مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

نور روح الله: العناية الإلهية




من عناية الله تعالى بعباده أن وهبهم العقل ومنحهم القدرة على تهذيب نفوسهم وتزكيتها، كذلك بعث لهم الأنبياء والأوصياء لهدايتهم وإصلاحهم كي ينجوا من عذاب النار الأليم. وفي حال لم يستجب الإنسان لهذه الوسائل فإن الله تعالى، وبرحمته، ينبّهه عبر وسائل وطرق أخرى منها مختلف الابتلاءات أو المصائب، كالفقر والمرض. إن الله تعالى يتعامل مع الإنسان كالطبيب الحاذق أو الممرض الماهر والرؤوف، الذي يحاول معالجة هذا الإنسان من الأمراض الروحيّة الخطرة.

* البلاء لطف إلهي
وإذا كان العبد محل عناية الله تعالى، فإنه يبتلى بصنوف الابتلاءات حتى يلتفت إلى خالقه تعالى ويهذّب نفسه. هذا هو طريق الهداية ولا يوجد طريق آخر. ولكن ينبغي للإنسان أن يطوي هذا الطريق بنفسه لكي يحصل على النتيجة. وإن لم يحصل على النتيجة المرجوة عن هذا الطريق أيضاً، فلم يشف الإنسان المريض، ولم يصبح مستحقاً لنعمة الجنة، فإن الله تعالى يشدّد عليه في حال النزع لعله يتذكر ويتنبه. وإذا لم يؤثر فيه ذلك أيضاً، تأتي موقظات القبر وعالم البرزخ والعقبات التي تتبعه، لكي تطهّره وتزكّيه وتحول دون دخوله جهنم. كل هذه المراحل التنبيهية هي ألطاف إلهية تستهدف إبعاد الإنسان عن جهنم وإنقاذه منها. فكيف بالإنسان إذا لم تنفع معه كل هذه الموقظات والمنبّهات؟ وماذا ستكون عاقبته؟ عندها لا مفر من آخر الدواء وهو الكي أي النار وذلك حتى يُصلح الله الكريم الرّحيم عبده، كالذهب الذي يُعرّض للنار لتنقيته وتحويله إلى معدن خالص.

عذاب أهل الهداية!
ورد في تفسير الآية الكريمة ﴿لاَبِثِينَ فِيهَا أَحْقَاباً (النبأ: 23)، أن هذه الحقب الواردة في الآية الكريمة هي لأهل الهداية والذين يكون أصل إيمانهم محفوظاً (1). إنها تنطبق علينا أنا وأنت. وأما كم هو طول الحقبة؟ فالله أعلم، لعلها آلاف السنين.. المهم أن نعمل لئلا يصل بنا الأمر إلى مرحلة آخر الدواء من أجل استحقاق ولياقة النعيم المقيم، ويكون من اللازم لا سمح الله أن يذهب الإنسان فترة إلى جهنم وأن يحترق بنارها لكي يتطهر من الرذائل الأخلاقية والتلوثات الروحية والصفات الشيطانية الخبيثة، ويصبح لائقاً ومستعداً للتنعم بـ ﴿جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ (المجادلة: 22). علماً أن هذا يتعلق بتلك الفئة من العباد الذين لم تتسع دائرة معصيتهم ولم تبلغ تلك الدرجة التي يستحقون فيها الطرد من رحمة الله، والحرمان من مغفرته ولطفه؛ بل لا يزالون يمتلكون بعض الاستحقاق الذاتي لدخول الجنة. فلا قدّر الله أن يُلفظ الإنسان من باب رحمته نتيجة لكثرة المعاصي، ويحرم من الرحمة الإلهية؛ فلا سبيل أمامه عند ذلك غير الخلود في نار جهنم. احذروا أن تُحرموا لا سمح الله من الرحمة والعناية الإلهية، فيحلّ عليكم غضب الله ويحيط بكم عذابه . احذروا من أن تكون أعمالكم وأفعالكم على نحو تسلبكم توفيقات الله تعالى، ولا يكون أمامكم سبيل غير الخلود في النار. إنّ أحدكم الآن لا يستطيع أن يقبض على حصاة محماة لمدة دقيقة واحدة، فاتقوا نار جهنم.

* جُزنا وهي خامدة
لا تضرموا نار جهنم. إن نيران جهنم تتأجج بوحي من أعمال الإنسان وأفعاله القبيحة. قال عليه السلام: "جُزْنا وهي خامدة" (2). فإذا لم يفعل الإنسان ما يحرّك نار جهنم ويؤججها فإنّ جهنم خامدة. إنّ باطن هذه الدنيا جهنم، وإن الإقبال على الدنيا إقبال على جهنم ولعب بنارها. ولا يدرك الإنسان هذه الحقيقة إلا حين ينتقل إلى الدار الآخرة عارياً وتسقط الحجب، حينها يدرك أن ﴿ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ (آل عمران:182)، ﴿وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً (الكهف: 49). فكل ما يصدر عن الإنسان في هذه الدنيا يجده أمامه في العالم الآخر يتجسّم له. قال تعالى: ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ*وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ (الزلزلة: 7 8). فكل أعمال الإنسان وأفعاله وأقواله تعرض عليه هناك وكأن حياتنا يتمّ تصويرها في فيلم سوف يعرض في العالم الآخر وليس بوسع أحد إنكاره.

سوف تعرض علينا جميع أعمالنا وحركاتنا وسكناتنا، إضافة إلى شهادة الأعضاء والجوارح: ﴿قَالُوا أَنْطَقَنَا الله الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ (فصلت: 21). وذلك كله أمام الباري تعالى حيث جعل كل شيء ناطقاً، فلا يمكن لنا التنصّل عن أعمالنا القبيحة وإنكارها. فكّروا قليلاً وكونوا بعيدي النظر. زنوا عواقب الأمور. تذكروا العقبات الخطيرة التي ستواجهونها. تذكّروا عذاب القبر وعالم البرزخ والشدائد والأهوال التي تعقبه، ولا تغفلوا عنها. آمنوا على الأقل بجهنم. فإذا آمن الإنسان حقاً بهذه العقبات الخطيرة، فسوف يتخلى عن سلوكه المشين. فلو كنتم تؤمنون حقاً بهذه الأمور ومتيقّنين منها، لما تركتم حياتكم حرة طليقة تفعلون ما يحلو لكم؛ ولصنتم، في هذه الدنيا، أقلامكم وألسنتكم وخطواتكم، ولسعيتم لإصلاح أنفسكم وتهذيبها.


(1) سئل أبو جعفر عليه السلام عن هذه الآية فقال: هذه في الذين يخرجون من النار. (مجمع تفسير البيان، ج 10، الشيخ الطبرسي).
(2) تفسير القرآن الكريم، السيد مصطفى الخميني، ج 5، ص 89.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع