الشيخ نعيم قاسم
تواترت الروايات عند المسلمين سنة وشيعة، على أنَّ نسب الإمام المهدي عجل الله فرجه يرجع إلى العترة الطاهرة من أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله، واختلفت في مسألة ولادته. فالشيعة يحددونه بالإمام الثاني عشر محمد بن الحسن العسكري عليه السلام، الذي وُلد وغاب عن الأنظار، وسيظهر في آخر الزمان، والسنَّة يبشرون بولادته في آخر الزمان، على أساس أنَّه لم يولد بعد. وهذا ما نتلمسه من خلال استعراض بعض الروايات في هذا الشأن من كتب الفريقين.
* اثنا عشر خليفة أو أميراً
تخبرنا الروايات عن اثني عشر خليفة أو أميراً، كلهم من قريش، يتولَّون شؤون المسلمين، فهم قادتهم الحقيقيون، ولا ينقضي أمر الدنيا حتى يتولى الاثنا عشر مسؤولية الإمارة والقيادة. ففي صحيح مسلم، عن جابر بن سمرة، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: "لا يزال أمر الناس ماضياً ما وليهم اثنا عشر رجلاً. ثم تكلم صلى الله عليه وآله بكلمةٍ خفيت عليَّ، فسألت أبي: ماذا قال رسول الله صلى الله عليه وآله؟ فقال: كلهم من قريش"(1). وروى الشيخ الصدوق في خصاله الرواية نفسها تقريباً، عن جابر بن سمرة، قال: أتيت النبي صلى الله عليه وآله فسمعته يقول: "إنَّ هذا الأمر لن ينقضي حتى يملك اثنا عشر خليفة كلهم...، فقال كلمة خفيَّة لم أفهمها، فقلت لأبي: ما قال؟ قال: قال صلى الله عليه وآله: كلهم من قريش"(2). وفي صحيح البخاري، استخدم كلمة أمير بدل خليفة في رواية من رواياته، عن جابر بن سمرة، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: "يكون اثنا عشر أميراً، فقال كلمة لم أسمعها، فقال أبي إنَّه قال: كلهم من قريش"(3). أما في مسند أحمد، فقد ذكر الرواية بصيغة ليس فيها تساؤل عن الكلمة التي خفيت، فقال عن رسول الله صلى الله عليه وآله: "يكون بعدي اثنا عشر خليفة كلهم من قريش"(4). وفي رواية مشابهة تقريباً، للشيخ الصدوق في خصاله، قال رسول الله صلى الله عليه وآله: "لا يزال أمر أمتي ظاهراً حتى يمضي اثنا عشر خليفة كلهم من قريش"(5).
* الكتاب والعترة
ثم تربط الروايات بين القرآن الكريم كتاب الله تعالى، والعترة الطاهرة من أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله، في أنهما لن يفترقا، كمؤشر لتلازم الإيمان بهما، والاسترشاد بهديهما، والتمسك بهما للحماية من الضلال. فالقرآن كتاب الله الموجِّه والمعلِّم والمرشد، وأهل البيت عليهم السلام يمثلون السلوك التطبيقي لأوامر الله تعالى وأوامر رسوله صلى الله عليه وآله. وكتعبير عن مسؤولية المسلمين في الاقتداء بهما، ورد في الرواية: "فانظروا كيف تخلفوني فيهما". ففي سنن الترمذي، عن زيد بن أرقم، قال رسول الله صلى الله عليه وآله: "إني تاركٌ فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي، أحدهما أعظم من الآخر، كتابُ الله حبلٌ ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، ولن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما"(6). وفي مسند أحمد، بصيغة قريبة، عن أبي سعيد الخدري، قال رسول الله صلى الله عليه وآله: "إني أوشك أن أدعى فأجيب، واني تاركٌ فيكم الثقلين: كتاب الله عزَّ وجل وعترتي، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، وإنَّ اللطيف الخبير أخبرني أنَّهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض، فانظروا بمَ تخلفوني فيهما"(7).
(1) مسلم النيسابوري، صحيح مسلم، ج6، ص3.
(2) الشيخ الصدوق، الخصال، ص470.
(3) البخاري، صحيح البخاري، ج8، ص124.
(4) الإمام أحمد بن حنبل، مسند أحمد، ج5، ص92.
(5) الشيخ الصدوق، الخصال، ص475.
(6) الترمذي، سنن الترمذي، ج5، ص328.
(7) الإمام أحمد بن حنبل، مسند أحمد، ج3، ص17.