نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

في رحاب بقية اللَّه‏: المهدي عجل الله فرجه خلاصة الهداة

الشيخ نعيم قاسم‏

 



ركَّزت الرسالات السماوية الثلاث: اليهودية، والنصرانية، والإسلام، على وجود المخلِّص والمنقذ، الذي يظهر في آخر الزمان ليعمم العدل ويقود البشر، مستنداً إلى المؤمنين به، ليمد سلطته على المعمورة كافة. وسيعالج بحثنا مسألة المخلِّص من وجهة نظر الإسلام، حيث إنَّها تشكل النظرة الأشمل والأكمل والأكثر دقة وواقعية. خلق اللَّه تعالى الإنسان مخيَّراً، قال تعالى: ﴿إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً (الإنسان: 3)، وهذا ما يؤدي بشكل طبيعي إلى أن يؤمن بعض الناس، ويكفر البعض الآخر، ﴿وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاء فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاء فَلْيَكْفُرْ (الكهف: 29).

ولا بدَّ أن يتعرض الإنسان لما يشجِّعه ويرغِّبه لسلوك طريق الإيمان، كإرسال الأنبياء والرسل، ليرشدوه إلى طريق الهداية، ويبيِّنوا له محاسن وفضائل وخيرات الاستقامة، ويبشروه بالجنة وينذروه بالنار نتيجة أعماله في هذه الحياة الدنيا. فلا مناص من الحساب على ما قام به من عمل في حياته التي عاشها بإرادة الله تعالى، من حيث مكانها وتوقيتها، بدايةً ونهاية. كما يتعرَّض لما يغريه ويغويه ويجذبه إلى الانحراف، بتزيين الباطل، ﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ (آل عمران: 14)، بحيث يُعتبر الشيطان وأعوانه رمزاً لسلوك طريق الكفر والانحراف. ولكن، ما الذي يريده الله تعالى؟ إنَّه يريد هدايتنا وسعادتنا، واستقامتنا في الدنيا، وفوزنا بجنة الآخرة، ﴿يُرِيدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (النساء: 26)، في مقابل ما يريده الشيطان من ضررٍ للإنسان بحرفه عن الحق، وتضليله في حياته، وإيقاعه في الرذائل، ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (المائدة: 91).

ومع أنَّ أكثر الناس لا يؤمنون، أراد الله تعالى الفوز للمجاهدين والصابرين وأصحاب العزم، إنسجاماً مع ما قدَّر الله تعالى من طبيعة خلق الإنسان، ﴿المر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ (الرعد: 1). ووفَّر الله تعالى كل عوامل إلقاء الحجة، كي لا يبقى أي عذرٍ لمعتذر، وهو ما تجسَّد بإرسال الهداة الميامين، في كل زمان ومكان، بحيث لا تخلو الأرض من حجة، سواء أكان نبياً أو إماماً، ظاهراً أو مستوراً، فعن أبي عبد الله عليه السلام، عن آبائه، عن أمير المؤمنين علي عليه السلام أنَّه قال في خطبة له على منبر الكوفة: "اللهم إنَّه لا بدَّ لأرضك من حجة لك على خلقك، يهديهم إلى دينك، ويعلمهم علمك، لئلا تبطل حجتك، ولا يضل أتباع أوليائك بعد إذ هديتهم به، إمَّا ظاهر ليس بالمطاع، أو متكتم مترقب، إن غاب عن الناس شخصه في حال هدايتهم، فإنَّ علمه وآدابه في قلوب المؤمنين مثبتة، فهم بها عاملون"(1).

وجه الحاجة إلى الهداة:
إنَّ وجود الهداة في كل الأزمنة ضرورة للإقتداء وتصويب المسار، حيث تلتبس الأمور على الناس بسبب اختلاف القادة والزعماء وأصحاب الاتجاهات المختلفة، فيصعب التمييز بين الحق والباطل، أمَّا مع التسليم للهداة فإنَّ المرء يطمئن، وتنكشف له كل الحقائق، ويسلك طريق صلاحه في هذه الدنيا. عن بريد بن معاوية العجلي، قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: ما معنى: "إنما أنت منذر ولكل قوم هاد"، قال عليه السلام: "المنذر رسول الله صلى الله عليه وآله، وعلي عليه السلام الهادي، وفي كل وقت وزمان إمامٌ منَّا يهديهم إلى ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وآله"(2).

الحجَّة قائمة على البشر منذ آدم عليه السلام وإلى المهدي عجل الله فرجه، وهي متحققة بالأنبياء والأئمة المعصومين كي لا يحصل أي خلل في التبليغ أو التوجيه أو القيادة. وبهذا يكون تكليف الإنسان واضحاً وسليماً. والحجة مسؤولية على عاتق الإنسان، إذ عليه تأدية حقها باتباعها، والالتزام بما تمليه عليه في حياته وأعماله. والحجة لا تترك عذراً لمعتذر، فهي تخاطب العقل بالدين والاقناع، والروح بتنميتها وتعزيز صلتها بالله تعالى، والسلوك بإرشاده وفق توجيهات الحلال والحرام. فهنيئاً لمن استمع إلى دليل العقل بوجود حجة الله تعالى على العباد، والتزم بتعاليم الإسلام التي تنير طريقه في كل نواحيها، وآمن بما يدلُّه على أن حجة هذا الزمان خلاصة الهداة المعصومين الإمام المهدي عجل الله فرجه، ثم هنيئاً لمن تتبع أخباره، وعاهده على الالتزام بنهجه وتوجيهاته، وانتظر حضوره وظهوره في الأمة، ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً.


(1) الشيخ الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة، ص 302.
(2) المصدر نفسه، ص 667.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع