مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

من الذاكرة: السيّد القائد شـابـّـاً (*)

لقاء مع سماحة السيّد القائد الخامنئي دام ظله


لطالما اهتم السيّد القائد بالشباب وهمومهم، وخصّص لهم الكثير من كلماته عن أهمّية هذه المرحلة ودورها في حياة الإنسان، وفي حياة الأمّة. فكيف ساهمت هذه المرحلة في حياته، وكيف كان عهده بالشباب؟ في مقابلة نادرة تناقلتها وسائل الإعلام، ننقلها للقارئ العزيز.

•ما هي المشاعر التي تنتابكم عند رؤيتكم للشباب؟ وما أوّل موضوع تودّون أن تحدثوهم به؟
حينما أكون بين الشباب أشعر كأنيّ أستنشق نسيم الصباح، يلفّني نقاء وصفاء وطراوة. وأول ما يتبادر إلى ذهني عند رؤيتهم سؤال: هل يعرف الشباب النجم الساطع المتألّق على جبين كل واحد منهم؟ أنا أستشعر وجود هذا النجم، فهل هم يستشعرون وجوده أيضاً؟ الشباب نجم ساطع ومقرون بحسن الطالع. أعتقد أنّ الشباب إذا التفتوا إلى هذا الجوهر النفيس الموجود لديهم، سيحسنون الاستفادة منه بعون الله.

•كيف أمضيتم فترة شبابكم؟
لم تكن الظروف التي عايشتها شابّاً كما هي عليه الآن؛ فبيئة الشباب كانت تفتقر إلى الجاذبيّة، ليس بالنسبة إليّ وقد كنت حينها طالباً للعلوم الدينية، وإنّما بالنسبة إلى جميع الشباب الذين لم تتوفّر أيّة رعاية لهم ولطاقاتهم. كنت ألمس تلك المعاناة نفسها في الأجواء الجامعيّة أيضاً، حيث كانت لي علاقات حسنة مع طلاب الجامعات استمرّت سنوات طويلة.

كان عمري حين انتصار الثورة تسعاً وثلاثين سنة. وكنت أشعر -حينذاك- أنّ النظام فعل ما من شأنه دفع الشباب نحو التحلُّل؛ ليس الأخلاقيّ فحسب، وإنّما ذوبان الشخصيّة الفرديّة أيضاً وفقدان الهويّة الذاتيّة. لقد كانت الطبقات الاجتماعيّة كافّة -بما فيها طبقة الشباب- تعيش حالة جهل مطبق بشؤون السياسة، وكان أكثر ما يشغل الناس متطلّبات الحياة اليوميّة.

لقد كانت الأوضاع سيّئة جدّاً، إلّا أنّ قلوب الشباب ومشاعرهم كانت على نحو آخر؛ لأنّ الشاب بطبعه يميل إلى الأمل والنشاط والتفاعل. وأنا شخصيّاً عشت فترة شباب زاخرة بالنشاط والحيويّة، وذلك بسبب ما كنت أمارسه من نشاطات أدبيّة وفنيّة وما شاكلها.

عام 1342هـ.ش اعتُقلت وسُجنت مرّتين. وتعلمون كيف أنّ الاعتقال والسجن والاستجواب تثير مشاعر الإنسان، وحينما يخرج من السجن ويشاهد جموع الجماهير السائرة في هذا الاتّجاه وهي تلقى التسديد والتوجيه من زعيم كالإمام قدس سره يزداد حيويّةً ونشاطاً. وهذا السبب يجعل حياة أمثالي ممّن عاش وفكّر في مثل تلك الظروف مترعة بالنشاط والتفاعل، إلا أنّ الجميع لم يكونوا على هذا النحو.

•لا زلت في مرحلة الشباب
إنّ الشباب حينما يلتقون مع بعضهم بعضاً يستطيبون كلّ شيء بسبب ما يكتنف طباعهم من بهجة ومرح. وأنا حالياً لم أنقطع عن مرحلة الشباب كليّاً؛ فأنا ما زلت أحس في ذاتي شيئاً من روح الشباب، ولم أسمح لنفسي -والحمد لله- ولن أسمح لها بالانحدار والوقوع في مخالب مشاعر الشيخوخة. أما الذين أسلموا أنفسهم إلى يد الشيخوخة، فلا يلتذّون قطعاً بما يلتذّ به الشباب في شؤون الحياة كلّها.

ولا أريد القول إنّ أجواء الهموم والأحزان هي التي كانت سائدة في تلك الفترة، بل أجواء الغفلة والضياع. كُنّا نركّز اهتمامنا على إخراج الشباب -جهد الإمكان- من دائرة "النفوذ الثقافيّ" للنظام، والتي كنت أعبّر عنها حينذاك بـ"الشِّباك الخفيّة". وكلّ من كان يفلت من تلك المصيدة الفكريّة هو ممن كان يتميّز بالتديّن أوّلاً، والميل إلى الخط الفكريّ لسماحة الإمام الخمينيّ قدس سره ثانياً، وكان يكتسب نوعاً من الحصانة الفكريّة. هكذا كانت طبيعة الأوضاع آنذاك. وغدا ذلك الجيل فيما بعد الركيزة الأساس للثورة.

•ما هي الخصائص التي يجب أن يتحلّى بها الشابّ المسلم؟ وكيف يمكن له أن يقطع شوط الحياة ويبلغ أهدافه؟
شوط الحياة لا يُطوى بهذه السهولة. فليس هناك من عمل مهمّ وجادّ يمكن إنجازه بسهولة. والإنسان إذا ما رام نيل شيء ثمين لا بدّ له من بذل الجهد وتحمُّل المشقّة. وأنا أرى ثلاث خصال بارزة يتّصف بها الشباب، وإذا قدّر لها أن توجّه نحو الصواب من الممكن عند ذاك إحراز المطلوب في سؤالكم. وتلك الخصال البارزة هي: الطاقة، والأمل والإبداع.

وإذا استطاعت الجهات المعنيّة بالحالة الثقافيّة كالخطباء والمهتمين بالشؤون الفكريّة والثقافيّة، والإذاعة والتلفزيون والمدارس توجيه هذه الخصال الثلاث، أعتقد أنّ الشاب سيتمسك بالنهج الإسلاميّ بكلّ بساطة، لأنّ كل ما يريده الإسلام منّا هو إنزال ما لدينا من طاقات كامنة إلى حيز الفعل.

•التزام التقوى
ثمّة في القرآن الكريم نقطة أساس لا بأس بعرضها أمام الشباب الأعزاء، وهي التزام التقوى. وحين نذكر التقوى يتبادر إلى الذهن معاني الصوم والصلاة والعبادة والذكر والدعاء. صحيح أنّ هذه المعاني بأجمعها يتضمّنها مفهوم التقوى؛ إلا أنّ التقوى تعني أيضاً مراقبة الذات وأن يلتفت الإنسان إلى كلّ فعل يصدر عنه عن قصد وفكر وإرادة وعزم واختيار.

أمّا من حُرم من التقوى فأفعاله وقراراته ومستقبله ليست طوع يديه. إذا نظرنا إلى التقوى بهذا المعنى يبدو لي أن طي الطريق يصبح ممكناً ومتيّسراً.

حتّى إذا لم يكن الشخص متديّناً واتّصف بهذه الخصلة - التفكير والمراقبة على نفسه - فهي تنتهي به إلى انتهاج سبيل الدين والتديّن، كما جاء في قوله تعالى: ﴿هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ﴾ (البقرة: 2). فالقرآن لم يقل هدى للمؤمنين؛ أي أنّ الشخص إذا كان متّقياً، حتّى وإن لم يكن متديّناً، فهو بلا شكّ سيهتدي بهدي القرآن ويصبح مؤمناً. ولكن إذا لم تكن لدى المؤمن تقوى لا يُستبعد تزعزع إيمانه إذا صادفته ظروف وأجواء غير إيجابيّة.

•حياة يرتضيها لهم الإسلام
وعلى هذا الأساس إذا أتيح استثمار تلك الخصائص الثلاث وسدّدت إلى سبيل الهداية على نحو سليم، تتمخض عنها –على ما أعتقد– معطيات إيجابيّة، ويعيش الشباب الحياة التي يرتضيها لهم الإسلام.

أضرب لكم في ما يلي مثلاً أختم به جوابي عن سؤالكم؛ في فترة الحرب المفروضة، كنت ألتقي بشباب كانوا ما بين سن الثامنة عشرة والعشرين، كان لهم من رقّة الروح والصفاء المعنويّ ما يبلغون بهما أحياناً ما يبلغه العارف الذي يقضي أربعين سنة في السلوك المعنويّ. وكنت حينما ألتقي بهم أشعر بتواضع حقيقيّ لا إراديّ. فالإنسان حينما يقف في مقابل شخصيّة كبرى يلمس كمالاتها، يقف على صغر نفسه وضعفها. وهذا الشعور كان ينتابني حينما كنت أقف أمام شباب مقاتلين من قوّات التعبئة. هذا ما يحوّل شباباً عاديّين إلى شباب من هذا الطراز.

•من هي الشخصيّة الأسوة التي اقتديتم بها في شبابكم؟
هذا سؤال جيّد. إنّ القدوة يجب أن لا يُعرّف ويُقدم لنا كقدوة، فنحن الذين يجب أن نختار قدوتنا بأنفسنا؛ أي أن ننظر في أفق رؤانا ومعتقداتنا الحقّة ونلاحظ الصورة التي نرتضيها لأنفسنا من بين تلك الصور.. هكذا تصبح تلك الصورة وتلك الشخصيّة قدوة لنا.

ناهيك عن أنّ الإنسان يختار القدوة بمعاييره الذاتيّة، ولكنّني أرجو أن تأخذوا معيار التقوى -الذي أوضحته- بنظر الاعتبار في كلّ شخصيّة تتّخذونها قدوة؛ إذ التقوى مطلوبة ونافعة للحياة الدنيا وللآخرة.

أمّا عن الشخصيّات التي تركت تأثيراً فيَّ، فيجب القول إنّها كانت كثيرة.

والشخصيّة التي أثرت فيّ بشدّة في عهد شبابي هو المرحوم نواب صفوي(1) بالدرجة الأولى. كان عمري حينذاك نحو خمس عشرة سنة. ومن بعده ترك سماحة الإمام قدس سره تأثيراً عليَّ. وحتى قبل ذهابي إلى قمّ وقبل النهضة كنت قد سمعت باسم الإمام وأحببته دون أن أراه. كما كان لوالدي تأثير فيَّ أيضاً، وكذلك والدتي التي كانت ذات شخصيّة مؤثّرة، وتركت فيَّ تأثيراً بالغاً.


(*) مقتبس من: مجلة بقيّة الله / العدد: 258 / جمادى الأولى 1434 هـ - آذار 2013 م/ السنة الثانية والعشرون.
1.أحد قادة الثورة الشباب، الذين استشهدوا على يد جلاوزة نظام الشاه.

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع