مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

مقابلة: ما بعد القتال...

لقاء مع الكاتب د. حسام مطر

حوار: السيّد عدي الموسوي


صدر مؤخّراً كتاب بعنوان "ما بعد القتال: حرب القوّة الناعمة بين أمريكا وحزب الله"، عن شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، لمؤلّفه د. حسام مطر، الذي التقته مجلة "بقيّة الله" في حوار مكثّف تناول الكتاب، الذي هو في الأساس أطروحة دكتوراه في العلوم السياسيّة، قُدّمت في جامعة براغ في تشيكيا. وعلى الرغم من أنّ الكثير قد كُتب عن موضوع الحرب الناعمة، فإنّ الدكتور مطر يرى أنّ بحثه قدّم إضافات جديدة في هذا المجال، ترتبط بقضايا نظريّة وتطبيقيّة.

•نبدأ من العنوان الذي تبنّى قراءة المرحلة التالية للقتال، هل سعت الدراسة إلى قراءتها واستشرافها؟ وكيف؟
من خلال مراجعة أدبيّات القوى الناعمة، تبيَّن وجود أربع فجوات رئيسة، سعت هذه الدراسة إلى سدّها، وهي:

1- عندما نظّر "جوزيف ناي"(1) لمفهوم القوّة الناعمة، فإنّه ركّز على الفاعل دائماً، ولم يتطرّق إلى المستهدَف، وهذا ما جعل نظريّته عرضةً لانتقادات كتّاب غربيّين؛ بدءاً من العام 2012م.

2- تعامل "ناي" مع القوة الناعمة كموارد تقبض عليها الولايات المتحدة فقط، في حين أنّ هذه الموارد ليست خاصّة بها، فالقضايا الاجتماعيّة والقيميّة المتعلّقة بالحريّات، وحقوق الإنسان، والديمقراطيّة، يمكن أن يعيد الكثيرون إنتاجها اجتماعيّاً، من خلال التحكّم بالبنى الاجتماعيّة.

3- لاحظنا أنّه لم يُكتب كثيراً عن اللاعبين غير الحكوميّين فيما خصّ القوّة الناعمة، بل اقتصر الحديث عن دور الحكومات ومؤسّساتها.

4- لم تقدَّم القوّة الناعمة عبر إطار صراع بين طرفين، بل كيف يمكن لدولة ما أن تقدّم قوّتها الناعمة لطرف آخر.

حاولتُ أن أعالج هذه الفجوات الأربع، وذلك عبر اختيار حالة حزب الله والولايات المتحدة الأميركيّة، مع التركيز على المستهدَف، وهو حزب الله، ومدى قدرته على فرض قيود على ما يقوم به صاحب القوى الناعمة. وقد تبيّن أنّ الأساس في ذلك يقوم على إنتاج الجاذبيّة من حيث المعنى، وإعادة تشكيل معايير الجاذبية وقيمها الاجتماعيّة. فالجاذبيّة هي جوهر القوّة الناعمة.

•في أيّ دراسة أكاديميّة ثمّة إشكاليّة وفرضيّة تُطرحان قبل الشروع في البحث، فما هي إشكاليّة الدراسة، وما هي فرضيّتها؟
الإشكاليّة هي: كيف تمكّن حزب الله نسبيّاً من فرض قيود على القوّة الناعمة الأميركيّة في لبنان منذ عام 2004م، باعتبار هذا التاريخ تضمّن صدور القرار 1559، وما تلاه من هجمةٍ أمريكيّة على حزب الله، ثمّ اغتيال الرئيس رفيق الحريري. أمّا فرضيّة البحث، فهي أنّ حزب الله قد نجح نسبيّاً في فرض قيوده على القوّة الناعمة للولايات المتحدة من خلال المنافسة على إعادة إنتاج (معنى الجاذبيّة).

وبيّن الكتاب كيف سعى حزب الله، عبر أسلوبَي الدفاع والهجوم، إلى تقويض ما حاولت الولايات المتحدة نشره وتقديمه عن ثقافتها وقيمها، وعبر حملاته لتظهير ثقافته وقيمه إلى الجمهور اللبنانيّ بالشكل الذي هو، من خلال المنافسة لإنتاج (معنى الجاذبيّة)، عبر عناوين منها: السيادة، الثقافة، المقاومة، وغيرها. وقد حصل صراع قاسٍ بين الطرفين. وعلى الرغم من الفارق في الموارد، تمكّن حزب الله من فرض قيود على القوّة الناعمة الأميركيّة.

•هل يعني هذا أنّه يمكن لأيّ مستهدَف بالحرب الناعمة أن يستجيب لها ويواجهها بأن ينتج حرباً ناعمة مضادّة؟
لقد اعتاد الإمام الخامئنيّ دام ظله خلال التسعينات على استخدام مصطلح الغزو الثقافيّ، ومصطلح الغزو يحتمل معنى الضعف وعدم القدرة على المواجهة. وأعتقد أنّ سماحته استخدم لاحقاً مصطلح الحرب الناعمة لكي يشير إلى قدرتنا على المواجهة والردّ.

وبالمناسبة، فالأميركيّون استخدموا في كتاباتهم مصطلح القوّة الناعمة، وأمّا الحرب الناعمة فهو مصطلح يستخدمه الإسلاميّون، وكأنّهم يشيرون إلى القدرة على الاستجابة والردّ، والقدرة على التفاعل الاستراتيجيّ. ففي الحرب الناعمة نحن أمام طرفين، وكلٍّ منهما يطوّر تكتيكاته واستراتيجيّاته بناءً على استجابة الطرف الآخر.

•بالعودة إلى الشقّ العمليّ لدراستك، ما الذي تستهدفه الولايات المتحدة عبر قوّتها الناعمة؟ وكيف؟
بعد احتلالهم العراق، دمج الأميركيّون مفهوم القوّة الناعمة بمفهوم مكافحة التمرّد، وانطلاقاً من دراسة تاريخيّة أعدّها معهد (راند)، بتكليف من وزارة الدفاع الأميركيّة، لفهم حركات التمرّد وكيفيّة مواجهتها، توصّلوا إلى نتيجة مفادها: إنّ المكوّن الرئيس لحركات التمرّد، ومنها حزب الله، هو الدعم الشعبيّ. ولمواجهة هذه الحركات، يجب أولاً استهداف المنظّمة نفسها، وثانياً استهداف القاعدة الشعبيّة الداعمة. وقد أظهرت الدراسة أنّ المقاربات التي اعتمدت على مواجهة القاعدة الشعبيّة، كانت أكثر نجاحاً عبر التاريخ؛ لذلك، اعتبروا أنّ مواجهة حزب الله يجب أن توجّه نحو قاعدته الشعبية التي تؤمّن له الدعم الماديّ، والبشريّ، واللوجستيّ، مضافاً إلى المشروعيّة السياسيّة.

وقد قدّمت هذه الدراسة خارطة حدّدت خمسة أسباب رئيسة للدعم الشعبيّ لأيّ منظّمة متمرّدة، وأبرزها المشروعيّة الأخلاقيّة، والسياسيّة، والقيميّة، وغيرهــا. ولفصــــل حزب الله عن قاعدته الشعبيّة، يجب استخدام القوّة الناعمة لنزع المشروعيّة في نظر هذه القاعدة؛ المشروعيّة الأخلاقيّة والاجتماعيّة والقيميّة عن ثقافة المنظّمة، ودوافعها، وسلوكها، وسرديّاتها، وجدواها. أمّا المستهدَف، فهو القاعدة الشعبيّة ضمن حلقاتها المختلفة، من مسلمين شيعة وسنّة، ومسيحيّين، وحتّى علمانيّين.

•هذا على صعيد الاستراتيجيا، ولكن كيف جرى تطبيقه فعلاً؟
في كتابي قسّمتُ الموضوع إلى ثلاثة محاور، على صعيد أنّه جرى خلال عام 2004م العمل ضمن اتّجاهات عدّة:

أوّلاً: بناء سرديّة الثورة والمقاومة بشكلٍ مغاير عن سرديّة مقاومة حزب الله، عبر ابتكار مفهوم ثورة الأرز، وما أسموه مقاومة الاحتلال السوريّ، وذلك لضرب مشروعيّة المقاومة، وما يرتبط بالبيئة المسيحيّة، عبر محاولة تصوير حزب الله كميليشيا، وأنّه غريب عن النسيج اللبنانيّ، ويخدم المصالح الأجنبيّة.

ثانياً: ثقافة حزب الله وخصوصيّاتها، عبر تقديمها على أنّها ثقافة الموت بدل ثقافة الحياة.

ثالثاً: جمعيّات المجتمع المدنيّ المموَّلة أميركيّاً.

ردُّ حزب الله كان بالقول إنّ ثورة الأرز هي ثورة ملوّنة وليست ثورة محليّة، ولإثبات ذلك، تصرّف بطريقة اضطرّت الأميركيّ إلى الخروج من الكواليس ليساند حلفاءه الذين كان يحرّكهم، فكشف ارتباطات هذه الشخصيّات التي كانت تروّج لارتباط حزب الله بقوى خارجيّة.

•وماذا على صعيد العمل ضدّ ثقافة حزب الله؟
نتذكّر جميعنا الحملة الإعلاميّة الواسعة (نحن نحبّ الحياة)، والترويج لها، كخيار مقابل لخيار حزب الله الذي صُوّر وكأنّه خيار موت، ودمار، وحرب، وهو خيار غريب عن المجتمع اللبنانيّ وثقافته، فردّ حزب الله عبر إعادة إنتاج معنى حبّ الحياة، وربط هذا الحبّ بالكرامة والعزّة، عبر حملة إعلاميّة وإعلانيّة مقابِلة أظهرت عبارة (أنا أحبّ الحياة لكن بكرامة)، بمعنى أنّ المقاومة ربطت فعلها العسكريّ بدفاعها عن جميع اللبنانيّين، لتتيح لهم أن يعبّروا عن تنوّعهم وتعدّدهم.

•هل تعني أنّ الحرب الناعمة قائمة على الوعي؟
هذا صحيح، لأنّها حرب خفيّة، وهذا جزء من خطورتها. وعدم وضوحها يستدعي مقداراً عالياً من الوعي لمواجهة الشبهات ولفهم أهداف عدوّك، وتنبيه الناس إليها عبر تنمية وعيهم الثقافيّ، والسياسيّ، والإعلاميّ. وبهذا الإطار، ينبغي أن لا تُخاض هذه الحرب من منطلق التهويل والمبالغة؛ أي لكي نكسب المشروعيّة في هذه الحرب، يجب ألّا نحيل إخفاقاتنا ومشاكلنا كلّها إلى هذه الحرب؛ لأنّنا سنخسر حينها. علينا أن نكون مقنعين وواضحين بأدلّتنا، وبراهيننا، وسرديّاتنا.

•ختاماً، ما أبرز الخلاصات والنتائج التي انتهت إليها الدراسة؟
أوّلاً: برغم الفجوة في الإمكانات والموارد، يمكن للمستهدَفين بالقوّة الناعمة فرض قيود على مسستخدميها لا إفشالها بالكامل، يمكنهم المواجهة والمناورة. وحالة حزب الله هنا حالة رائدة وتصح أن تكون نموذجاً يُقتدى به من قِبل حركات المقاومة.

ثانياً: أظهر حزب الله مقداراً عالياً من المرونة والتكيُّف في تحديث أدواته، والانخراط في الحداثة بشكلٍ مقنّن، وتحديث أدواته الإعلاميّة، والفنّيّة، والتواصليّة، وهذا أمر لافت أيضاً.

ثالثاً: تمكّن حزب الله من توسيع مجتمعه الداعم، وجعل فكرة المقاومة فكرة جامعة، فأصبح مجتمع المقاومة يحتمل غير المنتسبين إلى طائفته، أو إلى فكرته الأيديولوجيّة، وهذا جعل هذا الاحتضان الشعبيّ يتّسع ويغلق الأبواب على الآخرين.

رابعاً: خطورة دور الوكيل الثقافي في الحرب الناعمة، فالجزء الأكبر من القوّة الناعمة يجري تمريره عبر استخدام هؤلاء الوكلاء.

خامساً: من أبرز أهداف الحرب الناعمة منع تسييس الناس، ودفعهم إلى عدم الاهتمام بالشأن الاجتماعيّ العام، عبر استغراقهم في استهلاك الترفيه. وأفضل وسيلة هنا لإحباط هذا الهدف، هي عبر دفع الناس للاهتمام بالشأن العام.

سادساً: هذه الحرب هي حرب صناعة النماذج الجذّابة. فقوّة الولايات المتّحدة ليست في أفكارها، بل في مهارتها في تقديم النماذج التي تبدو جذّابة في المجتمع؛ في العلم، والتنظيم، والفنون، والالتزام بالقانون... إلخ. ولمواجهة الحرب الناعمة، يجب إنتاج نماذج جذّابة اجتماعيّاً، واقتصاديّاً وتنمويّاً، وسياسيّاً.

حزب الله قدّم نموذجاً عسكريّاً إسلاميّاً رائعاً في مواجهة الاحتلال. أمّا التحدّي اليوم، فهو أن نقدّم نموذجاً مدنيّاً حضاريّاً جذّاباً، ينتمي إلى الحضارة الإسلاميّة التي تُستهدف اليوم بقوّة في الحرب الناعمة. فهل ننجح في هذا؟


1.جوزيف صموئيل ناي، أستاذ في العلوم السياسية، تولّى عدّة مناصب حكوميّة في أميركا، واشتهر بابتكاره مصطلحي (القوّة الناعمة) و(القوة الذكيّة)، وشكّلت مؤلّفاته مصدراً لتطوير السياسة الأميركيّة الخارجيّة في عهد أوباما.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع