هناك مسألة أخرى تتعلق بالتكامل، هذا التكامل الذي نتحدث عنه ماذا يعني؟ فماذا يعني أن يصبح الإنسان متكاملاً؟ هل هو أن يصبح الإنسان متكاملاً مجرد تزوده بالاختراعات والعلوم وبلوغه حداً في مجال التطور العلمي؟ هل يصبح المجتمع متكاملاً بمجرد أن يصبح ثرياً؟ هل يمكن أن نعتبر المجتمع الذي يدير أموره بالكمبيوتر ويحمي نفسه بصواريخ فضائية ويطور نفسه بصواريخ فضائية ويطور نفسه في مجال الاتصالات متكاملاً؟
كلا، الكمال في منطق الأديان السماوية وفي نظر الإنسان العاقل ليس هذا. إن ما ترونه اليوم لدى البلدان المتطورة في العالم يمكن أن يجعل من هذه البلدان بلداناً مقتدرة لكنه لا يمكن أن يجعلها متكاملة.
صحيح أن المال يجلب القوة وكذلك السلاح والاختراعات والعلم والتكنولوجيا والتقدم العلمي كل ذلك يجلب القوة لمجتمع ما، ولكن ليس كل قوي متكاملاً، وقد سبق ولاحظتم مراراً كيف أن إنساناً عاقلاً تقياً ورعاً بإمكانه أن يتغلب على إنسان عنيد لص مستبد قوي البنية، مع أنه ربما يكون الرجل العاقل العالم الورع أضعف منه جسدياً ولكن ليس معنى القوة أن يكون من يتمتع بها متكاملاً، كمن، يفكر بأن علينا أن نسعى لأن نصل إلى ما وصلت إليه المجتمعات الغربية اليوم. طبعاً علينا أن نبلغ ما بلغوه في مجال العلم، فالعلم إذا تسلح به مجتمع سليم متكامل عاد عليه بالخير والبركة، وهذا السلاح إذا ما وقع بأيدي مجتمع عاقل ومتكامل لا ينذر بالخطر على البشرية إن الطاقة النووية إذا ما وقعت بأيدي العقلاء من الناس ستكون عاملاً مهماً في مجال تطور المجتمعات، لكنها بأيدي مجتمعات ليست متكاملة تهدد الوجود البشري برمته.
إذن لا يمكن للإنسان أن يكون متكاملاً بهذه الماديات، فالكمال الإنساني شيء آخر ومعناه أن يطهر الإنسان قلبه وفكره ويكون محباً للخير زاهداً لربه موحداً له، وأن يبتغي من عمله وقوله وفعله وأفكاره مرضاة الله سبحانه وتعالى، وأن يأمن الناس شره، وأن يحسن التصرف مع أخوته، وأن يشعر بالمسؤولية تجاه الآخرين وحقوقهم.
هذا ما أراد الأنبياء تطبيقه، مجتمع إلهي إنساني يمتاز بإحساسات وعواطف سالمة وصحيحة، مجتمع لا يتعدّى فيه إنسان على إنسان ولا مجتمع على مجتمع آخر، وأن يقدم على ما يريد وفي وعيه أن الله سبحانه وتعالى يرى كل شيء ويحاسب على كل شيء، مجتمع لا يكون أبناؤه غرقى في الماديات ويعملون لله سبحانه وتعالى وفي سبيله، وهكذا يكون الإنسان متكاملاً والمجتمع متكاملاً. إذا جاء الرسل والأنبياء لإيجاد هكذا إنسان وهكذا مجتمعات.