نسرين إدريس قازان
اسم الأم: عدلا عبدي
محل وتاريخ الولادة: النبطية 10 ـ5 1963
الوضع العائلي: متأهل وله ابنتان
محل وتاريخ الاستشهاد: مشغرة 10 8 2006
في قرية مشغرة البقاعية، أبصر محمد نور الحياة. وفي أحيائها درج فتىً حفرتْ التقلّبات السياسية والعسكرية في وجدانه صوراً لم تغبْ عن ذاكرته، حتى إذا ما حان وقتُ كتابة الغدِ، باحَ القلمُ بالحبر حيناً، وبالدماء حيناً آخر.. وليس عادياً أن يعايش المرء كل الأحداث التي شهدها الوطن في قرية كمشغرة، فهي بلدة الأستاذ محمد بجيجي، المعلّم الذي غذّى عقول الطلاب والمجتمع على حدٍّ سواء بالمفاهيم الإسلامية والجهادية، وأسس مع بعض رفاقه حركةً إيمانية عقيدتها الجهاد في سبيل الله.. وكان "محمد صادر" أحد التلامذة الذين منّ الله عليهم بالتعلّم في صفوف الشهيد بجيجي المدرسية والجهادية.
* مع المجاهدين الأوائل
وما بين البيت المتدين الذي أُشرب حبّ أهل البيت عليهم السلام، والوالدين اللذين حرصا على تنشئة أولادهما تنشئةً إسلامية صحيحة، وبين المجتمع المتلقف لأفكار ونهج الإمام الخميني قدس سره، خطا محمد خطوات الشباب الأولى، وهو ضمن مجموعات المجاهدين القلّة، فكان من أوائل الملتحقين بالدورات العسكرية، والمتصدين للاجتياح الإسرائيلي، وقد وُفق للمشاركة في العديد من العمليات العسكرية. في العام 1986، وبسبب ظروف الحرب القاسية والوضع الاقتصادي المتردي، أضفْ إلى ذلك الدراسة الأكاديمية والتي يتبعها تأسيس حياةٍ مهنية، اتخذ محمد قراراً صعباً، كان لا بدّ منه آنذاك، وهو السفر إلى فرنسا، والشروع بعملٍ يتناسبُ واختصاصه في الفندقية، فتشارك وأحد أبناء بلدته في إدارة مطعمٍ للجالية اللبنانية.
* وجع الغربة
شدّت الغربة على روح محمد وعاش فترة صعبة في محاولة التأقلم وحياته الجديدة. وكان المطعمُ نافذته إلى مجتمع ليس جديداً فحسب، بل يختلف اختلافاً كاملاً في الثقافة والتقاليد والتدين عن المجتمع الذي جاء منه، فزاد ذلك من وجع الغربة وقسوتها، إلى أن تعرّف إلى بعض الإخوة في "جمعية الغدير الإسلامية"، فكانت هذه الجمعية بالنسبة إليه كنقطة الماء للظمآن. بدأ محمد بالتردد إلى مركز الجمعية ليشارك في إحياء المناسبات الإسلامية، وشيئاً فشيئاً صار من العاملين الفاعلين في الجمعية، والمنظمين لنشاطاتها، ومن أهم المستقطبين لها. وإذا كان السفر والغربة يتركان أثراً في نفوس بعض الناس فينساقون في موجة المجتمع الجديد، فإن محمداً حافظ على الروحية ذاتها التي وصل بها إلى هناك، فكان من المهتمين جداً بالجانب العبادي في حياته والمواظبين على الصلاة في وقتها، وكان حريصاً على بعض الأعمال العبادية المستحبة، وكان ينصحُ من يعرفهم بالالتزام بالأعمال التي تقوّي العقيدة والإيمان. ولطالما كانت ترنيمة صوته ترنّ في أرجاء المطعم وهو يغزلُ شعراً ارتجالياً بالعامية في مدح أمير المؤمنين علي عليه السلام، ففي عشقه تنسابُ من بين شفتيه الكلمات موزونةً بعفوية يألفها قلبُ السامع فيحفظها ويأنس لها.
* العودة إلى ربوع الوطن والمقاومة
عاش محمد في فرنسا غربتين، الأولى بعده عن الوطن والأهل والأحبة، والثانية غربة حسرة البعد عن محاور المقاومة الإسلامية، فكلما تناهى إلى سمعه قيام المقاومة الإسلامية بعملية عسكرية، تذكَّر تلك الأيام التي كان فيها رشاشه ينطق بالرصاص، ووخَزهُ شعوره بالتقصير والقصور، على الرغم من عمله الدؤوب وتفانيه في نشر فكر المقاومة ونهجها المقدس، وعضّ على جرح الأمر الواقع الذي كان لا بدّ له من أن يسعى جهده لتغييره.. وكان له ذلك بعد سنوات طويلة من الصبر على مرارة الغربة، فعاد إلى لبنان في العام 1999، متخذاً قرار الاستقرار النهائي في ربوع وطنه، تاركاً خلفه العمل الذي أسسه وتعبَ كثيراً لأجل نجاحه. ما إن وصل محمد إلى لبنان حتى بادر للتواصل مع المجاهدين، لينضم إلى صفوف التعبئة العامة بالتوازي مع عمله الذي بدأه في مستشفى الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله، تلك المستشفى التي شهد فيها القاصي والداني لطاهٍ يُقدم للناس مع الطعام البسمة الحلوة، والكلمة اللطيفة، والموعظة الحسنة، فشدّ بأخلاقه الدمثة كل من حوله، وأحاطوه بمحبة واحترامٍ كبيرين.
* صفاء الروح
ولكنّ ما شغل باله حقيقة هو استكمال بناء الروحية العبادية عنده، فالتحق بدروس ثقافية لبعض العلماء. وكثيراً ما كان يناقشُ ويدلي بمداخلة خلال الدروس، ما نمَّ عن ثقافته واطلاعه الواسع. وأكثر ما عشقَ معرفته هو أسرار الأدعية التي كان يغترف من سطورها ما يتركه متأملاً متفكراً، فانعكس صفاء روحه على أدائه العملي، ما جعله قدوةً بين رفاقه ومثالاً يحتذى، فهو إنسان منظّم جداً، ودقيق في مواعيده، وحريصٌ على تنظيم الأمور بشكل جيّد. ببشاشة وجهه، وطيب معشره، نسج محمد علاقاته الاجتماعية، فكان ملجأ لأصدقائه، يقصدونه حينما تضيق بهم السبل، فيجدون عنده القلبَ المتفهّم، ويسمعون منه النصيحة الحكيمة، ولم يلمح منه أحدٌ في يوم ما تبرُّماً أو ضيقاً، بل كان يسعى في خدمة الناس، ويشكر الله على هذه النعمة.. بين ابنتيه الصغيرتين التوأمين اللتين زيّنتا حياته، كان محمد يقضي أجمل اللحظات، فما إن يراهما حتى يغادره التعب. وعلى الرغم من الجدية التي اتسمت بها شخصيته، فإنه سرعان ما يتحول إلى شخصٍ مرحٍ بين أهله وعائلته، يمزحُ بلطافةٍ تضفي جواً من الأنس في الحديث معه..
* وفي قريته تحقق حلم الشهادة
طوال السنوات التي قضاها محمد في لبنان، كان حلمُ الشهادة يراوده، ويتمنى أن يرزقه الله فرصة الجهاد في سبيل الله، لذا لم ينتظر اتصال الإخوة به حينما بدأ العدوان الإسرائيلي على لبنان، بل سرعان ما تركَ مطبخه، ليلتحق بالمجاهدين في قريته مشغرة، حيث بقي مرابطاً طيلة أيام الحرب، حتى استهدفت مكانهم الطائرات الإسرائيلية فاستشهد في الثامن من شهر آب. لم يغبْ أبداً وجه "الشيف" محمد صادر عن وجوه من أحبوه، فزملاؤه في المستشفى، وأصدقاؤه، وكل من عرفه، يذكرونه في مفاصل حديثهم، رجلاً عمل جاهداً ليكون إنساناً مؤمناً مجاهداً.