الشيخ بسّام محمّد حسين
ورد في زيارة آل يس: "السلام عليك يا بقيّة الله في أرضه"(1).
وحثَّت الروايات على التسليم على إمام الزمان بهذا الوصف، ففي الرواية عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام أنّه سُئِل كيف يسلَّم على القائم عجل الله تعالى فرجه الشريف؟ فقال عليه السلام: "يقولون: السلام عليك يا بقيّة الله في أرضه"، ثمّ قرأ: ﴿بَقِيَّةُ اللهِ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ (هود: 86)"(2).
كما أشارت الروايات أيضاً إلى نّ هذه الكيفية في التسليم عليه هي التي ستكون عند ظهوره؛ فعن إمامنا الباقر عليه السلام أنّه قال: "... فإذا خرج، أسند ظهره إلى الكعبة، واجتمع إليه ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً، أوّل ما ينطق به هذه الآية: ﴿بَقِيَّةُ اللهِ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾، ثمّ يقول: أنا بقيّة الله في أرضه، وخليفته، وحجّته عليكم، فلا يسلِّم عليه مُسَلِّم إلّا قال: السلام عليك يا بقيّة الله في أرضه"(3).
ومِمّا تقدّم من وصف، وما ورد فيه من الروايات، يمكننا استفادة أمور عديدة؛ منها:
أوّلاً: إنّ حركة الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف هي امتداد للنهج الربّانيّ المتمثِّل بخط الحجج الإلهيّين؛ فإنَّ التعبير ببقيّة الله في أرضه يشير بوضوح إلى تقدّم سلسلة من هؤلاء الحجج على الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف، وأنّه يشكّل البقيّة الباقية لهم.
ثانياً: تدلّ هذه العبارة على عدم انقطاع سلسلة حجج الله تعالى، وأنّه تعالى لا يُخلي هذه الأرض منهم، وفي دعاء الندبة الشريف: "أين بقيّة الله التي لا تخلو من العترة الطاهرة؟"(4).
ثالثاً: يشير هذا الوصف إلى كون هذا الإمام حيّاً باقياً بإبقاء الله تعالى له، يعيش في هذه الأرض، ويتحرّك فيها، ويقوم بدوره المطلوب منه بوصفه حجّة لله تعالى في أرضه، وإن كنّا لا نشعر بذلك.
رابعاً: من المعاني التي يستعمل فيها هذا الوصف، كون صاحبه ممّن يُنتَظَر ويُترقَّب؛ قال الشيخ المازندراني: بقيّة الشيء: ما بقي منه، والبقيّة أيضاً: ما ينتظر وجوده ويترقّب ظهوره من: "بقيت الرجل أبقيته" إذا انتظرته ورقبته، وإنّما سمّي الصاحب عجل الله تعالى فرجه الشريف بذلك، لأنّه بقيّة الأنبياء والأوصياء السابقين، ويُنتظَر وجوده ويُترَقَّب ظهوره(5).
خامساً: تخصيص هذا النوع من السلام والتحية بإمام الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف، يحمل بُعداً اعتقاديّاً مؤدّاه: إنّ ما سيأتي به حين ظهوره، وما يحمله من دعوة، إنّما هو تجسيد لكلّ من سبقه من الحجج الإلهيّين، فالإيمان بمن سبقه وتقدّم عليه لا يكتمل إلّا بالإيمان والاعتقاد به عجل الله تعالى فرجه الشريف.
سادساً: هذا السلام يعبّر عن نوع من العلاقة والتواصل والارتباط بيننا وبينه، لا يفرّق فيه بين حضوره وغيبته، وعلينا أن نواظب عليه في أحوالنا كلّها، لما له من أثر على سعادتنا ومصيرنا في الدنيا والآخرة.
سابعاً: إنّ ترسيخ هذا الاعتقاد بإمام الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف، وأنّه حيٌّ باقٍ موجود في الأرض، والارتباط به من خلال السلام الدائم، من شأنهما أن يبعثا الأمل في النفوس، ويرفعا اليأس والإحباط عنها، ويدعوانها إلى التحرّك والعمل لتحقيق مشروعه الإصلاحيّ الكبير.
نسأله تعالى أن يعجِّل فرجه، ونحن في خير وعافية، لننعم ببركات أيّامه، ونشهد عدل أحكامه، إنّه سميعٌ مجيب.
1.الاحتجاج، الطبرسي، ج2، ص316.
2.الكافي، الكليني، ج1، ص411- 412.
3.كمال الدين وتمام النعمة، الصدوق، ص331.
4.إقبال الأعمال، ابن طاووس، ج1، ص508.
5.شرح أصول الكافي، المازندراني، ج7، ص49.