مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

مناسبة: رأس السنة بين العرف والدين


تحقيق: نقاء شيت

يرافق كلّ بداية سنة والميلاد احتفالات عارمة، وتقاليد احتفاليّة في المنازل والطرقات تتسرّب إلى المسلمين بما يختلف مع التعاليم الدينيّة الإسلاميّة، وتسودها اجتماعات عائليّة حول التلفاز للاستماع إلى كلام المنجّمين والمطّلعين.
أمام هذه الظاهرة المتكرّرة، نسأل: ما موقف الشرع والدين؟ وما هو تأثير هذه الرموز الاحتفاليّة؟


* هل نقلّد في احتفالاتنا؟!
لرصد المظاهر كان أوّل الغيث، زينة رأس السنة في المحال التجاريّة المغرية للناس. قد يعلو صوت صبيّ (6 سنوات) ويشدّ ثوب أمّه صارخاً: "أريد هذه الشجرة لنزيّن بها الصالون"، مشيراً بأنامله الصغيرة إلى شجرة ميلاد معروضة للبيع على باب المتجر. فيما تبرّر الأمّ إلحاح طفلها أنّ أبناءها اعتادوا التزيين والاحتفال في الميلاد ورأس السنة. وأمام سؤال: هل يلقى مولد النبيّ محمّد صلى الله عليه وآله وسلم "الرهجة" والاهتمام نفسيهما؟ أجابت: "ثمّة من يهتم بتزيين الطرقات في مولد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ".

فيما تخطّط مجموعة من الفتيات للسفر خلال العطلة الرسميّة في هذه المناسبة إلى تركيا بهدف السياحة، لتقترح سارة. (23 عاماً): "لمَ لا نسافر إلى العتبات المقدّسة؟ فالتكلفة نفسها تقريباً، ففي إيران مثلاً أماكن سياحيّة عدّة، ونبدأ عامنا الجديد بالزيارة إلى أعتاب أهل البيت عليهم السلام ؛ لتكون سنة خير إن شاء الله".

أمّا هادي (22 عاماً) الذي يمثّل حالة واعدة، فهو يخبرنا أنّه في آخر يوم من العام "منذ الساعة الحادية عشرة ليلاً، أتوضّأ وأبدأ قراءة القرآن وقبل الساعة 12 بدقيقتين، أقوم لأصلّي ركعتين لله تعالى، فهكذا أنهي عامي بالعبادة وأبدأه بها أيضاً. فليلة رأس السّنة ينشغل الكثيرون فيها باللّهو وما يسبّبه من معصية لله، فلمَ لا أحدث أنا وغيري ذاك التوازن في الكرة الأرضية؛ بينما ينشغل كثيرون بالمعصية، ننشغل نحن بالطاعة؟".

* رأس السنة والميلاد
يقول الشيخ نجيب صالح: "الأعياد بطبيعتها تنقسم إلى نوعين، أحدهما منصوصٌ عليه؛ كعيد المولد النبويّ الشريف، الفطر السعيد، الأضحى المبارك، الغدير الأغرّ وغيرها، وأخرى لا نصّ شرعيّاً فيها، بل اصطلح الناس على تسميتها عيداً، كميلاد النبيّ عيسى عليه السلام، رأس السنة، عيد العشّاق وغيرها...". وبحسب فضيلته: "لا إشكال شرعيّاً في أصل الاحتفال بميلاد النبيّ عيسى عليه السلام، ورأس السنة الميلاديّة، أمّا الإشكال الأساس فيقع في طريقة الاحتفال التي بدأت تأخذ الناس إلى جلسات الطرب والغناء والرقص، فضلاً عن شرب الخمر وغيرها من المحرّمات". وهنا ندرج قولاً للإمام الحسين عليه السلام: "حلال محمّد حلال أبداً إلى يوم القيامة، وحرامه حرام أبداً إلى يوم القيامة".

من هنا، يحذّر فضيلة الشيخ من الوقوع في الفتنة والانجرار خلف الغرب بأفكارهم وثقافتهم، فنحن أمام غزو ثقافيّ مبطَّن.

* ما حقيقة الميلاد؟
لاستيضاح حقيقة تاريخ ولادة النبيّ عيسى عليه السلام، يخبرنا د. عليّ فضل الله، "أنّ بعض الأبحاث تعود بتاريخ ولادة النبيّ عيسى عليه السلام إلى أشهر الصيف، وحزيران على الأخصّ، استناداً إلى الآية الكريمة: ﴿وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا﴾ (مريم: 25)، التي فيها دلالةٌ على فصل الصيف". كما تقول أبحاث أخرى: "إنّها ترجع الولادة إلى شهر أيلول". وهذا يطرح سؤالاً: لِمَ لمْ يتركّز الاحتفال بتوقيت آخر؟!

* الانغماس في احتفالات غير إسلاميّة
يتزامن مولد نبيّ الإسلام صلى الله عليه وآله وسلم بما سمّي بأسبوع الوحدة الإسلاميّة؛ أيْ أنّها فترة كافية للاحتفال به بطريقةٍ واسعةٍ، لكنّ التقصير في هذا الاحتفال يعود ببساطة بحسب د. فضل الله إلى: "خلل في الهويّة الإسلاميّة، يُبرهَن بالانهزام التامّ والانجرار مع الثقافة الغربيّة وتلقّفها دون إدراكٍ لأبعادها".

هنا يردف د. فضل الله ليقول: "إنّ الإسلام دين الحياة، ونحن نشجّع على الفرح والاحتفال، ولكن لنُحيِ مناسباتنا أوّلاً، وليس مناسبات الآخرين تحت ذريعة المشاركة والانفتاح"، ويضيف د. فضل الله: "لدينا الكثير لنحتفل به، كولادة 14 معصوماً، فضلاً عن المبعث النبويّ الشريف، الإسراء والمعراج، عيد الفطر، عيد الأضحى، عيد الغدير، زواج الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والسيدة خديجة عليها السلام، زواج الأمير والسيدة الزهراء عليهما السلام وغيرها".

* "كذب المنجّمون ولو صدقوا"
أمّا حول ما يرافق رأس السنة واحتفالاتها من سهرات عائليّة مرفقة بالاستماع إلى المنجّمين والمطلعين، فيقول الشيخ نجيب صالح: "ليست هذه الظاهرة بريئة، فالأمر لا يقتصر على التوقّع، بل هي تصل حدّ الجزم بالمستقبل، كما أنّها تقتل الوقت، وتعلّق الناس بأمور لا أساس ولا قيمة لها، فليس هناك من يعلم الغيب غير الله سبحانه وتعالى". ويُرجع د. عليّ فضل الله الأمر إلى أبعادٍ أخرى: "إنّ بعض المحطّات تعرض هذا النوع من السهرات، حتّى لو لم تكن مقتنعةً بالمضمون، لترفع من نسبة المشاهدة لديها فقط، وأمّا المشاهدون، فهم لا يستطيعون التحكّم بأنفسهم وخياراتهم، فينجرّون نحو كلّ ما يُقدّم لهم من الخارج، مركّزين على المتعة المؤقّتة كبابٍ للسعادة، بينما يركّز الإسلام على السعادة في حدِّ ذاتها، كما في قوله تعالى: ﴿وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ﴾ (النمل: 14)".

* ما البديل؟
يجيب د. فضل الله "إنّ الدين الإسلاميّ يعجّ بالمناسبات الفرحة، فلنحيها معتمدين بالوقت نفسه على تنمية ثقافة الفرح ومواهب الشباب، عبر نشاطاتٍ فنيّة (رسم، مسرح، موسيقى، شعر، خطابة، خط)، وأخرى رياضيّة (أندية، ماراتون..). هكذا نشجّع على الاحتفال بالمناسبات الإسلاميّة، وبالوقت نفسه نحفّز الشباب على إبراز مواهبهم، وتفريغ طاقاتهم بطريقةٍ إيجابيّةٍ لا تتنافى مع الدين، بل توصله للعالم بطريقة حضاريّة جميلة، خصوصاً عندما يغطّي الإعلام هذه النشاطات، ويروّج لها كما هي الحال مع الترويج لمناسبة رأس السنة، فالأمر ليس بالمُكلف".

* كلمة أخيرة..
من جانبه، يقول فضيلة الشيخ نجيب صالح: "إنّ وقتاً من العمر يمرّ، فلنفكّر كيف يمكننا استغلاله لما فيه رضى الله تعالى والقرب منه، فنحن مسؤولون عن الوقت الذي يمرّ، فليحاسب المرء نفسه على ما قد مرّ، ويستغلّ كلّ وقت في طاعة الله ومرضاته".

في الختام، يذكر د. فضل الله: "أنّ الأمر أوّلاً يقع على عاتق الأهل، ومن ثم المدرسة، فالمجتمع. على الأهل بدايةً أنْ لا يشجّعوا أبناءهم على إحياء مناسباتٍ بطريقةٍ تتنافى مع الدين، بل عليهم أن يحفّزوهم على إحياء المناسبات الإسلاميّة. ثانياً، عليهم أن لا يسمحوا للمدرسة بإجبار الطلاب على المشاركة بمناسبات كهذه أو تغذيتهم بثقافاتٍ غربيةٍ تتنافى مع مبادئهم الإسلامية. فالتربية سلوك وليست مجرد كلام"، لنبدأ من أنفسنا وننتقل بعدها إلى المجتمع.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع