مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

قضايا معاصرة: شرعة حقوق الإنسان صرخة في وادٍ

موسى حسين صفوان

 



قديماً عندما حمل نبي الله نوح عليه السلام في سفينته من كل زوجين اثنين، ونادى ابنه ﴿وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلاَ تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ * قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاء قَالَ لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ إِلاَّ مَن رَّحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ (هود: 42-43). ومذ ذاك بعث الله تبارك وتعالى مئات الأنبياء يدعون الناس إلى الرحمة والمغفرة والسلام والأمان. وكان أكثر الناس يتركون سفن النجاة المتاحة لهم، ويسلكون الطريق الوعرة بحثاً عن الخلاص، فهل وصل الإنسان إلى مبتغاه؟!!

لعل التاريخ الإنساني الطويل كفيل بالإجابة عن هذا السؤال... ومع ذلك، فقد نرى حقبات مشرقة من تاريخ البشر، ظهر فيها أنبياء مبشرون أو حكماء ناصحون، وتركوا بصماتهم على التاريخ الفكري للمجتمعات والشعوب... كان على الإنسان أن يكابد السير إلى غايته في غياب الدليل! وقد استغرق الأمر عشرات القرون حتى اهتدت البشرية إلى ما يعرف بـ"شرعة حقوق الإنسان" فهل كان ذلك إيذاناً بوضع حدٍّ لظلم البشر بعضهم بعضاً أم أنها صرخة في واد، ساهمت للأسف الشديد في تشكيل غطاء عريض من الذرائع سمح للدول المستكبرة بالتدخل في شؤون الشعوب المستضعفة تحقيقاً لمصالحها الاستعمارية؟؟ بيد أنه لا ينبغي أن نغمط تلك الوثيقة التاريخية حقها، فقد أسهمت في تقدم البشرية خطوة إلى الأمام على الأقل في المستوى النظري، كما أنها ضيقت فرص القوى الاستكبارية التي تعلن في كل يوم دفاعها عن حقوق الإنسان... فما هي ظروف تأسيس "شرعة حقوق الإنسان"، وما هي أهم مبادئها المعلنة؟

التأسيس
شهد العالم منذ الخامس عشر من آذار سنة 1939م أحداثاً دراماتيكية حيث دخلت جيوش الزعيم الألماني "هتلر" إلى "تشيكوسلوفاكيا" معلنة بدء الحرب العالمية الثانية، التي شهدت حروباً ومظالم قضى بموجبها الملايين من بني البشر، فضلاً عن الأضرار الاقتصادية والاجتماعية والنفسية التي يصعب إحصاؤها، ومع استسلام اليابان التي كانت إلى جانب ألمانيا الهتلرية في الثاني من أيلول سنة 1945م، بات واضحاً أن سيطرة دول الحلفاء. وعلى رأسهم بريطانيا وفرنسا وأميركا التي بدأت حينها تظهر كدولة عظمى، أن على تلك الدول الشروع بإدارة المشهد السياسي العالمي، ومن ذلك كان وضع ميثاق الأمم المتحدة موضع التنفيذ في الرابع والعشرين من تشرين الأول سنة 1945، أي بعد أقل من شهرين على نهاية الحرب. ولعل من أهم ثمرات منظمة الأمم المتحدة، على مستوى الحركة الحضارية للإنسان كان (الإعلان العالمي لحقوق الإنسان) الذي صدر في العاشر من كانون الأول عام 1948م بموافقة ثمانية وأربعين دولة وامتناع ثماني دول عن التصويت. وقد سبق ذلك خطوات على قدر من الأهمية في هذا المجال أهمها:
1-ما عرف بشرعة الـ"ماغنا كارتا" Magna-Carta وعرفت بالوثيقة العظمى، وهي تشمل لائحة من الحقوق التي أكره النبلاء الإنكليز الملك جون على إقرارها سنة 1215م.
2- إعلان "وثيقة فرجينيا للحقوق" التي صدرت في الرابع من تموز سنة 1776م.
3- إعلان "حقوق الإنسان والمواطن" الصادر عن الثورة الفرنسية في السادس والعشرين من آب 1789م. وعلى أثر انتهاء الحرب العالمية الأولى في الحادي عشر من شهر تشرين الثاني سنة 1918م وتوقيع هدنة "روتوند" Rethond، تداعت الدول المنتصرة لتشكيل "عصبة الأمم" التي تم إنشاؤها في الثامن والعشرين من نيسان سنة 1919م أي بعد حوالي خمسة أشهر من نهاية الحرب وقد استمرت حتى الأول من حزيران سنة 1946م حيث حلت محلها منظمة الأمم المتحدة U.N والتي وقَّع ميثاقها إحدى وخمسون دولة في السادس والعشرين من حزيران سنة 1945م في مدينة سان فرانسيسكو وأصبح نافذاً في الرابع والعشرين من تشرين الأول من العام نفسه. وبعد صدور شرعة حقوق الإنسان عام 1948، تم توقيع معاهدات مماثلة عديدة منها: إعلان منح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة الصادر عن الجمعية العامة في الرابع عشر من كانون الأول 1962م. والقرار القاضي بالسيادة الدائمة على الموارد الطبيعية في الرابع عشر من كانون الأول عام 1962م. وفي السادس عشر من كانون الأول للعام 1966م تم توقيع العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، واتفاقية العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والعشرات من المعاهدات والمواثيق المماثلة.

 المبادئ:  وضع الكندي "جون همفري" مسودة لإعلان حقوق الإنسان بلغت أربعماية صفحة بناء لتكليف اللجنة الثلاثية المؤلفة من روزفلت وتشانغ وشارل مالك، ثم تم تكليف "رينيه كاسان" فوضع مسودة مختصرة اعتمد فيها على إعلان الثورة الفرنسية، وشرعة الـ(ماغنا كارتا)، وقامت اللجنة الثلاثية بمراجعتها وإقرارها. تضمنت الوثيقة ديباجة وثلاثين مادة. ركزت الديباجة على أصالة الكرامة الإنسانية، والمساواة في الحقوق بين بني البشر، وحق الإنسان بالحرية والعدل، وأشارت إلى الضمير الإنساني وضرورة تنمية علاقات ودية بين الأمم، والمساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق، وأطلت من خلال حقوق الإنسان الفرد على مسألة النهوض والتقدم الاجتماعي. وعلى مستوى المواد، فقد لخصت المادة الأولى فلسفة الإعلان، فجاء فيها: "يولد جميع الناس أحراراً ومتساوين في الكرامة والحقوق وهم قد وهبوا العقل والوجدان وعليهم أن يعاملوا بعضهم بروح الإخاء". ومن وحي الديباجة والمادة الأولى، تتابع مواد الميثاق تفاصيل الحقوق الطبيعية للإنسان، فتذكر المادة الثانية مسألة التمييز على أساس العنصر أو بسبب اللون والجنس واللغة والدين، وحق إبداء الرأي والانتماء السياسي. وتذكر المادة الرابعة مسألة الرق. وتتحدث المواد الخامسة حتى الثانية عشرة عن الحقوق القانونية، وما تبقى من مواد تتناول حقوق الإنسان بالسفر واللجوء والجنسية وحق الزواج والمساواة، والتأكيد على الأسرة وحرية التملك والدين وحرية الرأي والحق بالانتماء إلى الجمعيات الأهلية، وحق العمل والراحة وضمان الشيخوخة.

وفي مجال الحياة الاجتماعية تؤكد المادتان الثامنة والعشرون والتاسعة والعشرون على العلاقة بين الفرد والمجتمع المحكومة بالنظام الاجتماعي والقوانين المرعية. ولا شك أن التوقف عند كل مادة من مواد هذه الشرعة يحتاج إلى مجال أوسع مما هو متاح. والمهم في هذا المقال التأكيد على الأهمية المعنوية لهذا الإعلان، فقد جاء في الديباجة "... فإن الجمعية العامة تنشر على الملأ هذا الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بوصفه المثل الأعلى المشترك الذي ينبغي أن تبلغه كافة الشعوب وكافة الأمم، كيما يسعى جميع أفراد المجتمع وهيئاته واضعين هذا الإعلان نصب أعينهم على الدوام - ومن خلال التعليم والتربية - إلى توطيد احترام هذه الحقوق والحريات، وكيما يكفلوا بالتدابير المطَّردة الوطنية والدولية الاعتراف العالمي بها ومراعاتها الفعلية فيما بين شعوب الدول الأعضاء...".

وواضح من خلال هذه الديباجة أن مسؤولية تنفيذ هذه الحقوق ألقيت على عاتق الحكومات التي تمتلك السلطة والقدرة على التنفيذ. ورغم أن الوثيقة ساهمت في خلق أعراف جديدة في المجتمع الإنساني المتحضر، عنوانها رعاية الحقوق وحفظ الكرامات، إلا أن السؤال الكبير يبقى: هل حقق الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أغراضه؟ والجواب على هذا السؤال يحتاج إلى قراءة معمقة وطويلة لما يجري من أحداث في أرجاء العالم...


* في العدد القادم: شرعة حقوق الإنسان في النصوص الإسلامية.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع