مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

فقه الولي: أحكام قرض الإسكان

الشيخ علي حجازي

 



شاعت في الآونة الأخيرة ظاهرة الاقتراض الذي كان نتيجة طبيعية للغلاء الذي شعر به المواطن وخاصة فئة الشباب التي تسعى لتأسيس أسرة وعيش حياة كريمة.  ما هو الاقتراض؟ وما حكم الشارع المقدّس على قرض الإسكان الذي صار رائجاً في أيامنا هذه على فتوى الإمام الخامنئي "دام ظله"؟

1ـ الاقتراض
هو أن يتملّك المكلّف مالاً من آخر، على أن يضمنه، وذلك بأن يؤدّيه المقترِض إلى المقرِض في زمان معيّن، متّفق عليه بينهما. ويقال لمن أخذ المال: المقترِض، ولمن أعطى المال: المقرِض.

2ـ الربا القرضيّ
وهو أن يقترض المكلّف مالاً إلى أجل، بشرط أن يؤدّيه مع زيادة. والزيادة على ثلاثة أنواع، جميعها لها الحكم نفسه، وهي:
الأوّل: أن تكون الزيادة عينيّة، كإقراض عشرة دراهم باثنيْ عشر درهماً.
الثاني: أن تكون الزيادة عملاً، كإقراض عشرة دراهم بعشرة دراهم وخياطة ثوب مثلاً.
الثالث: أن تكون الزيادة صفة، كإقراض ليرة ذهبيّة مكسورة بليرة ذهبيّة صحيحة.

3ـ قرض الإسكان
يمنح بنك الإسكان أو غيره للناس قروضاً من أجل شراء أو بناء أو ترميم المنازل، وبعد ذلك يقوم المقرِض (كالبنك) باسترجاع تلك القروض على شكل أقساط، ويكون مجموع الأقساط أزيد من المبلغ الذي منحه لطالب القرض. وهذا حكمه كحكم أيّ قرض آخر لغير الإسكان.

4ـ حكم القرض السكنيّ وغيره
الربا القرضيّ للإسكان وغيره حرام يستحقّ فاعله العقاب، سواء أكان من بنك أهليّ أم من بنك حكوميّ أم من غير ذلك. ولكن يجوز الاقتراض الربويّ في صورتين وهما:

- الأولى: الاضطرار
يجوز الاقتراض مع الربا إذا كان المكلّف مضطرّاً إلى الاقتراض، فيما لو كان المكلَّف قد وصل إلى حدّ يجوز معه ارتكاب الحرام، فيكون حلالاً بشرط أن يكون مقدار الاقتراض بقدر الاضطرار، لا أكثر. وهذا يشبه ما لو اضطرّ المكلّف إلى أكل لحم الخنزير ونحوه. وهذا الاقتراض جائز ما دام الاضطرار موجوداً، فإذا زال الاضطرار يجب أن يتوقّف عن الاقتراض الربويّ.

- الثانية: عدم قصد دفع الزيادة
يمكن للمقترض أن يتخلّص من الحرام بالطريقة الآتية:

عندما يسعى المكلّف للاقتراض الحلال فعليه عند الاقتراض أن لا يقصد دفع الزيادة، فيقترض وهو ينوي أن لا يدفع الزيادة، وهذا كافٍ حتّى لو كان يعلم أنّ المقرِض سيأخذ الزيادة منه. وعندما يدفع الزيادة بعد العجز عن تجنّب دفعها يدفعها بنيّة الاضطرار، وأنّه لو استطاع لما دفعها. وفي هذه الصورة يجوز الاقتراض بهذه الطريقة سواء أكان مع الحاجة والضرورة أم بدونها. فيجوز الاقتراض مع قصد عدم دفع الزيادة لأجل هدف غير ضروريّ، وغير ذي حاجة. كما لا يحرم إظهار قبول الشرط دون قصد حقيقي.

5ـ حكم الزيادة للمقرض
لا يجوز للمقرِض أن يتصرّف بالزيادة، بل لا يجوز له أن يأخذها، ولا يجوز له أن يطالب بها، ولو أخذها فإنّه يأثم، ويجب عليه أن يردّها إلى صاحبها (أي: المقترض)، سواء أكان المقترض مضطرّاً أم قصد عدم دفع الزيادة.

6ـ إذن الحاكم الشرعيّ
الاقتراض لا يرتبط بإذن الحاكم الشرعيّ أو وكيله، فإذا كان الاقتراض حلالاً فهو جائز ولا حاجة لاستئذان الحاكم الشرعيّ، وإذا كان الاقتراض حراماً فلا يصير حلالاً بإذن الحاكم الشرعيّ (الذي لن يأذن بالحرام حتماً)، فإذن الحاكم الشرعيّ لا مدخليّة له في مسألة الاقتراض، فدوره تبيان المواضع المحلّلة والمواضع المحرّمة.

7ـ التصرّف في المال المقترَض
إذا اقترض المكلّف مالاً بأسلوب محرّم في غير حال الاضطرار فإنّه يأثم ويستحقّ العقاب، ولكن تقع المعاملة صحيحة بالنسبة إليه، فيجوز له التصرّف في المال المقترَض، وتصرّفه صحيح، وإن كان أصل المعاملة حراماً. بينما المقرِض لا يحوز له التصرّف في الزيادة.

8ـ شراء البنك للبيت
توجد طريقة يصحّ فيها القرض السكنيّ، وهي ما إذا اشترى البنك البيت لنفسه، ثمّ باعه للمكلَّف الطالب للبيت بثمن معيّن، فاشتراه المكلّف من البنك بسعر مرتفع، على أن يدفع الثمن بالأقساط فهذا جائز غير حرام. مثال توضيحيّ: اشترى البنك لنفسه بيتاً بألف دينار مثلاً ـ، ثمّ باعه للمشتري بألف وثلاثمئة دينار مثلاً لمدّة معيّنة، على أن يُدفع المال بالأقساط، فهذا جائز، فيجوز للمقترِض التصرّف في البيت، كما يجوز للبنك التصرّف في الأرباح الزائدة عن رأس المال.

9- التعامل بالشروط الشرعيّة
توجد مصارف تمنح القروض طبقاً لأحد العقود الشرعيّة، فإذا كان المصرف يراعي الشروط الشرعيّة للمعاملة فيجوز الاقتراض على هذا الأساس. كما لو أخذ المال من المصرف بعنوان الشركة أو إحدى المعاملات الشرعيّة الصحيحة، فهذا لا يكون قرضاً أو اقتراضاً، ولا تُعدّ الأرباح الحاصلة للمصرف من مثل هذه المعاملات الشرعيّة من الربا المحرّم، فلا إشكال في أخذ المال بأحد تلك العناوين من المصرف لشراء أو لبناء البيت، أو نحو ذلك. توضيح عنوان الشركة: يشارك البنك في ملك المسكن بدفع قسم من مؤونة بنائه، ثمّ يبيع حصّته من شريكه بالأقساط عشرين سنة مثلاً، ولو بسعر أعلى من كلفته، أو يؤجّر حصّته إلى مدّة معيّنة بأجرة مقدّرة، فلا إشكال في أنّه يجوز للبنك أن يتصرّف في الثمن مع الزيادة، ومثل هذه المعاملة لا ارتباط لها بالقروض وبفائدة القرض.

10ـ الشرط المضمر
تحرّم الزيادة في المعاملة الربويّة مع الشرط، سواء أكان الشرط صريحاً أم مضمراً، وأمّا بدون الشرط فلا يحرم إعطاء الزيادة، بل يستحبّ للمقترض إعطاء الزيادة، فخير الناس أحسنهم قضاءً.

11ـ الخلاصة
يجوز قرض الإسكان في حالة الاضطرار، وفي حالة عدم قصد دفع الزيادة. ولا فرق في الجواز بين الاقتراض لأجل منزل أو لأجل شيء آخر.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع