مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

شهيد الوعد الصادق رضا حسن مدلج


نسرين إدريس قازان
 


بطاقة الهوية

شهيد الوعد الصادق: رضا حسن مدلج "عبد الله المقاومة"
إسم الأم: دورة مدلج.
محل وتاريخ الولادة: 25/6/1970.
الوضع العائلي: متأهل وله 4 أولاد.
رقم السجل: 150/9.
محل وتاريخ الاستشهاد: مواجهة مع الكوماندوس الإسرائيلي في مستشفى دار الحكمة بتاريخ 2/8/2006.

كانت أصابعه تنضحُ بدمه وهو يكتب بالأحمر القاني على جدران البيتِ وصيته الأخيرة: "حزب الله". وهل هناك ما هو أسمى من هذه الوصية! حزبٌ يوصى به بالدم. "حزب الله"... التحق رضا بصفوفه فتياً، وترعرع بين معسكراته والمحاور، ليطوي حياةً لم يختزل منها لحظة واحدةً لنفسه، بل جعل من كل سكناتها جهاداً في سبيل الله. منذ ذلك اليوم الذي رافق فيه والده إلى أحد معسكرات المقاومة، انطلق في طريق ذات الشوكة ولم يحدْ عنها طرفة عين، بل بقي ذلك السالك الذي لم يغفل عن أن الوصول إلى الله عزَّ وجلَّ يبدأ من الهجرة الحقيقية.. هجرة النفس من هذه الدنيا. صغير العائلة ومدلل والديه وإخوته، تعوّد في طفولته الحصول على ما يريد وعلى خلاف المتوقّع، شبَّ على عادة تنفيذ ما يرغب به بنفسه، ما ساعده كثيراً في شبابه، فعنادُ الوصول إلى الهدف تمثّل بعزيمة لافتة في عمله الجهادي، فكان لا يهاب الصعاب أبداً.

* قدوة لمن حوله:
لقد حملت شخصيته الواعية والتي جُبلت بمرّ الحياة وحلوها، قدرةً على فهم أبعاد الأمور والقدرة على اتخاذ القرارات، فهو الصارمُ الذي لا يقبل تجاوز مخالفة صغيرة، واللّين الذي لا يُعصى محبةً واحتراماً، فقد كان قدوة لكل من حوله في الإخلاص والتقوى والسعي الدؤوب لتقديم ما هو أفضل للمقاومة. ولم يقتصر عمل الحاج رضا الجهادي على الشق العسكري في المقاومة الإسلامية، فتارة كان يبيعُ الجرائد، وتارة أخرى يجمع التبرعات، وينتقلُ من مكانٍ إلى آخر غير عابئ بتعبٍ أو مشقة، متميزاً بجديته، وبنظرته العميقة في تقييم الأمور، فعندما يطرح أمامه أحد الإخوة فكرة عمل ما يتحول من الحماسة والمبادرة إلى رجلٍ ساكن جداً، ويستمع بصمتٍ لدرجة يظنُّ فيها المتحدث أن الفكرة لا تعجب الحاج من أساسها، وغالباً ما يكون جوابه الموافقة، وفي التنفيذ يعود ذلك الرجل الذي لا يهدأ ولا يقبل إلا أن يكون أول البادئين في العمل.

* المسجد كان المنطلق:
اهتم الحاج رضا كثيراً بالمسجد، ولم يتخذه ركناً لأداء الفروض الواجبة فحسب، بقدر ما جعله منطلقاً له في كثير من الأمور، فقد أولى الاهتمام بالمسجد الأهمية القصوى في حياته، ما ترك أثراً واضحاً في نفوس أهل قريته، وجمع التبرعات ليحسّن من بنائه القديم، واهتم بنظافته بنفسه، فأعاد بهذا السلوك الدقيق إلى المسجد دوره الرياديّ في بناء الأجيال، وتعزيز مكانته باعتباره ركناً أساسياً في الحركة الثقافية والاجتماعية والجهادية. كثيراً ما كان يشجع الحاج رضا من حوله على المبادرة والقيام بأي عملٍ يخدم المسيرة الحسينية الخمينية، معتبراً أن لكل فرد في المجتمع دوره الذي عليه القيام به. وقد زرع في نفوس الإخوة الذين كانوا يحضرون الدورات التي يتابعها، بذرة المبادرة والعمل بإخلاص، بغض النظر عن حجم وأهمية العمل.

* ماهرٌ في كل المهام:
وإذا كان الحاج رضا من المجاهدين المعروفين في قريته بكثرة انشغالاته منذ تفرغه في المقاومة في العام 1985، فإن ذلك لم يبعده عن إقامة علاقات اجتماعية متينة مع من حوله، ففي أوقات فراغه القصيرة، كان يساعد من يعيد تأهيل منزله في القرية، فحيناً يصبح دهاناً، وحيناً آخر يصير بنّاءً، أو يساعد أحداً في نقل أثاث بيته، وسعى لتعلّم بعض المهن التي تحتاج إلى احتراف لأن ذلك يساعده في تنفيذ بعض الأمور بنفسه، فتعلم مهنة البلاط، وتربية النحل. في مركز عمله، كان والداً وأخاً وسنداً للمجاهدين وليس مسؤولهم، فاحتار كيف يخفف عنهم، أو كيف يخدمهم، حتى أنه في أثناء وجوده في مهمات جهادية، كان يقوم بأشياء غير مطلوبة منه، مثل أن يحفر خندقاً ويموهه، وعندما يُسأل عن سبب قيامه بذلك يجيب: "أتعبُ أنا ليرتاح مجاهد آخر، فحين يحتاج إليه يجده جاهزاً فيفرح". وفي إحدى المهمات التي احتاجت مسيراً طويلاً، تعب أحد المجاهدين، فحمله الحاج رضا على ظهره لمسافة كيلومترين من دون أن يقبل مساعدة من أحد.

* الخميني قدس سره قدوته:
كان الحاج رضا رجلاً زاهداً في الدنيا، أثاث بيته متواضع وقديم، فلا تهمه المظاهر ولا تغريه، بل جلّ همّه هو أن تكون حياته وحياة عائلته خالصة لله عزَّ وجلَّ. وعلى عكس البعض الذين يسعون لمنصبٍ أو مسؤولية، فإنه بقي في عمله مسؤولاً عن ملفٍّ محدد بالتكليف. اهتم الحاج رضا كثيراً برفع مستواه الثقافي ورفد الإخوة معه بأفضل ما يمكن من العلوم الإسلامية الأصيلة التي تساعد الإنسان في سلوكه إلى الله. وعند ذكر الإمام الخميني العظيم قدس سره كان يردد: "علينا الاقتداء بسلوك الإمام والاستشهاد بأقواله"، وقد رغب كثيراً في تعلّم قراءة مجالس العزاء الحسينية، وكأن نغمات صوته الحزينة تبوح بعشقٍ لا مثيل له للإمام الحسين عليه السلام. حينما بدأت حرب تموز 2006، قرأ الحاج رضا صفحات الحرب المحتملة بسرعة، وأمام بوابات الحرب المفتوحة، وقف الرجل الذي ودّع العشرات من رفاقه شهداء وقد اشتعلت البندقية في يده من جديد.

* بعد الجهاد.. الشهادة:
كان طوال فترة الحرب يجول بين البيوت يتفقد أهلها، ويؤمن للصامدين احتياجاتهم، غير عابئ بالخطر المحدق به. وقد لاحظ رفاقه في الآونة الأخيرة تغيراً ملموساً في تصرفاته وحتى في ملامح وجهه، وباح لهم في الليلة التي استشهد فيها أنه يشعر بدنو أجله، فشذب لحيته، واغتسل غسل الشهادة وكانت تلك إشارات الرحيل التي لم يفقهوا معناها إلا حين زف شهيداً. في تلك الليلة، عاد الحاج رضا إلى منزله، حيث صلى صلاتي المغرب والعشاء، وقد عرضت عليه زوجته تناول الطعام، فرفض، وسرعان ما تلقى اتصالاً جعله يغادر المنزل سريعاً، حيث التقى ببعض الإخوة وتسللوا ببطءٍ إلى مستشفى دار الحكمة. وفي تمام العاشرة والنصف ليلاً، حلقت طائرات حربية إسرائيلية فوق المستشفى، وأنزلت جنوداً صهاينة. عندما رأى الحاج رضا الجنود، تحدث إليهم من بعيد للتأكد من هويتهم، وإذ بجندي يرد عليه باللغة الفارسية، فاكتشفه من لكنته عند لفظه لكلمة "حزب الله"، فسارع إلى اطلاق النار عليه، لتبدأ المواجهة وليلتحق به رفاقه المجاهدون. أصيب الحاج رضا أثناء المواجهة في يده اليمنى ورقبته وصدره، ولم توقفه إصاباته عن الاستمرار في إطلاق الرصاص من سلاحه الذي حمله بيده اليسرى، قبل أن يضطر للانسحاب بسبب النزف الشديد، فلجأ إلى موقف سيارات الأطباء، وقفز من على جدارٍ، ليتخذ من سور منزلٍ محاذٍ دشمةً استهدف من خلفها الجنود، فكشفته طائرة الاستطلاع التي سرعان ما رمت بصاروخٍ أدى إلى استشهاده بعد أن كتب وصيته على جدار المنزل بدمه.  بعد سبعة أشهر على استشهاده، ولدت ابنته فاطمة، وكان قد ترك وصية لأولاده؛ حيدر ومحمد وبتول أن: "لا تخيبوا أملي، أرجو منكم أن تكونوا دائماً على درب الجهاد والاستشهاد، وأن تتعلموا حتى تصلوا إلى هذا الطريق الصعب والذي لا يسلكه إلاّ نبي أو وصي أو مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان، الله والجهاد يعرفان بالعلم، وفي الحديث الشريف: "الله يعرف ويعبد بالعلم" والسلام عليكم".

* من وصيته:
تاريخ كتابة الوصية:

كتبت هذه الوصية في أشرف أرض، وعز وكرامة الأمة من أرض جبل عامل في الجنوب اللبناني في "وادي السلوك"(1) وادي الشهداء، شهداء المقاومة الإسلامية. ثماني عشرة سنة مضت في أيام التفرّغ في العمل الجهادي، وأسأل نفسي متى يكون ذلك اليوم، القرب من الله تعالى؟! وكنا دائماً نفكر هكذا حتى وضح لنا أن الموت هو لأعداء الله والمشركين والمنافقين، وعلينا الانتصار، وتمهيداً لقيام صاحب الأمر عجل الله فرجه، وإلى أن يأذن الله تعالى لكل واحد منا بالاستشهاد بين يدي صاحب الأمر عجل الله فرجه أو قبل ظهوره عجل الله تعالى فرجه بفترة أقول: نحن لسنا مؤهلين لذلك اللقاء الرباني (بتاريخ: 25/6/2006م).


(1) المقصود وادي السلوقي الذي أطلق عليه وادي الشهداء ويقع بين قريتي حولا وشقرا.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع