نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

قرآنيات: القمصان الثلاثة

أحمد إسماعيل

 



في قراءة متأنية لسورة يوسف في القرآن الكريم، وهي من السور القصصية في هذا الكتاب المعجزة، نجد أحداث القصة متمحورة حول ثلاثة قمصان كان لها الأثر البالغ في رسم مسيرة هذا النبي العظيم . قمصان ثلاثة لخصت مسيرة النبي يوسف عليه السلام في مروره في هذه الحياة الدنيا :

القميص الأول
هو الذي أثار عاصفة من الحسد في نفوس إخوة يوسف، فحاولوا قتله ثم عزموا على رميه في الجب، وعادوا بذلك القميص إلى أبيهم ملطخاً بدم كذب، ليقنعوه أن الذئب قد أكله: ﴿وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ (الآية: 18). والدماء على القميص دليل لا يقبل الشك .

والقميص الثاني:
 هو الذي قُدّ من دبر عندما حاصرت زوجة العزيز المصري الفرعوني يوسف في مخدعها وراودته عن نفسه، فاستعصم وهرب بدينه وأخلاقه وشرف الأمانة، إلا أنها تمسكت به من الخلف بكل قوتها، فسببت شقَّ القميص: ﴿وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (الآية: 25)، وكان ما كان.

والقميص الثالث :
هو الذي أعطاه يوسف لإخوته , ليعودوا به إلى أبيهم ويلقوه على وجهه فيرتد بصيراً بعدما ابيضت عيناه من الحزن على يوسف في غيبته الطويلة : ﴿اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ (الآية: 93). وهكذا كان. القمصان الثلاثة في قصة يوسف عليه السلام دلالات أساسية لأبرز مفاهيم ومشكلات وطموحات مسيرة الإنسان في هذه الحياة الدنيا.

• القميص الأول:
يؤشر الى غائلة الحسد في النفس الإنسانية. هذه النزعة الشريرة التي جعلت الإخوة الكبار يشتعلون حسداً من غلام صغير بريء هو أخ لهم يقربه أبوهم يعقوب لمجرد صغر سنه وطفولته الطرية، ويوليه عناية ورعاية هي حق له. فهو طفل وهم رجال، ولكنهم بالرغم من كل مبررات ميل الوالد إلى طفله الصغير ، صعّدوا حسدهم إلى أعلى درجة وصبوا حقدهم على أخيهم الأصغر، ورموا به في غيابة الجب وألقوه في فم المصير الأسود، بعدما هموا بقتله لولا تدخل أحدهم. وهذا القميص يبقى راية حمراء ملطخة بالدم الكذب تحذر الناس من مغبة الركون إلى الحسد، لأنه قد يوصل الإنسان إلى قتل أخيه وارتكاب أي شيء. كذلك يؤشر هذا القميص إلى ما يرتكبه الناس في حياتهم من تزوير للحقائق وكذب وافتراء لأجل مكاسب تافهة، ويقول لنا: لا تصدقوا إلا ما ترونه بأعينكم كي لا تظلموا، وما بين الأذن والعين هو المسافة بين الحق والباطل.

• القميص الثاني:
يؤشر إلى الشهوة الجنسية ومدى جموحها إذا لم يبادر الإنسان إلى إيقاظ العقل وتحكيمه في جميع أموره. فها هي تلك المرأة التي تمثل أعلى قمة في المجتمع الفرعوني المصري في ذلك الزمن، بما تملكه من شرف ومكانة عالية، لأنها زوجة الوزير الأول للفرعون الذي كان الناس يعبدونه من دون الله. هذه المرأة الرفيعة الشأن تهوي بها شهوتها إلى أدنى الدركات، عندما فتنت بشاب غريب يعمل عمل العبيد والخدم في بلاطها وحجراتها، ولا يملك شيئاً سوى مسحة من الجمال، فنسيت تلك المرأة الشريفة كل مكانتها الملكية العالية وتعلقت بأذيال الشاب الغريب تراوده عن نفسه وتدعوه إلى نفسها، منساقة إلى واحدة من أعظم الجرائم التى يمكن لامرأة أن تأتيها. وذلك هو سلطان الشهوة الذي قد يردي الإنسان في أخطر المهالك إذا لم يبق متنبهاً طول حياته.

• أما القميص الثالث:
فهو المؤشر إلى الأمل وتلمس بصيص النور في أحلك الظلمات، واستشراف برعم أخضر من جوف النيران اللاهبة، وتوقع عطر زهرة في حقل الأشواك.. وقد أعاد القميص الثالث البصر إلى عيني يعقوب الذي لم يقطع الأمل من روح الله، رغم الدليل الساطع الذي قدمه إخوة يوسف على مصرعه بأنياب الذئب. ولكن الوالد المفجوع - ولأنه لم ير ذئباً يأكل يوسف - أحس بكذبهم فأوكل أمره إلى الله وإلى الأيام الكفيلة بنبش الحقيقة مهما طال الزمن..

إنها القمصان الثلاثة :
الأول يدعونا إلى نبذ الحسد، والثاني يدعونا إلى تهذيب الشهوات، والثالث يدعونا إلى عدم اليأس وإبقاء شعلة الأمل متوقدة. فلنطفئ نار الحسد، ولنحذر لهب الشهوات، ولنحفظ شمعة الأمل. وبعد هذه القراءة لهذه السورة المباركة، يعرف الإنسان أي القمصان يرتدي، وأي الملابس يفضل، خاصة في هذا الزمن الرديء الذي يعج بصرعات الموضة، الفكرية منها والثقافية والعقائدية، ونختم مع الشاعر السمو أل مرددين :

 فكل رداء يرتديه جميل

إذا المرء لم يدنس من اللؤم عرضه




 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع