نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

قصة تحت الركام‏ ..آثار العشق الإلهي‏

نسرين إدريس

 



كان نهار يوم أربعاء عندما طلب مني الزميل في تلفزيون المنار الأخ علي أن أقرأ قصة كتبها مجاهد في المقاومة الإسلامية وهو صديق له لأبدي رأيي فيها، فالتفتت إليه إحدى الزميلات وسألته من يكون، فأجابها: "الدوري". فاجأني الاسم ولكني لم أعلق، فقد اكتفيت بالاستماع إلى حديثهما عن الدوري الذي كتب قصة صديقه الشهيد فادي غزال، ووعدت الأخ علياً بأني سأقرأها بأسرع وقت. وضعتُ المغلف على مكتبي في مؤسسة الشهيد حتى نهار السبت، ولم يكن في بالي سوى أن القصة التي سأقرؤها ستكون مفعمة بمشاعر عاطفية لصديقٍ غالٍ كان سباقاً إلى الشهادة.

جاء صباح السبت الهادئ، وجلست لأبدأ قراءة تلك القصة وأنا أذكر نفسي أنها التجربة الأولى لذلك الشاب، حتى أضع ملاحظاتي المتواضعة على هذا الأساس. قلّبت الصفحات بسرعة قبل القراءة، فأدهشني الترتيب الفائق الجودة بخط واضح وجميل. بدأت أقرأ المقدمة. لم تكن ككل المقدمات. إنها كلمات عاشق قد فارقت روحه جسده شوقاً لمعشوقه. كنت أسمع أنينه من بين الكلمات وهو يناجي الله ويسأله الزلفى والدنو. ولملمت بعضاً من دموعه عن أطراف كلمات الرجاء، فتوقفت لوهلة عن القراءة. قلت في نفسي إن هذا الشاب إذا لم يستشهد في أول عملية للمقاومة الإسلامية فسيستشهد برصاصة طائشة. وحين هممت لأكمل ما كتبَ، سألتُ نفسي: "أي أثر يتركه تراب المحاور في روح المجاهدين، وكيف يستطيعون الوصول إلى هذا النقاء والطهارة"؟! انتهيت من قراءة المقدمة العرفانية التي تُبكي كل من يقرأها، وما أن قلبتُ الصفحة لأبدأ بقراءة قصة الشهيد فادي غزال، وجدتُ عنوان قصته يستريح في السطر العلوي: "آثار العشق الإلهي.." فابتسمتُ، وبهدوء قرأت حياة الشهيد المجاهد فادي غزال بتفاصيلها الدقيقة من الولادة وحتى الشهادة، بأسلوب أدبي لطيف، وترابطٍ أثار إعجابي الشديد. "إنها ممتازة" قلتُ للأخ علي عندما سألني عن رأيي، "قليل من التعديل وتصبح جاهزة للنشر". وقد فرح "الدوري" بذلك عندما أُبلغ، فهو في أوج الحماسة لنشر قصة حياة صديقه الحميم. ولكني للأسف، لم أتذكر أن أعيد المغلف إلى الأخ علي وظل في تلك الغرفة، أكثر من أسبوع ونصف. بعد بدء الحرب على لبنان في تموز 2006، لم يخطر في بالي أن أحمل المغلف عندما خرجنا بسرعة من مكاتب العمل. وبعد أسبوع من الحرب قصف مبنى مؤسسة الشهيد وصارت قصة "الدوري" تحت الركام. عندما عرفت بالخبر، انتابني قلق غريب من ردة فعل "الدوري"، ولم تكن الحرب قد كشفت عن أنيابها بعدُ. ماذا سأقول له؟ وكيف سأعتذر؟

لكن بعد أكثر من أسبوعين على بدء الحرب، كان الدمار قد التهم كل شي‏ء، وأخذ معه الكثير من الأحبة شهداء، وهذا ما جعل أهمية موضوع إيجاد القصة تضمحل تدريجياً. وفي عصر يوم ثالث أربعاء من بدء الحرب، رن الهاتفُ. ورنين الهاتف في الحرب نذير شؤم. عندما رأيتُ رقم الأخ علي على شاشة الهاتف استغربتُ جداً، وشعرتُ بأن خبراً ما سيحمله إلي. كنتُ أجيب على أسئلته الاعتيادية بترقب، إلى أن سألني ما كنتُ أنتظره وأخاف منه: "قصة الدوري هل هي معك"؟، لم اعرف كيف وبماذا أجيب. وبصوت متقطع قلت: "في الحقيقة، لا أعرف ماذا سأقول..ولكنها تحت الردم"، وكنتُ سأضيف أنني سأبحث عنها، وأخبره أن الأمل في أن نجدها كبير، وإذا كانت المسودة معه سأساعده على إعادة كتابتها، ولكن تعليقه على جوابي أخرسني: "وصاحبها أيضاً".

تذكرت في لحظة كل ذلك العشق. لم يستشهد ذلك العاشق برصاصة طائشة بل في حرب مصيرية. وسألته بعد أن شدّ الدمعُ بحبله حول عنقي: "ما اسمه"؟. قال لي: "محمد خليل عبد الله "الدوري"". لم يترك الشهيد محمد مسودة لما كتبه. ولم يقرأ أحد ما كتبه. ولم يستطع أحد الوصول إلى تلك القصة التي اختفت تحت الركام، وربما لا تزال تنتظر من يجدها. ولكن كل الذي أستطيع أن أقوله، إنه ليس مفاجئاً أن يستشهد، فهو لم يكن ليستطيع تحمّل البقاء أكثر.

الشهيد محمد من مواليد العام: 1982؛ استشهد في بنت جبيل بتاريخ: 28 - تموز -2006.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع