مقابلة مع المحقق نجم الدين الطبسي
حوار: جومانه عبد الساتر


إن تعاليم أهل البيت عليهم السلام لا تنحصر بعلم دون علم، وفضائلهم ليست لزمان دون زمان، إنهم القرآن الناطق الذي فيه تبيان كل شيء. ومن تعاليم العترة المطهرة عليهم السلام ووصاياهم المقدسة، أنْ يداوم أتباعهم على ذكر مناقبهم ونشر فضائلهم لتنتشر وتعم المجتمعات، كي تتمسك الأمة بحبل مودتهم وموالاتهم وتسير على خطاهم ونهجهم فتعمل عملهم، وتوالي من يوالون وتعادي من يعادون، وهم يوالون الخير كل الخير، ويعادون الشر كل الشر. ولما كانت المجالس الحسينية إحدى أهم الوسائل لنشر علوم ومواعظ أهل البيت النبوي عليهم السلام فقد اهتم العلماء بتلك المجالس وما يذكر فيها، فألفوا الكتب لذكر فوائدها وتعداد آدابها وشروطها، ومحاولة تنقيتها مما علق بها من أفكار وأساليب دخيلة لا تمت إلى مدرسة التشيع، ومن هؤلاء العلماء يأتي المحقق الشيخ نجم الدين الطبسي المشارك في تأليف مجموعة: مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة(1) وغيرها من الكتب. فكان معه هذا الحديث والذي تناول فيه البواعث التي أدت لتأليف المقاتل، ومن هم أول من ألف كتب المقاتل؟

* أهداف تأليف المقاتل:
س- ما هي البواعث التي أدت إلى تأليف كتب المقاتل؟
ج: مسألة التأليف لها أهداف عديدة أبرزها: أولاً، أنّ المؤلف يرى نفسه مسؤولاً في جمع وسرد ونقل ما يحدّث أي تأريخ يحدث، وحادثة كربلاء ليست أقل من الحوادث التي تعني المؤرخ.
ثانياً: إنّ حادثة كربلاء ليست من الحوادث العادية، إنها حادثة أخبر عنها الأنبياء عليهم السلام وأحدثت زلزالاً في العالم وما تزال، فالمؤرّخ الذي يرى نفسه مسؤولاً تجاه أي حدث، ولو ضئيل من الضروري أن ينقله.
ثالثاً: هناك بعضٌ ممن يكتب المقاتل له دافع ديني، بحيث إنه يرى نفسه مسؤولاً أمام الناس والمجتمع والأجيال في نقل الأحداث بدقة، سيما وأن الحكومات السابقة كانت ظالمة في عهد العباسيين الذين حاولوا طمس هذه الحقائق. فإذا منعت الحقيقة وهذه الحوادث عن الجيل الأول، فبالتالي، الجيل الثاني لن يكون بأفضل حال، فكيف بالجيل الثالث، وهكذا....؟!

* كيف حُفظت أحداث كربلاء؟
س- كيف وصلت هذه الأحداث وحفظت؟
من حضر كربلاء من المعصومين عليهم السلام كالإمام زين العابدين عليه السلام والإمام الباقر عليه السلام وكان له ثلاث سنوات والسيدة زينب عليها السلام ثم بنات أمير المؤمنين عليه السلام روين هذه الأحداث، كسكينة، وزوجات الإمام الحسين، وزوجات الشهداء، بالإضافة إلى أن بعض الأعداء كتب تقارير عن الحادثة كحميد ابن مسلم والذي كان صحافياً يدون أحداث الواقعة. ونحن بدورنا أخذنا ما كتبه كتقارير وقضايا، والجدير ذكره أن أحداً لم يكن محايداً في كربلاء، فإما مع أهل البيت عليهم السلام وإما ضدهم، (ومن سمع واعية ولم يجبه أكبّه الله على منخره في النار)، فحميد يروي بعض القضايا وقسم من جيش الأمويين يروي ونأخذ بها أيضاً، هذا بالإضافة إلى أنّ المعجم الكبير للطبراني 260 - 360هـ والذي يتحدث عن أحداث كربلاء. لكن أول من دوّن هذه الأحداث هو الأصبغ بن نباتة وهو كان من القوات الخاصة لأمير المؤمنين عليه السلام في شرطة الخميس وأظنّ ظناً قوياً أنه كان محبوساً أيام كربلاء هو وجمع من الشيعة، فالبعض يقول إنه بعد الثورة ألقي القبض على 500 أو 12000. لكن سواء كان العدد هذا أو ذاك، فإنّ السلطة آنذاك كانت تعنى بالذين تخافهم سيما هذا الشخص الأصبغ ابن نباتة، ثم تلاه أبو مخنف ويحي النمرود الذي تألّق في هذا المجال في القرن الثاني، وهم من الرعيل الأول الذين كتبوا المقاتل.

س- كم مقتل تم تدوينه حتى الآن؟
بلغ عدد المقاتل إلى الآن حوالي المئة كتاب، أبرزها مقتل أبي مخنف أيام الأمويين والخوارزمي وابن نما بالإضافة إلى مقتل المقرن، الجدير ذكره أنه حتى العباسيين لم يكونوا أحسن حالاً من الأمويين (كلما دخلت أمة لعنت أختها)، ما فعلته بنو أمية معشار ما فعلت بنو العباس، بعض المقاتل كانت سرداً، بعضها الآخر فيه جديد وبعضها فيه تحليل كمقتل الخوارزمي المهم ومقتل ابن نما ومقتل مثير الأحزان لجعفر بن إبراهيم الحلي والعوالم للبحراني والطبسي للوالد ومقتل القرشي.

* كتب المقاتل:
س- إلى أي مدى تعتمد قراءة هذه المجالس في العالمين العربي والإسلامي؟
ج- المقاتل كلها كتبت بالعربية أو أغلبها، ونحن قدّمنا إلى المكتبة الإسلامية شيئاً متواضعاً في ستة أجزاء بعنوان (مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة) الجزء الثاني "الحسين في المدينة"، "الحسين في مكة" الجزء الثالث، "في طريقه إلى العراق" الجزء الرابع، "الحسين في كربلاء" الجزء الخامس، "الشهادة" الجزء السادس، هذه المقاتل تجمع بين النقل والتحليل والمناقشة. بالنسبة إلى المحتوى البحراني الذي كتب العوالم وكتبه في العراق والبحرين، لكن هناك مقاتل كتبت في إيران. أما بالنسبة إلى المدارس، فإنه ليس هناك فرق، فإما هناك سرد أو تحليل كالذي يتميز به مقتل المقرن والقرشي.

* ملف قراء العزاء بيد العباس عليه السلام:
س- ما هي الشروط التي يجب مراعاتها بالنسبة لقراء مجالس العزاء؟
النصيحة التي أوجهها كوني خادماً للمنبر الحسيني منذ أكثر من 40 سنة 1391 إلى 1431: أن لا ينظروا إلى الكسب المادي فقط، فبذلك لن يوفّقوا، بل يجب أن يعتبروها تجارة لكن مع الله عز وجل ﴿وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ﴾ (الطلاق:3)، هذا المنبر له خصوصية معينة، وهذا المنبر ارتقاه رسول الله صلى الله عليه وآله، فله مكانة خاصة، لذا، يجب مراعاة المسائل التالية عند القراءة: الوضوء والطهارة والمطالعة والاستلهام مراراً وتكراراً، وأنا أطلب من السيدة الزهراء عليها السلام أن تمنّ علي بذرّة من حرقة قلبها، الشيء الذي أطلبه من الإخوة والأخوات قرّاءً وقارئات المجالس بأنّ الله وفقهم لخدمة المنبر. وهنا أتذكر قصة للوالد رحمه الله يروي عن الميرزا عبد الهادي الشيرازي، وهو من مراجع الطائفة بعد الإمام البروجوردي في النجف الأشرف، يقول: رأيت في المنام الحسين والعباس عليهما السلام، العباس كان يحمل ملف قراء المجالس، والحسين أشار للعباس أن اشطب هذا الاسم وهو اسم أحد الخطباء الذين أعرفهم - كما يقول الشيرازي -، ثم قال الإمام الحسين أضف اسم فلان أي اسم ثان، فيقول عندما انتبهت من المنام أدركت أنّ هذا الاسم الثاني هو أحد تلامذتي، فاستدعيته - يقول المرجع الشيرازي - واستوضحه الأمر وسأله: هل أنت من قراء مجالس العزاء، فبكى وقال إنه في أول يوم محرم قلت في نفسي إلى متى أنا أجلس مستمعاً وأبكي، لماذا لا أقرأ والغير يبكي فذهبت إلى السوق واشتريت مقتلاً وجمعت أهلي وعيالي وأولادي وبدأت أقرأ وهم يبكون، فأرجوك أن لا تنقل هذه الحادثة عني ما دمت حياً. هذا يعني أن الإمام الحسين قَبِل هذا المقدار.

* رأي العلامة المجلسي:
س- هل للمجلسي رأي أو لا؟
العلامة المجلسي وهو شيخ الإسلام عنده ثلاثة مجلدات الجزء الثالث والأربعون والرابع والأربعون والخامس والأربعون من بحار الأنوار كله يتعلق بالإمام الحسين عليه السلام، لكن له طريقة أشار إليها في أول كتابه أنّ القضايا التي أنقلها في هذا الكتاب مستقاة من مصادر معتبرة، لكن حينما يصل إلى حوادث كربلاء يقول إنه يرجع في متنه لأمور ثلاثة:
الأول: قلة المصادر في هذا المجال التي تكون موثوقة ومسلّمة ومؤكّدة.
الثاني: أريد أنْ آتي بهذه القضايا كي أبكي الناس وأن أصبح شريكاً في الثواب.
الثالث: هذه القضايا التي تنقل عن كربلاء ونحن ننقلها لا داعي لأن نشكّك ونقول إنّ هذا كذب، فقط دعوا الأمر للمحققين فيبدون نظرهم.

* مجالس العزاء عند أهل السنّة:
س- هل لمجالس العزاء دور في مكتبة المسلمين من غير الشيعة أم لا؟
ج – نعم، لأنّ لأهل السنة دوراً كبيراً، رغم الضغوطات هناك فريق من السنة لهم إسهامات كبيرة في نقل حادثة عاشوراء. "الالوسي"، الزمخشري هاجموا النواصب.  كتاب الثقات لابن حبان المتولد سنة 275 هـ، ينقل قصة رأس الإمام الحسين، في الجزء الثاني أنصح القراء بمطالعة هذه القصة. الزمخشري عنده مقتل للإمام الحسين. الجويني مؤلف كتاب "فرائد السمطين" وهو مليء بقضايا كربلاء وما يتعلق بأمر الحسين وأهل البيت عليهم السلام. كتاب الشبلنجي "نور الأبصار" يذكر قضايا عن رأس الإمام الحسين عليه السلام لم نعثر عليها في كتب أخرى. وكذلك القندوزي، يذكر أن علماء السنة كانوا يقيمون العزاء في أصفهان وهمدان يوم الحسين، وأنا أرتقي هذا المنبر وأدعو الرادود يأتي ويقرأ. وما زال أهل السنة يقيمون العزاء في كردستان وزاهدان ويحضرون لأنّ الحسين عليه السلام للكل وأهل البيت للكل، والعمل الإجرامي الذي حصل في كربلاء كان من عمل السلطة والأمويين.

* تمثيل واقعة كربلاء:
س – كيف نفعّل واقعة كربلاء وما هي أفضل السبل لذلك؟
ج- أفضل طرق المقاتل هي وجهاً لوجه، المحاضر والحضور، لكن هذا لا يمنع من اتخاذ أساليب أخرى عصرية. اليوم لدينا التلفاز، الانترنت، الفضائيات واليوم الشرائح التي نتحدث معها ليسوا من شريحة واحدة، حيث هناك الأطفال وغيرهم فلا بد أنْ نتكلم بلسان العصر. مثل التمثيليات التي تراعى فيها المحتويات والجوانب التمثيلية. كنا في النجف الأشرف على عهد المراجع، كان ما يعرف بالشبيه بمعنى تمثيلية بالوقت الحاضر، ولا زال في العراق وحتى في إيران أيام الشاه المقبور بدأو بالتشبيه مع مراعاة هذه الجوانب من أساليب الإعلام وإيصال الفكرة الكربلائية إلى الأجيال اللاحقة.

_{(1) المجموعة مؤلفة من ستة أجزاء.}