جهاد البناء
التنوع البيولوجي يعني تنوع جميع الكائنات الحية، والتفاعل في ما بينها، بدءاً بالكائنات الدقيقة التي لا نراها إلا بواسطة الميكروسكوب، وانتهاء بالأشجار الكبيرة والحيتان الضخمة. والتنوع البيولوجي موجود في كل مكان، في الصحارى والمحيطات والأنهار والبحيرات والغابات. ولا أحد غير اللَّه سبحانه وتعالى يعرف عدد أنواع الكائنات الحية على الأرض. فقد تراوحت التقديرات لهذه الأنواع بين 5 و 80 مليون أو أكثر، ولكن الرقم الأكثر احتمالاً هو 10 ملايين نوع. وبالرغم من التقدم العلمي الذي يشهده العالم، لم يوصف من هذه الأنواع حتى الآن سوى 4.1 مليون نوع، من بينها 000،750 حشرة و 000،41 من الفقاريات و000،250 من النباتات، والباقي من مجموعات اللافقاريات والفطريات والطحالب وغيرها من الكائنات الحية الدقيقة.
مصطلح التنوع البيولوجي (Biodiversity) يصف تنوع الحياة الكبير على وجه الأرض: تنوع الكائنات الحية وتنوع الأنظمة والعمليات البيئية الداعمة لتلك الكائنات الدقيقة. هذا المصطلح يشمل:
* التنوع داخل نفس النوع (التنوع الوراثي بين الأفراد من نفس النوع).
* التنوع بين الأجناس (تنوع الأجناس، الأنواع، العائلات).
* تنوع الأنظمة البيئية ووحدات المنظر البيئية، خصوبة المساكن والعمليات البيئية الطبيعية التي تحدث فيها.
* مساهمة التنوع البيولوجي في حياة الإنسان
يمكن تصنيف مساهمة التنوع البيولوجي في حياة الإنسان إلى ثلاثة أنواع أساسية من الفوائد:
- خدمات متبادلة:
الإنسان جزء من المنظومة البيئية، وهو شريك في العمليات التي تحدث ما بين مكونات البيئة المجسدة (الهواء، الماء والأرض) والخاصة بالمنظومة البيئية وما بين مكونات الحياة. على سبيل المثال، دورات المادة والطاقة، منع تلوث الهواء، منع الإنجراف وعمليات التصحر، عمليات التجديد، الاستحداث والترميم الطبيعي. وتشكل هذه العمليات القاعدة لوجود الحياة عامة، ولوجود الإنسان خاصة على وجه الكرة الأرضية.
- القيمة الإقتصادية
توجد قيمة اقتصادية، مباشرة وغير مباشرة، لاستعمال أنواع النباتات والحيوانات لأغراض الطعام، الصحة، الزراعة، الصناعة، مكافحة الأحياء الضارة وغيرها. بالإضافة إلى ذلك، تشكِّل القيم الطبيعية والمناظر عاملاً أساسياً في المساهمة الإقتصادية من خلال السياحة. وتقدر الأبحاث قيمة خدمات المنظومات البيئية بمبلغ يصل معدله إلى حوالي 33 تريليون دولار في السنة. وتدل التقديرات على أن مناطق الشواطئ (والتي تشمل مصبات الأنهر، برك المياه على الشواطئ، الجرُف المرجانية والأصداف الموجودة على الشواطئ) ذات قيمة أعلى من المساحات التي تحتلها. وهي تُغطي مساحة 3.6% من وجه الكرة الأرضية، غير أنها مسؤولة عن 43% من قيمة خدمات المنظومة العالمية.
- القيمة الروحية
التنوع البيولوجي ذو مساهمة قيمية وروحية للإنسان في مجالات الجمال، الفن، الدين والثقافة.
* انقراض التنوع البيولوجي
العوامل الأساسية التي تؤدي إلى انقراض التنوع البيولوجي في العالم عامة وفي لبنان خاصة هي:
- فقدان محاضن النمو وتقطيعها بفعل عمليات التطوير: الاقتطاع المتواصل للمساحات المفتوحة بفعل البناء وتوسيع البلدات، إقامة البنى التحتية وتحويل الجداول إلى مسارات للمجاري، تحوَّلت إلى عامل أساسي في انقراض أنواع من النباتات والحيوانات وتقليل التنوع البيولوجي.
- إقحام الحيوانات والنباتات الغريبة: إن إدخال الأنواع الغريبة إلى المنظومات البيئية القائمة يمس بالتوازن الطبيعي ما بين الأنظمة، ويؤدي في الكثير من الحالات إلى تغيير محاضن النمو وإلى حصار الأنواع البرية القائمة وفي بعض الأحيان إلى انقراضها.
- الاستغلال الزائد للموارد الطبيعية: أعمال الصيد غير المراقبة، الرعي المفرط، الجمع غير المراقب للنباتات والحيوانات لأغراض التجارة، هي من بين الأسباب التي تؤدي إلى تخفيف التنوع البيولوجي والتغييرات في مبنى الأحياء والنباتات في محاضن النمو.
- التغييرات في الوسائل: إن وسائل صيد السمك الحديثة تمس بالثدييات البحرية. وعلى غرار ذلك، فإن الزراعة العصرية تُؤدي إلى طرد النباتات البرية من الحقول والكائنات الحية التي تعيش على الأرض.
- التلوث البيئي: إن تلويث الأرض والماء بالمواد الخطرة ومواد الإبادة يؤدي إلى التسمم؛ فمثلاً استعمال الأسمدة في الزراعة يؤدي في حالات كثيرة إلى التسمم.
* واقع التنوع البيولوجي في لبنان
تشتمل الطبيعة اللبنانية على نسبة كبيرة من النباتات المتعددة الأقاليم التي لديها نطاق جغرافي واسع جداً، وتعتبر هذه الثروة الطبيعية من أهم ميزات لبنان في مجال التنوع البيولوجي، لكن للأسف فإن معظم المشاريع المتعلقة بالتنوع البيولوجي في لبنان تجري على مستوى دراسات ولا تطبق فعلياً على الأرض.
وقد أظهرت الدراسة الوطنية للتنوع البيولوجي في لبنان (1996) التي قامت بها وزارة الزراعة وجود 9119 فصيلة، منها 4633 فصيلة نباتات و4486 فصيلة حيوانات. ولكن الحرائق التي حدثت أدت إلى خسارة نحو 3460 هكتاراً من غابات لبنان وغطائه النباتي مع نهاية عام 2006، يضاف إليها الرعي الجائر والتمدد العمراني والمقالع والكسارات والمرامل وجمع النباتات الطبية لأغراض تجارية، كل هذه العوامل تهدّد التنوّع البيولوجي في لبنان، فضلاً عن الاحتباس الحراري وتغير المناخ على المستوى العالمي الذي تأثرت به دول حوض البحر المتوسط، حسب ما ورد في التقرير النهائي للمؤتمر ال38 للجنة الدولية للاستكشاف العلمي في البحر المتوسط. اتخذ لبنان عدة تدابير تتعلق باستعمال الموارد البيولوجية التي تؤدي إلى تجنب أو إلى التقليل من الآثار الضارة على التنوع البيولوجي. مثال على ذلك، قرار وزارة الزراعة منع قطف النباتات الطبية، والذي صدر بهدف منع حصاد الزعتر البري والمريمية. ومنها أيضاً القرار 92 1 الصادر عن وزارة الزراعة، الذي يمنع تصدير النباتات الطبية والعطرية ومن ضمنها الزعتر، نبات الآس العطري والبنفسج. إلا أن هذه القوانين تبقى حبراً على ورق، وخصوصاً إذا أخذنا قرار منع الصيد نموذجاً للتشريعات التي تنتهك يومياً.
* إجراءات صون التنوع البيولوجي
إتخذ كل من المجتمع الدولي والحكومات أربعة أنواع من الإجراءات لتشجيع صون التنوع البيولوجي وإستخدامه على نحو قابل للإستمرار، وهي:
1 - التدابير الرامية إلى حماية البيئة الخاصة (الموائل)، مثل الحدائق الوطنية أو المحميات الطبيعية.
2 - التدابير الرامية إلى حماية أنواع خاصة أو مجموعات خاصة من الأنواع من الإستغلال المفرط.
3 - التدابير الرامية إلى الحفظ خارج البيئة الطبيعية للأنواع الموجودة في الحدائق النباتية أو في بنوك الجينات.
4- التدابير الرامية إلى كبح تلوث المحيط الحيوي بالملوثات.
وهناك عدة اتفاقيات إقليمية وعالمية لها اتصال وثيق بتنفيذ تدابير صون التنوع البيولوجي، منها:
1 - الاتفاقية المتعلقة بالحفاظ على الحيوانات والنباتات على حالتها الطبيعية (1933).
2 - الاتفاقية الدولية لتنظيم صيد الحيتان (1946)، وتم تعديلها في (1956).
3 - إتفاقية إنشاء مجلس عام لمصايد الأسماك في البحر المتوسط (1949).
4 - الاتفاقية الإفريقية لحفظ الطبيعة والموارد الطبيعية(1968).
5 - الاتفاقية المتعلقة بالأراضي الرطبة ذات الأهمية الدولية الخاصة بسكنى الطيور المائية (رامسار) واعتمدت في 1971.
6 - إتفاقية الاتجار الدولي في أنواع الحيوانات والنباتات البرية والمهددة بالانقراض (سايتس)، واعتمدت في 1973.
7 - إتفاقية حفظ أنواع الحيوانات البرية المهاجرة (1979).
8 - الاتفاقية الإقليمية لحماية بيئة البحر الأحمر وخليج عدن (1982).
9 - إتفاقية التنوع البيولوجي، وتم التوقيع عليها أثناء قمة الأرض في 1992.