الشيخ نعيم قاسم
تحقِّق البشارة بالإمام المهدي عجل الله فرجه منعطفاً هاماً في حياة الفرد والمجتمع، حيث يؤدي انتظار ظهوره في مستقبل البشريّة تأثيراً على مستوى التفكير، والإيمان، والذات الإنسانية، والسلوك. فظهور المخلِّص يعني التفكير بالموقف منه والعلاقة معه، والإيمان به يُنجز التزاماً وتصويبّاً تجاه خطوة من خطوات المسار والمنهج الإلهي، وتتعبأ الذات الإنسانية بحالة روحيّة ومعنوية متفائلة، ويتأثّر السلوك استعداداً للالتحاق بركب الإمام عجل الله فرجه. إنَّ التّأكيد على الإيمان بالمهدي عجل الله فرجه من خلال الآيات والروايات الكثيرة والمتواترة، يدلُّ على الأهمية التي يوليها الإسلام لهذا القائد الرمز، ولدوره وموقعه وأثره في الحياة الإنسانية. ولعلَّ البعض ينصرف إلى المعلومات التفصيليّة حول توقيت الظهور ومؤشّراته أكثر مما يهتم بأصل الظهور وأثر وجوده، علماً بأن النتائج المتوخاة خلال فترة احتجابه وغيابه عنَّا تتحقَّق بشكلٍ كبيرٍ وفعّال بسبب الإيمان به.
وهذا ما أشارت إليه الروايات التي تحدثت عن انتظار الفرج بأنه أفضل العبادة، وأحبُّ الأعمال إلى اللّه عزّ وجل، ففي الحديث عن أمير المؤمنين عليه السلام، عن رسول اللّه صلى الله عليه وآله: "أفضل العبادة انتظار الفرج"(1)، وفي سؤال لأمير المؤمنين عليه السلام: "فأي الأعمال أحبُّ إلى اللّه عزَّ وجل؟ أجاب: انتظار الفرج"(2). للإيمان بالإمام المهدي عجل الله فرجه انعكاسات على واقع المؤمنين، نذكر منها:
1- شحنة معنوية: إنَّ انتظار الإمام المهدي عجل الله فرجه يزرع الأمل في نفس المؤمن، ويطمئنه لحلولٍ قادمة في المستقبل، بحيث يرتبط بوعد اللّه تعالى الذي لا يُخلف وعده، أي بالقوة الفاعلة على الأرض، فرصيد المؤمن من الدعم الإلهي يُشعرهُ بالقوّة والقدرة، وهذا ما يولِّد شحنة معنوية تنعكس على إرادته وموقفه، حيث تصبح إرادته وتصميمه وثقته بنفسه أقوى أمام التحديات، وينطلق موقفه بثبات وصلابة واطمئنان، متمسكاً بالاستقامة والصلاح في مقابل الانحراف والفساد.
2 - ضمان النتيجة: قال تعالى: ﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِين﴾ (القصص: 5)، وذكرت الروايات أنَّ الإمام المهدي عجل الله فرجه سيقيم دولة العدل الإلهية على الأرض، فالنصر مؤكد للمؤمنين، والهزيمة حتمية للكافرين، ولا مجال لأي شك بهذه النتيجة، فهي وعد اللّه تعالى، وارادته في حياة البشريّة أن يظهر خاتم الأئمة المهدي عجل الله فرجه في آخر الزمان، ويكون النصر الكبير الشامل على يديه. فعندما ينتظر المؤمن النصر القادم، يُدرك أنَّ خطواته ستتراكم مع خطوات الأمة، وستثمر في يوم من الأيّام، حتّى ولو جهل تاريخ هذا اليوم، فتكليفه أن يكون جزءاً من هذا الخط، وأن يتوكّل على اللّه تعالى فيما يقضي ويقدِّر.
3 - أثر القيادة: إنَّ تباعد الزمان عن التواصل المباشر مع المعصوم، فتح باب الاجتهاد لشرح تعاليم الإسلام وتوضيحها لعامة الناس، وتحديد تكليفهم الشرعي تجاهها، وأوجد ثغرات في التطبيق والمواقف، وتبايناً في الآراء أدَّى إلى نشوء فرقٍ ومذاهب وجماعات... فمن هو صاحب الحق الأكيد؟ ومن يصيب بدقَّةٍ أكثر في آرائه ومواقفه؟ إنَّ انتظار الإمام المهدي عجل الله فرجه يحسم مسار القيادة المفترضة الطاعة، ويريح المؤمن باتباع من يرشده إليه ويكون من أتباعه وأنصاره، فيرفع حيرته حول صوابية ما يؤديه من تكليف شرعي.
4 - عدم الاستسلام: يعيش المؤمن واقعاً مريراً في مواجهة الكفر والانحراف، وكأنَّه يقبض على الجمر، ويعرِّض نفسه للاحتراق، فعن ابن مسعود عن رسول الله صلى الله عليه وآله: "يا ابن مسعود، يأتي على الناس زمانٌ، الصابر على دينه مثل القابض على الجمرة بكفه"(3)، ويضغط الشيطان وأعوانه على المؤمنين بزينتهم من ناحية، وظلمهم واستبدادهم من ناحية أخرى، ليحرفوهم عن الطاعة لله تعالى. فإذا اعتقد المؤمن بأنه متروكٌ من دون أفقٍ للحل، وأنَّه وحيدٌ في الصمود والمواجهة، فستضعف قدرته أمام الواقع الضاغط، وقد يسقط في الامتحان، أمَّا مع وجود الأمل بالخلاص، فإنَّ الصمود يقوى ويشتدّ، فلا يستسلم مهما كانت الصعوبات والضغوطات، وهذا ما يجعله ثابتاً على الإيمان.
5 - إمكانية التغيير: عندما يعمُّ الانحراف الأرض، ويشتدُّ جبروت المستكبرين والظالمين، وتبرز الصورة القاتمة لسيطرة الشر في العالم، يدبُّ اليأس في النفوس. ولكن عندما يكون الأمل موجوداً بظهور المهدي عجل الله فرجه، واستشرافُ النصر حقيقةً لا محيص عنها، يتوقع المؤمن تغيير الواقع، ويشحذ همته للعمل الدؤوب، وينهض بدعوته إلى الله تعالى مهما كانت إمكاناته متواضعة، ويبذل جهده ليساهم في مسيرة الاستقامة، وبذلك نكون أمام حيوية لا تهدأ، وعزيمة لا تنكسر.
إنَّ وعد الله تعالى للمؤمنين بالنصر إذا نصروه قائمٌ في كل زمان، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾ (محمد: 7)، ﴿وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ (الروم: 47)، لكنْ، متى تتحقق شروط نصرة المؤمنين لله تعالى، ومتى يستحقون النصر؟ تبقى الإجابة مرتبطة بمستوى أداء المؤمنين، فإذا لم يتوفَّر هذا المستوى في زمانٍ ما، لا يتحقق النصر كذلك، ولو بلغ الأمر مساحة الحياة الإنسانية. أمَّا التغيير وخصوصية النصر المرتبطة بظهور الإمام عجل الله فرجه فهي حتمية، حيث ستتحقق الشروط المطلوبة، وسيظهر الإمام عجل الله فرجه، ويسود الإيمان والعدل، فهو وعدٌ لزمانٍ قادم لا يمكن تجاوزه، وهذه بشارة عظيمة للمؤمنين، ﴿يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾ (الصف: 8).
(1) الشيخ الصدّوق، كمال الدّين وتمام النّعمة، ص287.
(2) الشيخ الصدّوق، معاني الأخبار، ص199.
(3) الميرزا النوري، مستدرك الوسائل، ج12، ص330.