَّه تعالى فيها، فإنها ليلة آلى اللَّه عزَّ وجلَّ على نفسه أن لا يرد فيها سائلاً، ما لم يسأل اللَّه معصية، وإنها الليلة التي جعلها اللَّه لنا أهل البيت بإزاء ما جعل ليلة القدر لنبينا صلى الله عليه وآله فاجتهدوا في الدعاء والثناء على اللَّه فإنه من سبح اللَّه تعالى فيها مائة مرة، وحمده مائة مرة، وكبره مائة مرة، وهلله مائة تهليلة، غفر اللَّه له ما سلف من معاصيه، وقضى له حوائج الدنيا والآخرة، ما التمسه وما علم حاجته إليه وإن لم يلتمسه منه تفضلاً على عباده".

فأما مستحباتها فهي:
* الغسل، فقد ورد أنه يخفف الذنوب ويوجب الرحمة.
* زيارة الإمام الحسين عليه السلام.
* إحياؤها بمطلق الدعاء والذكر والتهليل والتقديس، فقد روي عن النبي محمد صلى الله عليه وآله أنه قال: "كنت نائماً ليلة النصف من شعبان فأتاني جبرائيل عليه السلام فقال لي: يا محمد أتنام في هذه الليلة؟! فقلت: يا جبرائيل وما هذه الليلة؟ فقال: هي ليلة النصف من شعبان، قم يا محمد فأقامني إلى أن قال: يا محمد من أحياها بتكبير وتسبيح وتهليل ودعاء وصلاة وقراءة وتطوع واستغفار كانت الجنة له منزلاً ومقيلاً، وغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر".
* كما يستحب قراءة دعاء كميل الشريف، فقد روى كميل بن زياد صاحب أمير المؤمنين عليه السلام أنه كان في مسجد البصرة ومعه جماعة من أصحابه بين يدي أمير المؤمنين فتساءل بعضهم عن معنى قوله تعالى: "فيها يفرق كل أمر حكيم" فقال عليه السلام :"هي ليلة النصف من شعبان" إلى أن قال: "وما من عبد يحييها ويدعو بدعاء الخضر عليه السلام إلا أجيب له"، يقول كميل فلما انصرف علي عليه السلام طرقته ليلاً فقال: ما جاء بك يا كميل؟ قلت: يا أمير المؤمنين دعاء الخضر، فقال: "اجلس..." ثم علمه الدعاء.
* الدعاء للإمام الحجة عجل الله فرجه بالدعاء الذي أوله: "اللهم بحق ليلتنا هذه ومولودها، وحجتك وموعودها، التي قرنت إلى فضلها فضلاً، فتمت كلمتك صدقاً وعدلاً، لا مبدل لكلماتك..." الخ.
المحطة الرابعة: يوم النصف من شعبان، وهو من أعظم الأيام وأجلها ففي فجره أشرقت أنوار صاحب العصر والزمان مؤذنة بالفرج الذي طل انتظار البشرية له، ولهذا يستحب أن يحتفل بهذا اليوم ويتقرب فيه إلى اللَّه تبارك وتعالى، ومن مستحباته.
* الصوم تقرباً إلى اللَّه تعالى.
* الدعاء للإمام الحجة عجل الله فرجه وزيارته.

المحطة الخامسة: إحياء آخر ليلة من شهر شعبان، فهي الليلة التي يعبر المؤمن منها إلى شهر اللَّه الأكبر شهر رمضان ويستحب أن يكثر فيها من الذكر والإستغفار وطلب التوفيق للقيام والصيام في شهر رمضان المبارك، كما يستحب أن يدعو بما كان يدعو به إمامنا الصادق عليه السلام بدعائه الذي أوله. "اللهم إن هذا الشهر المبارك الذي أنزل فيه القرآن، وجعل هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان قد حضر فسلمنا فيه وسلمه لنا وتسلمه منا في يسر منك وعافية..." إلى آخره. أخي القارئ هذه إطلالة مختصرة على أهم ما يستحب القيام به في شهر شعبان المبارك فلا عليك إلا أن تكون من المبادرين الذي شدوا أحزمة العزيمة إليه فقاموا في محراب العشق يبتهلون، قد ترسخت أشجار الشوق في حدائق صدورهم، وأخذت لوعة المحبة بمجامع قلوبهم. جباهم ساجدة، وعيونهم ساهرة، ودموعهم سائلة، فيا طوبى لهم. نسأل اللَّه أن نكون منهم.


(1) الفصيل هو ولد الناقة، ومعنى الرواية أن اللَّه تعالى يربي تلك الصدقة وينميها مع مرور الأيام كما ينمو ولد الناقة حتى يكبر.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع