مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

لغة وأدب‏: دمعة الشعر على ضفاف كربلاء

فيصل الأشمر

 



لعل من أكثر المناسبات الإسلامية التي ارتبط بها الشعر العربي على مر العصور هي مناسبة عاشوراء، ذكرى الفجيعة التي لم يبكِ مثلها ولن يبكي مثلها البشر على مر الأيام وتعاقب الدهور. وهذا الارتباط الشديد بين عاشوراء والشعر يظهر أكثر ما يظهر من خلال القصائد الفصحى والعامية التي تلقى سنوياً في المجالس الحسينية فتثير عاطفة الحضور وتحرك مشاعرهم بما تتضمن من أبيات تروي سيرة هذه الملحمة العظيمة في تاريخ البشرية. وإذا كانت بعض قصائد هذه المجالس الحسينية قد ذاع صيته بين الناس لتكرار إلقائه في هذه المجالس فإن هناك قصائد أكثر من أن تحصى جعلت موضوعها يوم عاشوراء وشهيد هذا اليوم الإمام الحسين وأهل بيته عليهم السلام.

يقول دعبل الخزاعي في رثاء سيد الشهداء عليه السلام:
 

هلاّ بكيتَ لمن بكاه محمدُ

إن كنتَ محزوناً فما لك ترقدُ

إن البكاء لمثلهم قد يُحمَدُ

هلاّ بكيتَ على الحسين وأهلهِ‏

فالجود يبكي فقدَه والسؤددُ

لتضعضع(1) الإسلام يوم مصابه‏

زُهرٌ(2) كرامٌ راكعون وسجَّدُ

فلقد بكته في السماء ملائكٌ‏

إذ جرّعوه حرارةً ما تبردُ

لم يحفظوا حق النبي محمدٍ

فالثُكلُ من بعد الحسين مُبرَّدُ

قتلوا الحسين فأثكلوه(3) بسبطه(4)

تدعو بفَرط حرارةٍ: يا أحمدُ

كيف القرار وفي السبايا زينبٌ‏

متلطخٌ بدمائه مستشهَدُ

هذا حسينٌ بالسيوف مبضَّعٌ(5)

بين الحوافر والسنابك(6) يُقصَدُ

عارٍ بلا ثوبٍ صريعٌ في الثرى‏


إلى أن يقول على لسان زينب عليها السلام:
 

فوق التراب ذبائحٌ لا تُلحَدُ

والطيبون بَنوكَ قتلى حوله‏

عطشاً فليس لهم هنالك موردُ

يا جَدُّ قد مُنعوا الفراتَ وقُتِّلوا

ولما أعانيه أقوم وأقعدُ

يا جَدُّ من ثُكلي وطول مصيبتي‏


وهذا أبو القاسم الزاهي يصور مشهد الفاجعة فيقول:
 

ومنها الذوائبُ قد نُشِّرتْ‏

كأني بزينبَ حول الحسين‏

إذ السوطَ في جنبها أبصرت

تمرّغُ في نحره وجهها

وتبدي من الوجد ما أضمرتْ

 وفاطمةٌ عقلها طائرٌ

بفيض دم النحر قد عُفِّرتْ‏

وللسبط فوق الثرى جثةٌ

كمثل الأضاحي إذا جُزِّرتْ

وفتيته فوق وجه الثرى‏

كمثل الغصون إذا أثمرت

وأرؤسهم فوق سُمر القنا(7)

كغُرّة صبحٍ إذا أسفرتْ‏

ورأس الحسين أمام الرفاق‏


وتثير ذكرى الفاجعة عاطفة ابن حماد العبدي فيرثي الحسين وأهل بيته عليهم السلام، فيقول:
 

معفَّر الخد محزوزَ الوريدينِ‏

أبكي عليه خضيبَ الشيب من دمه‏

والدمع في خدها قد خدَّ(8) خدّينِ‏

وزينبٌ في بنات الطُهر لاطمةٌ

حتى استبدت به دوني يدُ البَينِ(9)

تدعوه يا واحداً قد كنتُ آمله‏

روحي ولا طعمت طعمَ الكرى(10) عيني

لا عشتُ بعدك ما إن عشتُ لا نعمتْ‏

أذكى(11) فراقُك في قلبي حريقَينِ‏

أُنظرْ إليَّ أخي قبل الفراق لقد

لليُتم والسبي قد خُصَّت بذُلّينِ‏

أُنظرْ إلى فاطم الصغرى أخي ترَها

فتتقي الضربَ منها بالذراعينِ‏

إذا دنت منك ظلّ الرجس يضربها

روحي لرزءينِ في قلبي عظيمين

وتستغيث وتدعو: عمتا تلفَت‏

للثكل ضربٌ فما أقوى لضربين‏

 ضربٌ على الجسد البالي وفي كبدي‏

قد قيدوه على رغمٍ بقيدين‏

أُنظرْ علياً أسيراً لا نصير له‏

وارحمتا للأسيرين اليتيمين‏

وارحمتا يا أخي من بعد فقدك بل‏

ببسط كفين أو تقبيض رِجلين

والسبط في غمرات الموت مشتغلٌ‏

يُومي بلحظين من تكسير جفنين

لا يستطيع جواباً للنداء سوى‏


ويصف الحافظ البرسي الحلي نزول الإمام الحسين عليه السلام في كربلاء فيقول في إحدى قصائده:
 

والجيش في أمل والدين في ألمِ‏

لم أنسَه وجيوش الكفر جائشةٌ

والحق يسمعُ والأسماع في صممِ‏

تطوف بالطف فرسانُ الضلال به‏

وهو العليم بعلم اللوح والقلم‏

مسائلاً ودموع العين سائلةٌ

بقولهم يوصلونَ الكلمَ بالكلم‏

ما اسم هذا الثرى يا قومُ فابتدروا

آجالنا بين تلك الهُضب والأكم

بكربلا هذه تدعى فقال أجل‏

دون البقاء وغير الله لم يدمِ

 حطوا الرحال فحال الموت حل بنا


ثم يصف حال زينب عليها السلام بعد استشهاد الحسين عليه السلام فيقول:
 

ويخضب النحرُ منه صدرَها بدمِ‏

تضمه نحوها شوقاً وتلثمه‏

وحزنُها غير منقضٍ ومنفصم

تقول من عظم شكواها ولوعتها

فما لنور الهدى والدين في ظُلَم

 أخي لقد كنت نوراً يستضاء به‏

غوث اليتامى وبحر الجود والكرم

أخي لقد كنت غوثاً للأرامل يا

أسر المذلة والأوصاب والألم‏

يا كافلي هل ترى الأيتام بعدك في‏

نال العدى ما تمنوا من طلابهمِ‏

يا واحدي يا بن أمي يا حسينُ لقد

يا جد أين الوصايا في ذوي الرحم

وتستغيث رسول اللَّه صارخةً


وأما ابن العرندس الحلي فيقول في ذكرى عاشوراء:
 

وفي كل عضو من أنامله بحرُ

أيُقتل ظمآناً حسينٌ بكربلا

وفاطمةٌ ماءُ الفرات لها مهرُ

ووالده الساقي على الحوض في غدٍ

عليه غداةَ الطف في حربه الشمر

فوالهف نفسي للحسين وما جنى‏

أسيراً عليلاً لا يُفكُّ له أسرُ

ولهفي لزين العابدين وقد سرى‏

ومن حولهن العبدُ في الناس والحرُّ

وآل رسول الله تسبى نساؤهم‏

إذا أقبلتْ في الحشر فاطمةُ الطهرُ

فويل يزيد من عذاب جهنمٍ‏

وفي كل قلبٍ من مهابتها ذُعرُ

تنادي وابصار الأنام شواخصٌ‏

عليٌّ ومولانا عليٌّ لها ظهرُ

وتشكو إلى الله العليّ وصوتُها

 ويُجلى في الجحيم له قصرُ

فيؤخَذُ منه بالقصاص فيحرم النعيمَ


1- تضعضع: تهدم.
2- أزهر الشي‏ء: أنارَ.
3- السبط: إبن الإبنة.
4- الثكل: فقد الولد.
5- بضع الجرح: فتحه.
6- السنبك: طرف مقدم حافر الحصان.
7- القنا: الرماح.
8- خد الشي‏ء: شقه.
9- البَين: الفراق.
10- الكرى: النوم.
11- ذكت النار: اشتد لهبها.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع