إن قضيّة المهدويّة هي من جملة عدد قليل من القضايا الأساس في منظومة المعارف الدينية العليا، مثل قضية النبوة. بهذا المستوى، ينبغي النظر لأهمية هذه القضية. لماذا؟ لأن ما تبشّر به المهدويّة هو توفير عالم توحيدي مبني وقائم على العدالة وذلك من خلال استخدام كافة الإمكانيات التي وضعها الله تعالى وأودعها في الإنسان. وعصرٌ بهذه المواصفات، هو عصر ظهور الإمام المهدي عجل الله فرجه. هو عصر المجتمع التوحيدي، وسيادة التوحيد، والسيادة الحقيقية للدين على كافة مفاصل الحياة البشرية، وهو عصر استقرار العدل بمعناه الحقيقي والجامع للكلمة. وهذا بالتالي ما جاء الأنبياء عليهم السلام من أجله.
* زمن الأهداف العليا
لقد قلنا، مراراً، إن المسيرة التي تنقلت خلالها الإنسانية في ظلّ تعاليم الأنبياء طوال القرون المتمادية كانت باتجاه طريق معبدة تصل إلى عصر الإمام المهدي عجل الله فرجه نحو الأهداف العليا التي سوف تسير البشرية عليها. فالمسألة يمكن تشبيهها بجماعة من الناس يسيرون في الجبال والمنعطفات والطرق الوعرة والمستنقعات وبين الأشواك، بهداية عدد من الأشخاص، من أجل أن يصلوا إلى تلك الجادة الأساس، عصر الإمام المهدي عجل الله فرجه. فإذا وصلوا كان الطريق واسعاً مفتوحاً والصراط مستقيماً نيّراً لأن حركتهم لن تتوقف، إنما ستبدأ من ذلك الحين المسيرة نحو الأهداف الإلهية العليا، لأن استيعاب البشرية لا حدود له. طوال القرون السابقة سارت البشرية في طرق وعرة وصعبة ومتاهات عصيبة وواجهت الكثير من الموانع وستبقى كذلك إلى أن تبلغ تلك الجادة الأصلية التي هي جادة عصر الظهور. ويمكن القول: إن زمن الظهور هو الزمن الذي تبدأ فيه حركة البشرية، وبمعنى من المعاني. فلو لم تكن المهدوية لما كان هناك أيّ معنى لكلّ مساعي الأنبياء وكلّ الدعوات وكلّ البعثات. وكل هذه الجهود المضنية كان لا فائدة منها. كما أنه يوجد في كل الأديان الإلهية تقريباً - وفي حدود اطلاعنا طبعاً - شيء جوهره ومعناه الحقيقي هو نفس هذه المهدوية، ولكن بأشكال محرّفة وغامضة أو غير واضحة.
* المصداق بيّن واضح
ففي الإسلام، قضية المهدوية هي من المسلّمات، أي أنها لا تختص بالشيعة فقط، بل كل المذاهب الإسلامية تعتبر الغاية من العالم هو إقامة حكومة الحقّ والعدل بواسطة المهدي المنتظر عجل الله فرجه. وثمة روايات معتبرة مروية، في مختلف المذاهب، عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وعن العظماء عن الإمام المهدي عجل الله فرجه. إذاً، لا يوجد شك في هذه المسألة، لكن ما يميّز الشيعة عن غيرهم أن قضية المهدوية عندهم ليست قضية مبهمة غامضة، إنما هي قضية واضحة ولها مصداق واضح. فالمهدي عجل الله فرجه شخص معيّن ومعروف، نعرف خصوصيّاته ونعرف آباءه وتوجد روايات واضحة عن ولادته. هذه المعلومات ليست من روايات الشيعة فقط إنما توجد روايات عن غير الشيعة تتحدث عنه. فعلى أتباع المذاهب الأخرى أن ينتبهوا لهذا المعنى ويدقّقوا فيه ليكتشفوا هذه الحقيقة الواضحة.
* معنى الانتظار
ومسألة الانتظار التي تعدّ جزءاً لا يتجزأ من قضية المهدوية هي من المفردات الأصلية لفهم الدين والحركة الأساسي العامة والاجتماعية للأمة الإسلامية نحو أهداف الإسلام العليا. فالانتظار معناه ترقّب وترصّد حقيقة قطعيّة، ومعناه دال أيضاً على مستقبل حتمي أكيد، فهو انتظار شخص حيّ موجود. هذه مسألة على جانب كبير من الأهمية. فهذا الشخص موجود وله حضوره بين الناس. وفي الرواية أن الناس يرونه وهو يرى الناس لكنهم لا يعرفونه. وفي بعض الروايات جرى تشبيهه بالنبي يوسف عليه السلام الذي كان إخوانه يرونه وهو بينهم وإلى جانبهم ويمشي على بساطهم لكنهم لا يعرفونه. إنه مثل هذه الحقيقة البارزة والواضحة. وهذا الأمر يساعد على الانتظار. البشرية والأمة الإسلامية أيضاً بحاجة إلى هذا الانتظار.
* واجبات الانتظار
وهذا الانتظار يضع على عاتق الإنسان واجبات وتكاليف، حينما يتيقن من وجود مثل هذا المستقبل، كما هو مذكور في القرآن الكريم: ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ*إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِّقَوْمٍ عَابِدِينَ﴾ (الأنبياء: 105-106).. أي إن الناس العابدين يفهمون هذا الكلام، وعليهم أن يعدّوا أنفسهم ويكونوا منتظرين مترصدين. الانتظار معناه إعداد الذَّات وأن نكون ضمن مواصفات الزمن الذي ننتظر وأن نعلم إنّ حدثاً كبيراً سوف يقع. ليس بالضرورة أنه سيقع في زمن قريب أو بعيد. لذا، يجب الترصد والانتظار دوماً. حينما ينتظر الإنسان العدل وحينما ننتظر الحق والتوحيد والإخلاص والعبودية لله - حينما نتوقع أن تكون تلك الفترة بهذه المواصفات - فيجب علينا نحن المنتظرين أن نقرِّب أنفسنا من هذه الأمور، ونعرِّف أنفسنا العدلَ ونعدّها لتقبل الحق. الانتظار يخلق مثل هذه الحالة. كذلك يجب عدم الغفلة عمّا يتداول ويقال حول قضايا الانتظار وعصر الظهور. كذلك يجب الإشارة إلى الأمور التي تمثل خطراً كبيراً على هذه القضيّة ومنها المعرفة غير المستندة إلى أسانيد ووثائق فيما يتعلق بالإمام المهدي المنتظر عجل الله فرجهأو الروايات الضعيفة التي لا يمكن الوثوق بها.. مثل هذه الأعمال تبعد الناس عن حالة الانتظار الحقيقية وتمهّد الأرضيّة للأدعياء الكاذبين الدجّالين. فبعض الأمور الموجودة بخصوص علامات الظهور غير قطعي، إنما هي أشياء لم ترد في الروايات المعتبرة الجديرة بالاستناد، ولا يمكن الوثوق بها. فإذا وقع الخطأ والانحراف سوف تُهجَر الحقيقة ويُشتبه فيها وتتوفر الأرضية لضلال أذهان الناس.
* التوسّل أنسٌ معنوي
عليكم بالأعمال العلمية المتينة المعتمدة على الوثائق والأسانيد. وهذه طبعاً أعمال ينهض بها أهل الاختصاص والحديث والرجال والعارفون بالحقائق. فكلما تعرفت القلوب إلى فكرة المهدوية أكثر واستأنست بها أكثر، كلما كان حضور ذلك الإمام محسوساً بالنسبة لنا نحن الذين نعيش زمن الغيبة، وكلما شعرنا به أكثر وارتبطنا به أكثر، تقدمنا نحو تلك الأهداف. التوسلات الموجودة في الزيارات المختلفة - ولبعضها أسانيد جيدة - توسلات ذات قيمة كبيرة. إنه التوسل به والتوجه إليه والأنس به من بعيد. هذا التوسل يسمعه الإمام عجل الله فرجه ويتقبله منا إن شاء الله. حتى لو كنا نتحدث مع مخاطبنا عن بعد، لا إشكال في ذلك. الله تعالى يوصل سلام المسلمين ورسائل المرسلين إلى ذلك الإمام الكبير. هذه التوسلات والأنس المعنوي أمور جيدة ولازمة جداً. نتمنى أن يعجّل الله تعالى ظهور ذلك الإمام ويجعلنا من أنصاره في غيبته وفي زمن ظهوره، ويجعلنا إن شاء الله من المجاهدين إلى جانبه والمستشهدين في ركابه. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
1. من كلمة للإمام الخامنئي دام ظله في الأساتذة والخريجين المتخصصين في المهدوية 09/ 07/ 2011.