أذكار | أذكار لطلب الرزق مع الإمام الخامنئي | سيّدة قمّ المقدّسة نور روح الله | الجهاد مذهب التشيّع‏* كيـف تولّى المهديّ عجل الله تعالى فرجه الإمامة صغيراً؟* أخلاقنا | الصلاة: ميعاد الذاكرين* مفاتيح الحياة | التسوّل طوق المذلَّة* الإمام الصادق عليه السلام يُبطل كيد الملحدين تسابيح جراح | بجراحي واسيتُ الأكبر عليه السلام  تربية | أطفال الحرب: صدمات وعلاج اعرف عدوك | ظاهرة الانتحار في الجيش الأميركيّ

في رحاب بقية الله‏: يأتي بأمرٍ جديد

الشيخ نعيم قاسم‏

 



أراد الله تعالى للإسلام أن يعلو وينتصر، فحفظ لنا القرآن الكريم من التحريف: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُون (الزمر: 9)، ومكَّن محمداً صلى الله عليه وآله وسلم من أن يقيم دولة الإسلام في شبه الجزيرة العربية في أهم بقعة جغرافية إستراتيجية وسط شعب جلف صعب، ووعدنا بأن يقيم الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف دولة العدل الإلهية على الأرض. وما بين إقامة دولة الإسلام الأولى على يد محمد صلى الله عليه وآله وسلم وإقامة الدولة العالمية على يد القائم عجل الله تعالى فرجه الشريف، تحصل انتكاسات وصعوبات تُبعد الإسلام عن مسرح الحياة، وينحرف الكثير من أتباعه عن جادة الحق، وتفسره بعض الفرق بما لا يتلاءم مع أصل التشريع، وتكثر الاجتهادات التي لا يصيب بعضها ما أراده الله ورسوله منها، وهذا جزء من الابتلاء للأمة، يأتي الفرج من بعده في آخر الزمان.

قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما روي عنه: "إنَّ الإسلام بدأ غريباً، وسيعودُ غريباً كما بدأ، فطوبى للغرباء"(1). هذا تصريحٌ واضح من خاتم الأنبياء صلى الله عليه وآله وسلم بأنَّ الإسلام الذي شقَّ طريقه في الجاهلية، وكان غريباً عنها، سيصبح غريباً من جديد، فهنيئاً لمن يحملونه ويعيشون الغربة معه، لأنهم الذخيرة التي تُراكم التهيئة لانتصار الإسلام في المستقبل، ذلك أن الحال سيتغير وسيرجع الحق إلى أهله، كما نقل الإمام الرضا عليه السلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إنَّ الإسلام بدأ غريباً، وسيعود غريباً، فطوبى للغرباء.

قيل: يا رسول الله، ثم يكون ماذا؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم: ثم يرجع الحق إلى أهله"(2). لكن عودة الدين ستكون صافيةً نقيةً مما علق بها من أخطاء وإساءات، وسنكون مع الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف كأنَّنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، نأخذ من النبع الصافي، ونتعرف على تفسير الرسالة الإسلامية بشكل صحيح، فلا ظنٌّ، ولا احتياط، ولا تردد، بل أحكام شرعية قطعية يدلنا عليها المعصوم الذي لا يخطئ ولا ينسى ولا يسهو. وبما أنَّنا في زمن الغيبة، فإنَّ مراجعنا العظام أعلى الله مقامهم في الدنيا والآخرة، قد بذلوا غاية جهدهم لتقديم الأحكام الشرعية للمكلفين بطريقة ميسرة، لكنَّهم وقفوا عند بعض الروايات والأحكام فاحتاطوا فيها لعدم ثبوت الحسم فيها، وربما لم يساعدهم اجتهادهم في أحكام أخرى. ومع أننا كمكلفين مبرّؤو الذمة عند الله تعالى عندما نقلِّد المجتهد لنتعرف على أحكام ديننا، لكنَّ الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف سيطلعنا على الأحكام الشرعية القطعية والأكيدة، وهي نعمةٌ كبيرة للذين عاشوا غربة الدين بغياب الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف. وقد ذكرت الروايات أنَّ الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف يأتي بأمرٍ جديد، والمقصود بذلك ثلاثة معانٍ:

الأول: يعيدُ ما أتى به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، بعد أن تراكمت التفسيرات والالتباسات والفرق. فهو جديدٌ لتميّزه عما هو سائد ومألوف بالنسبة إلينا، لكنَّه متطابق تماماً مع ما أتى به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. عن أبي جعفر عليه السلام: "إنَّ قائمنا إذا قام، دعا الناس إلى أمرٍ جديد، كما دعا إليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم"(3). وفي رواية أخرى عن الإمام الصادق عليه السلام يستخدم تعبير الهدم لما هو موجود، ليقيم مكانه ما أقامه خاتم الأنبياء صلى الله عليه وآله وسلم، وكأنه استئناف للإسلام من جديد، وقد سأله عبد الله بن عطاء المكي عن سيرة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف كيف تكون؟ فأجاب: "يصنع كما صنع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، يهدم ما كان قبله، كما هدم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمر الجاهلية، ويستأنف الإسلام جديداً"(4).

الثاني: يرفع الضلالة عن الأمة، كائناً ما كان سببها ومصدرها، فقد سُمي مهدياً لأنَّه يهدي من الضلال. وهو يطبق هذا الأمر في حياة الناس، ويستخدم سلطته وقوته دفاعاً عن الحق، ويستخدم سيفه ليغيِّر الواقع في مواجهة الكفر والانحراف، فالمهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف يُبيِّن طريق الإسلام المستقيم، ويثبِّته بالدفاع عنه بما يمتلك من قوة مع أنصاره وأعوانه. فعن أبي عبد الله عليه السلام: "إذا قام القائم، دعا الناس إلى الإسلام جديداً، وهداهم إلى أمرٍ قد دُثر، فَضَلَّ عنه الجمهور، وإنَّما سُمي القائم مهدياً، لأنَّه يهدي إلى أمرٍ قد ضلوا عنه، وسُمي بالقائم لقيامه بالحق"(5). وعنه أيضاً سُئل عن القائم عجل الله تعالى فرجه الشريف قال: "كلُّنا قائمٌ بأمرِ الله، واحدٌ بعد واحد، حتى يجي‏ء صاحب السيف، فإذا جاء صاحب السيف، جاء بأمرٍ غير الذي كان"(6)، إذ إنَّه يحمي هذا الدين في حياة الناس بحضوره وقوته فضلاً عن علمه ومعرفته.

الثالث: يعمل بكتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، فيأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وينشر العدل في الأرض، ويواجه الظلم والظالمين. فهو الكتاب الناطق الذي يعيد للإسلام مكانته بعد غربة، ويعيدُ الناس إلى الدين في دولتهم ونظام حياتهم ومعاملاتهم، فيظهر على ما عداه ومن عاداه، ويرتاح المؤمنون بين العباد وفي البلاد. فعن أبي بصير، أنَّه أتى رجلٌ إلى الإمام الكاظم عليه السلام فقال له: إنكم أهلُ بيت رحمةٍ اختصَّكم الله تبارك وتعالى بها. فقال عليه السلام له: "كذلك نحن، والحمد لله، لا نُدخل أحداً في ضلالة، ولا نُخرجه من هدى، إنَّ الدنيا لا تذهبُ حتى يبعث الله عزَّ وجل رجلاً منَّا أهل البيت، يعمل بكتاب الله، لا يرى فيكم منكراً إلاَّ أنكره"(7).

وعن أبي جعفر عليه السلام: "فإنَّما سُمي المهدي لأنَّه يهدي لأمرٍ خفي، يستخرج التوراة وسائر كتب الله من غارٍ بإنطاكية، فيحكم بين أهل التوراة بالتوراة، وبين أهل الإنجيل بالإنجيل، وبين أهل الزبور بالزبور، وبين أهل الفرقان بالفرقان، وتُجمع إليه أموال الدنيا كلها، ما في بطن الأرض وظهرها، فيقول للناس تعالوا إلى ما قطعتم فيه الأرحام، وسفكتم فيه الدماء، وركبتم فيه محارم الله، فيُعطي شيئاً لم يُعطَ أحدٌ كان قبله. وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: هو رجلٌ مني، اسمه كاسمي، يحفظني الله فيه، ويعمل بسنتي، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً ونوراً، بعدما تمتلئ ظلماً وجوراً وسوءاً"(8).
 


(1) الشيخ الصدوق، كمال الدين، ص‏201.
(2) الشيخ الصدوق، عيون أخبار الرضا عليه السلام، ج‏1، ص‏218.
(3) النعماني، كتاب الغيبة، ص‏336.
(4) المصدر نفسه.
(5) الشيخ المفيد، الارشاد، ج‏2، ص‏383.
(6) الشيخ الكليني، الكافي، ج‏1، ص‏536.
(7) المصدر نفسه، ج‏8، ص‏396.
(8) الشيخ الصدوق، علل الشرائع، ج‏1، ص‏161.

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع