إلهي أشكرك لأنك عرفتني أنني أسير ظلمة الحجاب، وهو سر وجودي في هذه النشأة. وسيبقى يلازمني إن لم أخرقه بلطفك الهادي.
سيدي، حين وقفت على أعتاب فيضك ونداك، وبثثت إليك شجوب ألم الفراق، وأحرقت عندك كبر العصيان، أجبتني بسر هذه المعرفة.. فنزعت عني أول حجاب، لن أعود إليه أبداً. وشملني عطفك بنداء خفي بسر: "وهو أقرب إليه من حبل الوريد".
وأمطرت علي من سحاب جودك الذي لا يتناهى، وفيضك الذي لا انقطاع له أبداً.. فأدركت أنا الغريق في بحر الحجب الثلاث: ظلمات بعضها فوق بعض.
ولكنني، أنا المغتر البائس، كنت أعشق الحجب بزعم خرقها، فأشاهد بلذة فتات حطامها، وأستعيض عن واحد منها بالآف من أجزائها.. أسعد برؤية الحطام ظناً مني أنه خرق لحجاب الجفاء، فأكتشف بعد فترة أنني قد اشتريت ألفاً بواحدة.
إلهي متى تستنقذني رحمتك الكبرى، فلا أضل بعدها ولا أشقى؟
أريد أن أخرج من حجاب الظلمة، المزخرف في أنظار العالمين.
وأخرج من حجاب التعلقات برؤية الحطام..
وأخرج من حجب الشرود عنك بقطع الشجرة الخبيثة..
وأخرج من حجاب رؤية الخروج..
وأخرج من حجب النور من رؤية النفس، ومشاهدة المحب والتعلق بالحب، لأسرح في وادي المحبوب ولا أرى غيره أبداً..
فأخرجني يا رب، من حجاب طلب المحبوب لأنه حجاب نور.. فلا أريد أي حجاب..
وأخرجني مما أريد، فأريد أن لا أريد..
"إلهي ترددي في الآثار يوجب بعد المزار فاجمعني بخدمة توصلني إليك..".
إلهي..
وأنسني حب الدنيا بقطع أغصانها.
واجمعني بتحليق طيوري إلى عز قدسك لتأنس.
بمنزل السفر، وتجعله محطة عبور..
وأرني حقيقة فقري من أسرار الفخر الأكبر..
وأقطع عني كل غيرية مهما كانت..
لتبقى وحدك
ولا يكون في الدار غيرك ديار...