مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

في رحاب بقية الله‏: السُّلوك طريقٌ إلى الظُّهور

الشيخ نعيم قاسم‏

 



لا يُظهر عدد المسلمين في العالم، وهو اليوم يناهز المليار وثلاثمائة مليون مسلم، مؤشراً لظهور الإمام المهدي عجل الله فرجه، ولا تُعتبر المظاهر الإسلامية والشعارات الدينية مؤشراً لذلك، على الرغم من كثرة الشعارات وأعداد المساجد وصلوات الجمعات والجماعات، ووجود الحركات الإسلامية "الجهادية" و"غير الجهادية" على أشكالها وتنوعاتها بآرائها المختلفة. إنما يكون الاعتبار للسلوك الإسلامي القويم الذي يجسد تعاليم الإسلام المحمدي الأصيل، حين تنهى الصلاة المصلي عن الفحشاء والمنكر، ويقوِّم الصوم إرادة الصائم ليصل إلى التقوى، ويتميز المؤمن بالخلق الحسن الذي ينعكس استقامة ونوراً بين الناس، ويلتزم المقاتل لأعداء الله تعالى بشروط الجهاد بدءاً من إذن القيادة الشرعية، وصولاً إلى أخلاقية المجاهد في تفاصيل جهاده بعدم الإضرار بالمسلمين، ولا بالأطفال والنساء والشيوخ، وبتحديد أولوية المعركة بعيداً عن الفتنة الداخلية بين المسلمين والمواطنين الآمنين.

ولعلَّ أصدق تعبير عن عناوين الجهاد هو ما يقوم به مجاهدو المقاومة الإسلامية في مقاتلة المحتل والمعتدي الإسرائيلي بأداء يجسِّد المسار وعظمة السلوك الإسلامي الأصيل. فإذا كنا نبحث عن زمن الظهور، فعلينا مراقبة أعداد هؤلاء المؤمنين المجاهدين الصابرين، أصحاب السلوك الإسلامي المستقيم في حياتهم الخاصة والعامة، الذين لا يفسرون الإسلام بآرائهم وأهوائهم، وإنما يتبعون علماءهم الربانيين الذين وعوا طريق الشريعة إلى طاعة الله تعالى، وهذا هو الاختبار الحقيقي ليتميز الخبيث من الطيب، والضال من المهتدي. ولا عجب أن يحيط بنا الفساد، وأن تلتبس الأمور على الذين لم يسلكوا طريق الشريعة الحقة، وسنشهد أناساً ينحرفون بعد إيمان، وأفراداً يخرجون من الجماعة بدافع أهوائهم ومصالحهم الخاصة، ومن يستمع إلى صغار القوم ممن تآمروا مع الأجنبي أو ملكوا الدرهم والدينار.

حين يكون الإيمان عزيزاً، والمؤمنون قلة، ورعاية الحلال والحرام في العقود والمعاملات والطعام والشراب والحياة اليومية أمراً مضنياً، فدرهم الحلال يتطلب صبراً وتقوى. ففي خطبة لأمير المؤمنين علي عليه السلام يصف سهولة انتشار الفساد وصعوبة الثبات على الإيمان: "ألا فتوقعوا ما يكون من إدبار أموركم، وانقطاع وصلكم، واستعمال صغاركم. ذاك حيث تكون ضربة السيف على المؤمن أهون من الدرهم من حله. ذاك حيث يكون المُعطى أعظم أجراً من المُعطي. ذاك حيث تسكرون من غير شراب، بل من النعمة والنعيم، وتحلفون من غير اضطرار، وتكذبون من غير إحراج"(1). فهو يبين أن المُعطى الفقير أعظم أجراً من المُعطي الغني، لأنَّ المعطى يراعي الضوابط الشرعية أكثر مما يراعيها المعطي، وليس ذلك من قلة النعم، فالنعم كثيرة، لكنها لا تستخدم في حلِّها، ويكون الحلف والكذب على أمورٍ تافهة لا تستحق أن يخسر الإنسان دينه بسببها، لكنَّه الانحراف الذي يكون كبيراً ومنتشراً.

في مقابل هذا الانحراف الكبير في آخر الزمان وقرب ظهور الإمام عجل الله فرجه، ثلةٌ مؤمنة تجاهد وتصبر وتعطي أروع النماذج في طاعة الله تعالى، وهي التي يكون الفرج بسبب اكتمال عدتها. هؤلاء ينصحهم أمير المؤمنين عليه السلام بالثبات والصبر والاستقامة، يقول الأمير عليه السلام: "وبادروا آجالكم بأعمالكم، فإنَّكم مرتهنون بما أسلفتم، ومدينون بما قدمتم. وكأنْ قد نزل بكم المخوِّف. فلا رجعة تنالون، ولا عثرة تقالون، استعملنا الله وإياكم بطاعته وطاعة رسوله، وعفا عنا وعنكم بفضل رحمته. إلزموا الأرض، واصبروا على البلاء. ولا تحركوا بأيديكم وسيوفكم في هوى ألسنتكم، ولا تستعجلوا بما لم يعجله الله لكم. فإنَّه من مات منكم على فراشه وهو على معرفةِ حقِّ ربِّه وحقِّ رسوله وأهل بيته مات شهيداً، ووقع أجره على الله، واستوجب ثواب ما نوى من صالح عمله. وقامت النية مقام إصلاته لسيفه. وإنَّ لكلِّ شي‏ء مدةً وأجلاً"(2).

المؤمن في حالة طمأنينة، فمساهمته في تعجيل الظهور تكون بسلوكه وثباته على الدين، وهو صابر مهما عظم البلاء وكثر الفساد والانحراف، ولا يتحرك في أمر إلاَّ إذا كان منسجماً مع أوامر الشريعة المقدسة، ولو كان الأمر كلمة من اللسان، ولا يستعجل الفرج عجلةً تخرجه عن صبره وانتظاره، فإنَّ لكل شي‏ء أجلاً، وما دام على المسار الصحيح، فلا يضره تعجَّل هذا الأمر أم تأخر. كن مطمئناً ما دمت منتظراً للإمام عجل الله فرجه محتسباً أجرك على الله تعالى، سواءً توفقت لترى طلعته البهية أم جاءك الأجل قبل ذلك، فالانتظار للفرج هو فرجك ومخرجك من الآثام إلى نعيم الله تعالى. عن الإمام الباقر عليه السلام في جوابه لأحد أصحابه: "رحم الله عبداً حبس نفسه علينا، رحم الله عبداً أحيا أمرنا. فسأله: فإن مت قبل أن أدرك القائم؟ فأجاب: القائل منكم (إن أدركت القائم من آل محمد نصرته) كالمقارع معه بسيفه، والشهيد معه له شهادتان"(3).


(1) نهج البلاغة، من الخطبة 187.
(2) نهج البلاغة، من الخطبة 190.
(3) البرقي، المحاسن، ج‏1، من 173.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع