مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

مناسبة: السيدة سكينة عليها السلام المظلومة مرتين


الشيخ تامر محمد حمزة


* النَسب الشريف
أمير المؤمنين علي عليه السلام جدّها، جدّتها سيدة نساء العالمين عليها السلام. عمّها الحسن الزكي عليه السلام وعمّتها مخدرة علي عليها السلام. إخوتها زين العابدين عليه السلام والطفل الرضيع، وفاطمة ورقية. هي خيرة النساء سكينة بنت الحسين عليها السلام، التي ظُلمت مرَّتين تارة بسيوف بني أمية التي لوّنت بالأحمر طفولتها وأخرى بأقلام آل الزبير التي صوّرت بالسّواد شبابها.

* صرير أقلام

خطّت طائفة من الناس صفحات بأقلام اتُخِذَت من أنياب الثعابين حينما واجهت الحق أو دلَّست في حديثها لتزوير الوقائع، وتشويه الحقائق، وما انفكَّت عن طريقتها تلك منذ أيَّام الرسول صلى الله عليه وآله والأئمةعليهم السلام. ألم يُرمَ الرسول بالكهانة والسحر طوراً وبالجنون والكذب أطواراً أخرى؟ ألم تفاجئ بعضهم شهادة أمير المؤمنين في المسجد حينما قالوا: أعليّ يصلي؟ لذا ليس غريباً أن نسمع أو نقرأ ما نُسب إلى السيدة سكينة عليها السلام، ولكن الغريب هو عدم قدرة بعضهم على التمييز بين فحيح الأفاعي وصرير الأقلام.

* سكينة عليها السلام غرض لسهام آل الزبير
أراد الحاقدون أن يُشوِّهوا المقام الطاهر لبيت علي عليه السلام طمعاً في وفر ملوك الزمان أو حقداً منهم عليه فوجَّهوا سهامهم حتى أصابت معدن العفة والشرف، ومن أولئك مصعب الزبيري في كتاب (نسب قريش) وابن أخيه الزبير بن بكار وابنه ثم أخذ عن هؤلاء الوضاعون الذين جاؤوا من بعدهم والذين يلتقون معهم في الهدف كـ"المبرِّد" وتلميذه "الزجاجي" وتلميذ تلميذه "أبي علي القالي" الأموي الفكرة والعقيدة فسجَّل في أماليه ما تلقَّاه من أستاذه قصداً للحطِّ من كرامة البيت العلوي(1). ثمَّ جاء أبو الفرج الأصبهاني بكتابه الأغاني والذي طعن به وبصاحبه علماء الرجال من الفريقين كالنوبختي(2) وابن حجر(3) وابن الجوزي(4) الذي رماه بكل قبيح ومنكر وابن كثير الحنبلي(5).

* الافتراءات
وهي كثيرة ونحن نقتصر على ذكر أمرين وردّهما:
أولاً: الشعر والشعراء

أورد أبو الفرج اجتماع الشعراء في بيت سكينة للضيافة وأنهم اختصموا عندها في المفاضلة بين جرير والفرزدق وكثير والأحوص وجميل ونصيب(6)، إلى آخره. ونردّ على ذلك بالقول:
أ- إنَّ السيدة سكينة عليها السلام التي شهدت واقعة الطف وهي في الثالثة عشرة من عمرها تختزن في نفسها الغصص والآلام وتحتشد في ذهنها صور من هول الفاجعة فهل أزيلت تلك كلّها لتتفكَّه بالشعر؟
ب- ممَّا لا شك فيه أنَّها تربَّت في بيت، أحد أركانه سيدة كانت تقول: خير للمرأة أن لا ترى أحداً ولا يراها أحد(7). وقد قرأت كلام جدِّها أمير المؤمنين عليه السلام حين يقول "فإنَّ شدَّة الحجاب أبقى عليهن وليس خروجهن بأشدّ من إدخالك من لا يوثق به عليهن وإن استطعت أن لا يعرفن غيرك فافعل ولا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها فإنّ المرأة ريحانة وليست بقهرمانة"(8).
ج- افتراءات أبي الفرج. نقل أبو الفرج عن يونس عن ابن شبه أنَّ إسحاق الموصلي غنىَّ الرشيد بقوله(9):
قالت سكينة والدموع ذوارف       منها على الخدين والجلباب
هذا وقد رواها صاحب أمالي الزجاجي في سعدى بنت عبد الرحمن بن عوف فقال: كانت سعدى بنت عبد الرحمن بن عوف جالسة في البيت الحرام فرأت عمر بن أبي ربيعة يطوف بالبيت فأرسلت إليه: إذا فرغت من طوافك فأتنا، فأتاها.... إلى أن قال لها: أما سمعت ما قلت فيك؟ قالت لا: فأنشدها. قالت: سعيدة(10) والدموع ذوارف... كما رواها الجاحظ في ابنة عبد الملك بن مروان حين حجَّت البيت(11). وقال الشيخ الشنقيطي في شرح أمالي الزجاجي أنَّها واردة في سعدى بنت عبد الرحمن وإنِّما غيّر ذلك المغنون فجعلوا سكينة مكان سعيدة(12). كما أنَّ العلامة الحصري قال: كذب من روى هذا الشعر في سكينة عليها السلام(13).

* الآن حصحص الحق
لقد بان كذبه على أهل بيت النبوة عليه السلام بوقوع التهافت في كتابه بين ما جاء في مجلديه 14 و16 المذكورين وبين ما ذكره حيث قال إنّ المقصود من سكينة في شعر عمر بن أبي ربيعة هي سكينة الزبيريَّة، إذ روى عن رجاله أنَّ سكينة بنت خالد بن مصعب بن الزبير كانت تجتمع مع عمر بن أبي ربيعة ومعهما ابنته، زوجة محمد بن مصعب بن الزبير، وجاريتان تغنيان عندهم. وقد تزوج سكينة الزبيرية بكر بن عثمان بن عفان(14). ويحدّث ابن كثير أن مصعب بن الزبير أولد سكينة، وأمِّها فاطمة بنت عبد الله بن السائب(15). وقد عرفت موقف الزبيريين من بيت علي عليه السلام ولأجل أن يدفعوا التهم عن ابنتهم وعن حالها مع ابن أبي ربيعة ومع الجواري المغنيَّات ولاتِّحاد الاسم مع سكينة عليها السلام ولغير ذلك نسبوا ما فيهم من شائنة إلى العفة والطهارة في بيت الحسين عليه السلام. مع التأكيد على أنَّ ما ذُكر لا يتناسب مع امرأة متديِّنة عفيفة أدركت حرمة الاختلاط فكيف بخيرة النساء؟
ثانياً: الأزواج  ما انفكَّ أبو الفرج عن ذكر السفاسف في كتابه الأغاني إذ يروي عن الزبير بن بكار أنَّ السيدة سكينة تزوَّجت ستة رجال وكان فيهم من لا كفاءة فيه لها ثم تحدَّث عن مصعب الزبيري(16) كلاماً يجمد في القلم المداد لكي لا يخط أضغاثهم وافتراءاتهم.

أ- إنّ كثيراً من النساء لا يتنازلن إلى قبول الأزواج بعد أزواجهن الأولين، وذكر التاريخ المئات من النسوة، ومنها ما جاء عن زوجة "هدبة بن حشرم" لما قدُم زوجها ليقاد منه أخذت مدية وجدعت أنفها حتى لا يكون للرجال طمع فيها(17).

ب- إنَّ سكينة عليها السلام ابنة أمِّها الرباب التي امتنعت عن الزواج بعد الإمام الحسين عليه السلام وقالت: لا أتخذ حماً بعد رسول الله صلى الله عليه وآله(18).

ج- إنَّ علماء النسب والتاريخ يشهدون بأنَّ زوجها هو عبد الله الأكبر ابن الإمام الحسن عليه السلام المجتبى سيد شباب أهل الجنة(19). وفي الخلاصة يمكن التأكيد على أن رواية تعدد الأزواج مضطربة في نفسها وشكك فيها بعض من رواها لا سيما بملاحظة العدد أو شخصية بعض هؤلاء حيث إنهم ليسوا بأكفاء(20) فمنهم من هو عدو للبيت العلوي كمصعب بن الزبير. والجدير ذكره أنَّ الحجاج الثقفي عزل خالد بن يزيد بن معاوية لما خطب رملة بنت الزبير أخت مصعب قائلاً له: كيف خطبت إلى قوم ليسوا بأكفاء(21)؟ فكيف يكون هذا البيت كفوءاً لبيت سكينة عليها السلام؟

د- الأمر الأخير وهو الأساس، إنَّ السيدة سكينة عليها السلام على المستوى الشخصي والروحي هي وجود ملكوتيٌّ صحبت الدنيا بجسدها وقد تجرَّدت عن ملذَّاتها وانقطعت عن حطامها الفاني. وقد غمرها نور التجرد جلابيب من الرزانة والرصانة وجلّلها الانقطاع إلى الله مطارف من الحياء والعفَّة. ويدل عليه ما جاء في الحديث من أنَّ الحسن المثنى ابن الحسن ابن أمير المؤمنينL، أتى عمه أبا عبد الله الحسين عليه السلام يخطب إحدى ابنتيه فاطمة أو سكينة فقال له أبو عبد الله عليه السلام: أختار لك فاطمة فهي أكثر شبهاً بأمي فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله، أما في الدين فتقوم الليل كله وتصوم النهار وفي الجمال تشبه الحور العين، وأما سكينة فغالب عليها الاستغراق مع الله تعالى فلا تصلح لرجل(21). لا يسعنا القول لأولئك الوضاعين والكذابين إلا كما قال تعالى الله تعالى: ﴿فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ(الزخرف: 83).


(1) السيدة سكينة عليها السلام، المقرم، ص57.
(2) تاريخ بغداد، ج11، ص 399.
(3) لسان الميزان، ج4، ص 221.
(4) المنتظم، ج 7، ص 40 حوادث سنة 356.
(5) البداية، ج 11، ص263.
(6) الأغاني، ج14، ص145 و147.
(7) عن السيدة الزهراء عليه السلام "ما من شيء خير للمرأة من أن لا ترى رجلاً ولا يراها"، مستدرك الوسائل، الميرزا النوري، ج14، ص182.
(8) نهج البلاغة، خطب الإمام علي عليه السلام، ج3، ص56.
(9) الأغاني، ج16، ص12.
(10) أمالي الزجاج، ص103.
(11) المحاسن والأضداد، ص212.
(12) شرح الأمالي، ص104.
(13) زهر الآداب، ج1، ص 101.
(14) الأغاني، ج1، ص153.
(15) البداية، ج8، ص322.
(16) نسب قريش، ص59.
(17) السيدة سكينة للمقرم، ص110 عن رسالة المغتالين، ص262.
(18) كامل ابن الأثير، ج4، ص36، تذكرة الخواص، ص150.
(19) السيدة سكينة للمقرم، ص110.
(20) الأغاني، ج16، ص85.
(21) إسعاف الراغبين للصبان بهامش نور الأبصار ص202.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع