نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

دور النشر إستمرارية رغم التحديات‏

إعداد: فاطمة خشاب درويش‏


بين من يتحدث عن أزمة قراء وآخر يرجع الأمر إلى أزمة كتب بل كتّاب، يحق لنا أن نسأل: أين هي الأزمة الحقيقية اليوم، هل هي في تدني نسبة القراء، أم في ندرة ونوعية ما يقدم لهم؟ وأمام هاتين الإشكاليتين يقودنا الموضوع إلى السؤال عن واقع دور النشر التي تعتبر الأساس في عملية صناعة الكتاب. فإذا كان هناك فعلاً تراجع في عدد القراء، فلمن تُصدر هذه الدور؟ وكيف تضمن استمراريتها؟ وإن كان الموضوع متعلقاً بنوعية ما يقدم، فهل ما زالت دور النشر متمسكة بدورها في زرع الثقافة والعلم في المجتمع، في الوقت الذي يحكى فيه عن تبدل أو تغير في المزاج العام للقراء؟ من أجل استطلاع واقع الحال حملت مجلة بقية الله هذه التساؤلات إلى عدد من دور النشر وكان هذا التحقيق:

1- دار الهادي للطباعة والنشر والتوزيع‏
المسؤول عن الطباعة والمبيعات في دار الهادي الحاج حسن عز الدين يعتبر أن الأزمة الاقتصادية المعيشية الصعبة التي يعيشها لبنان ترخي بظلالها على مختلف الصعد، بما في ذلك حركة شراء الكتب من قبل الناس، وذلك كنتيجة طبيعية لضعف القيمة الشرائية لديهم. وإذ يرى عز الدين وجود وفرة بالمؤلفين اليوم، يشير إلى مشكلة العناوين المكررة المطروحة، الأمر الذي تحاول تفاديه دور النشر عموماً ودار الهادي على وجه التحديد. أما لجهة تأثير نسبة القراء على عمل دور النشر فيعتبر أن نسبة القراء تشكل 20% فقط من الأزمة التي تعيشها دور النشر، فيما تأثير الوضع الاقتصادي والسياسي له الحيز الأكبر من الأزمة.

* إصدارات هادفة وأسلوب ميسر:
وحول الهامش الذي تسعى فيه دار الهادي لتلبية ميول ومتطلبات الجمهور، يؤكد على السعي الحثيث لتقديم كل ما يتناسب مع الرسالة الهادفة للدار، بعيداً عن إصدار الكتب غير الهادفة ككتب التنجيم والسحر وغيرهما. ويشير عز الدين إلى أن دار الهادي ومنذ انطلاقتها عام 1990 تحمل رسالة إيصال الكلمة والفكر القيم بأسلوب ميسر وجيد لكل المستويات، أما معايير قبول الكتب للنشر، فتتعلق بالقيمة الفكرية والثقافية للعمل، وهناك لجنة مختصة تراقب الكتب وتبدي رأيها إما بالقبول أو الرفض.

* معرض المعارف محطة سنوية:
وتولي دار الهادي أهمية كبرى للمشاركة في المعارض الداخلية والخارجية، ويشير في هذا الإطار إلى تجربة معرض المعارف الثالث للكتاب العربي والدولي، فيعتبرها خطوة هامة وجيدة وغير مسبوقة، وذلك لطبيعة التقديمات المجانية لدور النشر المشاركة كما يعطي المعرض فرصة التواصل المباشر ما بين دور النشر ومختلف فئات المجتمع، مما يساهم أيضاً في ازدياد نسبة البيع. وقد أصبح معرض المعارف للكتاب محطة سنوية ننتظرها جميعاً.

* معرضان وديوان الكتاب:
ويشير أيضاً إلى أن دار الهادي وفي إطار تعزيز علاقة الناس بالكتاب، تقيم سنوياً معرضين لمدة شهر، الأول في مدينة فرح في النبطية، والثاني في البقاع. كما يلفت إلى تجربة الدار في دعم الكتاب على مدار السنة من خلال "ديوان الكتاب" الذي يشكل معرضاً دائماً للكتاب، يتضمن منشورات الدار وآخِر أحدثِ إصدارات دور النشر الأخرى. ويختم المسؤول عن الطباعة والمبيعات في دار الهادي بالتأكيد على أهمية الكتاب إذ إن التقدم التكنولوجي والإنترنت لا يمكن أن يعوضا القارئ عن متعة ولذة حمل الكتاب وتقليب صفحاته والتمعن بكلماته. وأكبر دليل على ذلك، حجم الإصدارات السنوية لدور النشر، واستمرار إقامة معارض الكتب في لبنان والعالم.

2- دار العلم للملايين‏
مدير عام دار العلم للملايين د. روحي بعلبكي يعتبر أن الكتاب في العالم العربي تواجهه أعاصير عديدة تكاد تقطعه من جذوره، وذلك ابتداءً من انحسار الإهتمام بالمطالعة، نتيجة سرعة الحياة وضيق الوقت وعدم تفرغ الناس للحصول على معلومة دقيقة، مروراً باكتساح الشاشة للضوء أمام الورقة المطبوعة. وعلى الرغم من اعتباره أن النصوص الضوئية هي باب للقراءة، إلا أنه يؤكد أنها لا تؤمن عمقاً ولا تفكيراً مجرداً ولا فسحة موضوعية، فكثير من المعلومات المطروحة بكثرة في الإنترنت، ثبت أنها تعاني إما من تشويش أو تضليل أو تلفيق؛ فيبقى الكتاب الأكثر صدقية والأكثر تفاعلاً، لأنه يستطيع أن يجيب على كل الأسئلة بصورة معمقة وتفصيلية.

* إعتماد الإصدارات الإلكترونية:
وبالحديث عن كيفية استمرار دور النشر بالعمل في ظل هذه الأجواء، يشير بعلبكي إلى أن عدداً من دور النشر أقفلت أبوابها وتوجهت إلى مهن أخرى ربحها التجاري مضمون. أما الباقون، فهم مستمرون وبدأوا يعولون على نوع من التغيير سيطرأ قريباً، فالطفرة نحو القراءة الالكترونية في الدول الغربية تراجعت وبدأ المواطن بالعودة إلى قراءة الورقة المطبوعة. ولا مانع من مواكبة هذه الطفرة من قبل دور النشر بإصدار كتبها بشكل إلكتروني، أو من خلال أقراص مدمجة. ويضيف: إن التخصص يساعد دار النشر ويعزز عملها، فدار العلم للملايين ونتيجة لتخصصها في مجال إصدار القواميس والمعاجم أصبح اسمها ملاصقاً لهذه الإصدارات ومصدر ثقة للناس، وهذا دليل على أهمية هذا المبدأ ونجاح الدار. ويشير بعلبكي إلى مشكلة تواجهها دور النشر تتمثل بتزوير الكتب، وسط ملاحقة قانونية ضعيفة جداً للمزورين.

* للمعارض دور أساسي:
وفي إطار الحديث عن العوامل التي تساعد دور النشر في تأدية دورها، يؤكد د. بعلبكي على أهمية المعارض التي اعتبرها تلعب دوراً أساسياً في تنشيط حركة الدور، إلى جانب التعاقد الواسع النطاق مع جهات رسمية كالوزارات، أو خاصة كالمكتبات. ويتوقف بعلبكي عند معرض المعارف للكتاب، مشيراً إلى مشاركة الدار منذ البداية في المعرض، وشدد على أهمية استمرار المعرض في مكانه في مجمع سيد الشهداء عليه السلام، بعد إعادة إعماره جراء العدوان الإسرائيلي، معتبراً أن هذا الأمر عزز شعور القوة والاعتزاز بالنصر في نفوس كل المؤمنين بهذا البلد. فانتصار السلاح ضد العدو يدعمه انتصار الفكر وضخ الدم في عقول من يقبل على تحصيل الثقافة والعلم من خلال الكتاب الذي يقدم الحقيقة أكثر من غيرها. وقد استطاع معرض المعارف استقطاب الفرقاء من الأطياف كافة. فالمشاركات المتنوعة وشمولية العرض أثبتت أن القيمين عليه أصحاب حوار وأصحاب موقف نهضوي. ويؤكد أن طموح دار العلم للملايين أن يصبح الكتاب جزءً من الحياة اليومية وليس صدفة، بل يكون الصديق إذا أردنا أن نتعلم أو أن نتسلى.

3 مؤسسة الأعلمي للمطبوعات‏
يرى الأستاذ ضياء الأعلمي المسؤول عن إدارة الدار أن الكتاب لا يزال يشكل بالنسبة للمطالعة والثقافة الفكرية والتغذية الروحية المصدر الرئيسي للعلم والمعلومات، مؤكداً أن الشعب اللبناني شعب قارئ مقارنة بباقي الدول العربية. وإذ يلفت الأعلمي إلى أن الكتاب اليوم أصبح بمتناول كل إنسان، يرى وجود تأثير للكمبيوتر فقط من ناحية واحدة وهي ضيق الوقت عند الناس. كما يرى أن الاتجاه الأول في هذه الأيام للكتاب الإسلامي، الذي تعززه الروح الدينية وتقوي الانجذاب إليه، أما بالنسبة للعلوم الأخرى، فيؤكد الأعلمي على وجود مشكلة لا ترتبط فقط بأزمة القارئ بل بأزمة الكتّاب.

* إرضاء القراء بالكتاب الهادف:
وأمام التحديات التي تواجهها دور النشر وتحديداً مزاج الجمهور، تأكيد واصرار على إحياء تراث أهل البيت وعلى بيع الكتب التراثية النادرة. ولا تنازل عن إصدار الكتاب الهادف لصالح إرضاء القراء. وفي إطار الحديث عن مشاركة دار الأعلمي في المعارض، يعتبر السيد ضياء أن معرض المعارف للكتاب يوازي في حجمه ودوره معرض الكتاب الدولي الذي يقام في بيروت، مشيراً إلى النجاح الكبير الذي يتحقق على مختلف الصعد من التنظيم والحملات الإعلانية والإعلامية، إضافة إلى أهمية تقديم أجنحة العرض المجانية التي تساهم في تعزيز العروضات على الكتب. وفي هذا المجال، يعتبر الأعلمي أن الضاحية الجنوبية تشكل الثقل الأكبر للقراءة في لبنان، وهذا ما تبرزه حصيلة المعارض التي تقام في لبنان، وهذا دليل على وعي شعب المقاومة وثقافتهم. وغالباً ما يكون حب التعرف إلى المقاومة سبباً ودافعاً للكثيرين في الخارج لشراء الكتب وقراءتها.

* تشجيع ودعم من السيد موسى الصدر:
ويختم بالحديث عن تاريخ وسبب إنشاء دار الأعلمي، فيتحدث عن مجي‏ء والده في الستينات من العراق نتيجة ملاحقة الشاه، وقيامه بجولة في العالم العربي استطلع خلالها واقع كتب أهل البيت عليهم السلام، ففاجأه عدم وجود هذا التراث في العالم العربي، الأمر الذي دفعه للعمل في هذا الإطار في لبنان، نتيجة وجوده القسري فيه. وقد عملت الدار بدعم معنوي وتشجيع من الإمام المغيب السيد موسى الصدر.

-4 دار إحياء التراث العربي‏
أما مدير دار إحياء التراث العربي الحاج هشام إيراني، فيرى أن لا خوف اليوم على الكتاب ككتاب، لأن من يريد أن يقتني كتاباً سيقتنيه ولا يمكن أن يصل الكتاب إلى وضع مأساوي. فالوضع الاقتصادي يدفع إلى التقليل من عدد الكتب وليس إلى إلغاء عملية الشراء. أما بالنسبة للعاملين مع الكتاب، فيؤكد إيراني أن من يعمل مع الكتاب يصبح أنيساً له ولا يمكن له التخلي عنه، لأنه يحمل رسالة نحن متمسكون بها. ويشير في هذا المجال إلى تجربة دار إحياء التراث العربي، فيلفت إلى أن الدار كانت منذ انطلاقتها عام 1965 تتميز بمجموعة المصادر الموجودة فيها من مخطوطات نادرة. وتعتمد الدار على إصدار الموسوعات والمجموعات التاريخية إلى جانب نسخ حجرية، بالإضافة إلى المخطوطات اليدوية. وقد توسعت إصدارات الدار نتيجة تلبية متطلبات الجمهور، فطالت كتب الأطفال والقصص والكتب العلمية والسياسية منذ أربع سنوات تقريباً وذلك في إطار السياسة العامة للدار المتمثلة بإحياء التراث الديني والعربي.

* دور المعارض والمكتبات:
وأما عن الوسائل والطرق التي من شأنها أن تساعد دور النشر في تصريف الكتاب، فيركز إيراني على أهمية ودور المعارض وتحديداً معرض المعارف للكتاب الذي يقدم أجنحة العرض مجاناً، مما يجعل الدور تزيد من نسبة التخفيضات على الأسعار. كما أكد على أن الأمر يتعلق بالسياسة العامة للكتاب والمطالعة في لبنان، فيشدد على أهمية المكتبات كعامل أساسي في نشر الكتاب إلى جانب تربية أطفالنا وتنشئتهم على حب الكتاب. أما بالنسبة للمشاكل التي تواجهها دور النشر، فيتحدث السيد هشام عن غلاء الأسعار، ابتداء من اليد العاملة والمشتقات النفطية ومستلزمات الطباعة، معتبراً أن عدم وجود سياسة دعم للكتاب تزيد الأمور تعقيداً، فهناك العديد من الدول التي تحترم نفسها تخصص دعماً لتصنيع وشراء الكتاب. وبالعودة إلى معرض المعارف للكتاب، يشير السيد هشام إلى أن المعرض ينافس من ناحية التنظيم العديد من المعارض الدولية التي تقام سنوياً في لبنان. وهذا دليل على أن منطقة الضاحية الجنوبية التي يقام فيها المعرض هي منطقة تقرأ وتتابع الثقافة. وأهمية المعرض بالنسبة للسيد إيراني تتمثل في فتح العلاقة مجدداً بين الكتب والقراء في ظل غياب دعم الدولة للكتاب، الذي من شأنه في حال وجد أن يجعل الكتاب في متناول الجميع ونصل بذلك إلى نتائج مرضية في هذا المجال.

* تأثير الوضع السياسي والاقتصادي:
ويختم السيد هشام بالإشارة إلى أن مراهنة دور النشر اليوم هي على تبيان أهمية الكتاب الثقافية والفكرية في مجتمعنا، كما يؤكد على أن معالجة الوضع الاقتصادي يكون أساساً في إعادة الكتاب إلى أولويات الناس. كما يشدد على أن تحسن الوضع السياسي في لبنان، من شأنه خلق أجواء مريحة ستنعكس على مختلف الصعد. إذاً، كثيرة هي المشاكل والصعوبات التي تواجهها اليوم دور النشر في لبنان، خاصة لجهة تأثير الوضعين السياسي والاقتصادي على حركة شراء الكتب وتصريفها، خاصة في ظل غياب السياسة الداعمة للكتاب من قبل الدولة. إلا أن إصرار هذه الدور على مناصرة الكتاب في زمن السرعة والإنترنت يوازيه تأكيد أكبر من أهل الفكر والقلم والمعرفة على أن الكتاب سيبقى الأساس والمرجع والمعلم الأول للإنسان. ولذا، تستمر دور النشر في الإصدار، على الرغم من كل ما تعانيه لتبقى الكلمة ويحيا الكتاب.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع