سماحة السيّد حسن نصر الله (حفظه الله)
تحدّث سماحة السيّد حسن نصر الله (حفظه الله)، في العدد
السابق، عن الظهور وبعض الشبهات حول مولد الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه
الشريف والعلامات السابقة لظهوره الشريف. وفي هذا العدد تتمّة الخطاب، الذي يعرض
بعض التوجيهات الخاصّة بالشباب، في هذا العصر.
* اليهود أكثر مَن يعوّل على أنباء المستقبل
نتيجة لعدد الروايات الكثيرة عند المسلمين، التي تُخبر عن المستقبل والظهور، من
الطبيعيّ أن تكون مورد اهتمامهم بمعزل عن التفاصيل التي يختلفون فيها. ولكنّ أكثر
مَن يعوّل على أنباء المستقبل هم اليهود؛ ويرجع ذلك إلى عاملَين أساسيَّين: الأول:
كثرة الأنبياء المبعوثين لهدايتهم، والثاني: كثرة ووَفرة الروايات الحاكية عن آخر
الزمان. فقد أخبرهم أنبياؤهم عن أحداث كثيرة، وما الذي سيحصل. واليهود لديهم مراكز
دراسات تبحث في الأنباء الموجودة في كتبهم، ثمّ يحرّفون الكلم عن موضعه، ويتمرّدون
على الله، هذه هي قصّتهم من البداية.
* خطورة الجدولة الزمنيّة للعلامات
ذكرنا سابقاً، أنّه قد بُذل جهد طوال التاريخ لدفع الناس إلى أن ييأسوا من الظهور
المبارك، ثمّ بالتالي الشكّ في قضية الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف.
ومن مظاهر هذا العمل، تطبيق العلامات بطريقة خاطئة، على الرغم من أنّ أئمّتنا عليهم
السلام قد تحدّثوا عن علامات الظهور بوضوح، وذكروا ثلاث شخصيّات مهمّة في عصر
الظهور: السفياني، اليماني، الخراساني... ومن النقاط التي يجب أن تكون واضحة في
ثقافتنا، وقد بذل العلماء جهوداً لمعالجتها، وقد ذكرت في الكتب: مشكلة ترتيب جدولٍ
زمنيٍّ يحاكي علامات الظهور.
مثلاً، أن يُقال: إنّ حركة الظهور ومقدّماته تبدأ في شهر رجب، فـ"يجب" أنْ يظهر في
هذا الشهر السفياني، واليماني، والخراساني، وفي شهر رمضان المبارك تحدُث الصيحة،
وهي أهمّ العلامات.
طبعاً هناك مَن أوّل الصيحةَ بأنّها الإخبار السريع عبر الإنترنت ووسائل التواصل،
لكنّ هذا الكلام خالٍ من الصحّة. فأصل المطلوب من جبرائيل عليه السلام هو إقامة
الحجّة والإعجاز الغيبيّ، الذي سيحدث عند ظهور الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف
لإثبات أحقيّته. أمّا في العلامات التي يضعها الناس ضمن جداول زمنيّة، فهذا خاضعٌ
لقوله تعالى: ﴿يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ
وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ﴾ (الرعد: 39). أمّا أصل بعض العلامات
فحتميّ: السفياني، الصيحة؛ لذلك يقول بعض المحقّقين: إنّ هذه العلامات قد تتحقّق
جميعها بفارق ساعاتٍ فقط، وليست خاضعةً لأيّ جدولٍ زمنيّ، بحيث يخرج السفيانيّ
واليمانيّ والخراسانيّ، وتحدث صيحة جبرائيل، وتُقتل النفس الزكيّة بسرعة، فلا يوجد
أيّ مانع، فإذا تعلّقت مشيئته تعالى بظهور الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف، تحدث
العلامات بصورةٍ فوريّةٍ. يقول السيّد القائد دام ظله: "إنّ عواطفنا ومشاعرنا تنتظر خروج
الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف في كلّ يوم، وفي كلّ ليلة، وفي كلّ
ساعة، وفي كلّ لحظة". يجب أن تكون ثقافة الانتظار قويةً إلى هذه الدرجة.
* العودة إلى العلماء المحقّقين في علامات الظهور
في ما يتعلّق بالعلامات وتوقيتها، نحتاج إلى دقّةٍ ومواجهة، وأن تُؤخذ الأقوال عن
علماء متخصّصين بهذا النوع من التحقيقات. فهناك روايات لها سند، أو ليس لها سند،
يُبنى عليها خريطة وتوّقعات. يجب عدم الاعتماد على الروايات التي لا سند لها. لذا،
أؤكّد على عدم التسامح والتساهل في هذا الموضوع، وعدم ترتيب أيّ أثر على أيّ رواية
بمعزل عن دراستها.
* تكريس علاقة الأجيال بالإمام عجل الله تعالى فرجه
الشريف
عندما نقوّي علاقة الفتى والفتاة وجدانيّاً بالإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه
الشريف، في كلّ التفاصيل، حتّى من خلال اللّباس أيضاً فنحن نؤسّس بذلك جيشاً للإمام
المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف، في ثقافتنا الداخليّة. وهذه أكبر حرب نفسيّة
على الإسرائيليّ، عندما نقول إنّهم جزءٌ من جيش الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه
الشريف، الأمر الذي يشكّل رعباً لهم، نحن نؤسّس جيش الإمام المهدي عجل الله تعالى
فرجه الشريف من الآن حقيقةً، والمسألة مسألة وقت.
في لبنان توجد إنجازاتٌ في هذا الصدد يجب تعزيزها، فإذا راجعنا سجلات الأحوال
الشخصيّة في السبعينيات والثمانينيات لمعرفة عدد الأشخاص الذين يحملون اسم "مهدي"،
ومقارنتها بعددهم بعد انتصار الثورة الإسلاميّة، في التسعينيات وحتّى 2017م، كم
سيكون الفارق؟ هذا إنجاز، يجب أن نصل إلى وقت ينتشر اسم "مهدي" في كلّ بيت، أو
عائلة. هذا جزءٌ من خطّة الأئمّة عليهم السلام عبر التاريخ، وجزءٌ منها ثقافةٌ
ووجدان.
* الجمهورية الإسلاميّة تمهّد للإمام عجل الله تعالى فرجه
الشريف
من الأمور التي لها صلة بالظهور؛ الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران. توجد روايات عدّة
قطعيّة الصدور عن المعصوم حول التمهيد للإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف من إيران،
وأنّ الفُرس يساعدون في هذا المجال. ومن الروايات أنّه قبيل ظهور الإمام عجل الله
تعالى فرجه الشريف هناك من يوطّئ له الأرض في خراسان ويحضّر له قوّة، يُعتمد عليها
في الشرق. هذا محسوم والذي يريد أن ينفيه يقول: هل يمكن أن يكون ذلك في هذا الزمن
أو بعد عشرين سنة؟ يكفي الاحتمال أنّ يكون في هذا الزمن.
لذلك فإنّ العالم بأجمعه يُقاتل هذه الدولة، وأمريكا وإسرائيل تحاربان إيران
القويّة، المقتدرة، والحزب اللهيّة، التي تتحمّل المسؤوليّة تجاه المظلومين
والمستضعفين. لذلك هناك جهدٌ وتخطيط لقطع أيّ صلةٍ لأيّ شخصٍ في العالم مع إيران،
وتقبيح العلاقة معها. في المقابل يجب أن نعلم، بمعزل عن التطبيق، أنّ أعظم حادثة
ممهّدة لظهور الإمام في التاريخ منذ بدء الغيبة إلى اليوم، هي انتصار ووجود هذه
الثورة المقدّسة في إيران، لذلك يجب أن ندافع عنها ونحميها، وهذا جزءٌ من المعركة
الكبرى.
* وجه من وجوه الانتظار
من النقاط المهمّة في الثقافة المهدويّة وثقافة الانتظار مسألة المقاومة في لبنان،
التي يجب الحفاظ عليها، وتنميتها، ويجب تعليم هذه الثقافة. في هذا اليوم من العام
2017م، سنحتفل بعد أيام عدّة بذكرى 25 أيار 2000م. يوجد شباب وفتيات بعمر 17 عاماً،
لا يعلمون ما هو 25 أيار 2000م، وبالتالي لا يعرفون ما الذي حصل قبل عام 2000م،
وكذلك بعد فترة سيكون لدينا شباب لا يعرفون حرب تموز 2006م؛ أي بعد أعوام عدّة
سيصبح لدينا جيلٌ كاملٌ لا يدري شيئاً ممّا حصل في تلك الفترة. إنّنا معنيّون بهذه
الشريحة. يجب أن يُكتب تاريخ هذه المقاومة وإنجازاتها على طريقة القصّة، وبطريقةٍ
تناسب هذه الأعمار لتدخل إلى وجدانهم؛ وأن تكون جزءاً من النشاط التعليميّ التربويّ
لمدارسنا.
* أهميّة المشاركة في مشروع "الأربعون صباحاً"
في موضوع "الأربعون صباحاً"، أشيد بهذا المشروع، وأؤكّد على أهميّته العالية؛ لأنّه
يبني روحيّة، وتديّناً، وصفاءً، وعلاقةً مميّزةً مع صاحب العصر والزمان عجل الله
تعالى فرجه الشريف. إنّ المشاركة في مشروع "الأربعون صباحاً" يماثل في أهميته
المشاركة في المرابطة في إحدى النقاط في المحاور والجبهات.
أخيراً، أؤكّد على أهميّة الثقافة والتديّن والعمل على الموضوع الديني، فإنّ تديّن
شبابنا وفتياتنا هو الحفاظ على دنيانا وآخرتنا، والتديّن هو الثقافة الحقيقيّة.
(*) تتمّة خطاب سماحته (حفظه الله)، بتاريخ 19/5/2017م.