مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

شهيد الدفاع عن المقدّسات ذو الفقار مرتضى مرضه

نسرين إدريس قازان



اسم الأمّ: نظاميّة الحاج حسن.
محلّ الولادة وتاريخها:
الهرمل 25/5/1989م.
رقم القيد
: 5.
الوضع الاجتماعي:
متأهل ولديه ثلاثة أولاد.
تاريخ الاستشهاد:
1/8/2013م.


كانت أيّام شهر رمضان المبارك، وقبل أن ينطلق ذو الفقار إلى عمله بليلة واحدة، قال لأمّه في السهرة بعد الإفطار إنّه سيعطيها مالاً ثمن القهوة المُرّة، لتشتريها في اليوم التالي، ثم أضاف: "ولا تُتعبي نفسك في تنظيف الصالون، فقط حضّريه؛ لأنّي سأمكثُ فيه ساعتين، زغردي ورشّي عليّ الورد"، أجابته وقد اعتصر قلبها حزناً: "أتزغردُ أمٌّ فوق جثمان ولدها؟!"، أجابها: "هذا ما أوصيك به".


* سأعود شهيداً
كانت هذه آخر مرة تحدّث فيها ذو الفقار عن الشهادة، ولكن اللّافت أنّه حدّد موعدها، فقد شعر الجميعُ أن رحلته في يوم الغد لا رجوع له بعدها. لم يكن حديث ذو الفقار عن الشهادة بهدف تحضير أهله وزوجته لهذا الخبر، بل كان يتحدّث عن أمر واقع لا محالة، وهم يتوقّعونه دائماً.
في جوار السيّدة زينب عليها السلام، وفي ليلة استشهاد أمير المؤمنين عليه السلام، استشهد ذو الفقار ونال ما أراد.
كانت أمّه منذ الصباح قد هيّأت الصالة وحضّرت القهوة، بصمتٍ وتجلّد، وسط ذهول واستغراب الأبناء والجيران، وبرباطة جأش كانت تنتظرُ خبراً أخبرها به قلبها، فإذا ما لاح طيفُ وفدٍ قادم، وقفت عند الباب، فسألوها عن زوجها، أخبرتهم أنه ليس في المنزل، ثم قالت: "نحن لسنا أفضل من سيدتنا فاطمة وسيدتنا زينب عليهما السلام، نحن اليوم نقاتل فداءً للحسين عليه السلام".
أوَليس هذا ما أراده ابنها منها؟ بلى، فبعد الآن لن يتحسّر ذو الفقار على بقائه في هذه الدنيا الممرّ، وقد سبقه أغلب الرفاق.. هي تعرفه، وتُدرك أنّ ما ستقوم به سيراهُ، ولن تفعل ما يؤذيه.. السيد "ذو الفقار" ابنُ البيئة الملتزمة المجاهدة، المحترم الهادئ والرزين، رحل ولمّا يبلغ الخامسة والعشرين من عمره؛ وقد ملأ أيّامه بالعمل والجهاد.

* انشغل بمراقبة نفسه وتهذيبها
كان ذو الفقار ممّن يزِنُ كلامه، ويقيس تصرّفاته، ويراقبُ نفسه، فانشغل بحاله وتربيتها، وغفل عمّا لا يَعنيه. وهو الذي حمل همَّ والديه كثيراً، فهو منذ صغره سريع الاستجابة لهما، مبادر لمساعدتهما، فإن عاد من المدرسة ورأى والده في الحقل، وضع كتبه وركض ليأخذ منه المعوَل، وإذا ما كانت أمّه تنظّف البيت، ساعدها في ذلك، وقد ظلّ على هذا المنوال حتّى آخر يوم في حياته، فممنوع عليهما التعب، وعند تواجده تكون مسؤوليّة العمل على عاتقه.
وازَنَ ذو الفقار بين العلم والعمل والالتحاق بصفوف التعبئة، ولم يشغله شيء في الدنيا عن هدفه الذي كان يصبو إليه. ولكنّ أكثر ما آذى قلبه، وشغل باله، هو تبدّل حال المجتمع وتفريطُ بعض الناس بالقيم والأخلاقيّات والاستهتار، وهي ما تتسبّب في انهيار المجتمع، لذا كان تعامله الأخلاقي مع الآخرين درساً يستفيد منه القريب والبعيد، وكان قدوة في تعامله مع الآخرين. كان مهذباً لدرجة لافتة، لم يوصِ بشيء كما أوصى بالصلاة أوّل وقتها، وكان يوصي باجتناب الغيبة، والتعامل مع الآخرين باحترامٍ وأدب، واللافت أن كلامه لم يكن للوعظ، بل كان يتعاون مع مَن حوله للقيام بالعبادات.

* أوّل مشاركة جهاديّة
في بداية شبابه، التحق ذو الفقار بصفوف المقاومة الإسلاميّة، وكانت حرب تموز 2006 هي أولى مشاركاته الجهاديّة، حيث لبث وإخوته ووالده في القرية، كلٌّ يحرس في نقطة منفصلة، وكان والدهم في كلّ ليلة يحرس مع واحد منهم.
خضع ذو الفقار للعديد من الدورات العسكريّة، وقد كُلّل عمله بسريّة تامّة مع الجميع، فلم يكن يخبر أحداً بطبيعة عمله أو مكانه. وعلى الرغم من أنّه كان من أوائل الذين التحقوا بحرب الدفاع المقدسة، غير أنّ أحداً لم يشعر بأنّ تلك الغيابات قد تكون في أكثر الأماكن خطراً، وإذا ما كان في المنزل وحصلت مواجهة تحسّر لعدم مشاركته، وغبط أقــــــــدام المجاهدين التي وطئت ساحة المعركة.

* والوصال شهادة
وربما لأنّه كان يُدرك أنّ أيامه في هذه الحياة معدودة، فقد فرح كثيراً بأنّ الله رزقه طفلين، وثالثاً كان جنيناً في بطن زوجته عند استشهاده، فالأحفاد يخفّفون من وطأة رحيل الابن، خصوصاً أنّ ذو الفقار قد سكن بعد زواجه فوق منزل والدَيه؛ لذا كان عندما يعود من العمل، يقضي أغلب وقته في منزل والديه، ليس لبرّه بهما فحسب، بل لأنّه كان يعشقُ الحياة الأسريّة ولا يترك سبيلاً ليزيد من أواصرها، وكيف لا يكون كذلك من لا يقوم بعمل إلّا والمحبّة تكلّلُ تصرفاته؟ فكان يجلسُ متزوّداً من وجوههم وضحكاتهم وأخبارهم، موصياً إيّاهم دوماً، بأسلوب غير مباشر، بالحفاظ على هذه الروابط التي تواجه في أيّامنا كثيراً من التحديات.

في ليلته الأخيرة، كان ذو الفقار مطمئنّ البال، فالإفطارُ في ليلتهم تلك عظيم، لن يكون على فتات الدنيا، بل على مائدة الوصال التي تاقت إليها روحه، فاستشهد مع رفيقه الشهيد محمد مهدي ياغي... وكان آخر ما قاله "إنه عَطِش جدّاً" فما لبث أن سُقيَ من ماءٍ لا ظمأ بعده أبداً.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع