على أذان الفجر قام يصلي صلاة الوداع وتتمتم شفتاه ترانيم الشهادة
وتدمع عيناه حزناً لجرح الحسين وفرحاً لبسمة المنتظر
قلبه العاشق شوقاً يعتصر، ما عاد بعد اليوم يصطبر
وقد سمع علياً ينادي من رائح إلى الله
فقام يلبس لامة حربه
يسن حد سيفه
ويمتطي جواده ويمضي مسرعاً ليصل إلى الموعد
ويترجل الفارس على صخرة المعراج
ومن هناك يعرج علي إلى الله...
نعم هكذا كان يردد مع
الإمام "الشهادة كمال الإنسان".
عبارة تختصر كل حديث عن عظمة الشهيد ومزاياه، فأن يصل الإنسان إلى كماله ليس بالأمر
العادي، فطريق الشهادة الجهاد. والجهاد باب من أبواب الجنة فتحة الله لخاصة أوليائه،
والشهيد علي من هؤلاء الخاصة الذين وصلوا إلى كمالهم اللائق بهم فرحين بما آتاهم
الله من فضله رضي الله عنهم ورضوا عنه.
ولد الشهيد السعيد علي محمود ناصر الدين عام 1970 في مدينة الهرمل بلدة المنصورة،
ونشأ في عائلة متواضعة، عاشقاً للعلم متلهفاً للإيمان فلم تمنعه بيئته المظلمة أن
يستفيد من بركات الثورة المباركة، وأن يستلهم منها معاني التضحية والفداء. فلم يخش
في الله لومة لائم وسلك طريق الهدى رغم قلة أهله.
ولم تثنه متابعة الدراسة عن الانتساب إلى صفوف المقاومة الإسلامية. لقد بدأ الشهيد
حياته الجهادية من خلال مواظبته على حضور الجلسات الثقافية في المسجد الذي أصبح
جزءاً من حياته حيث كان يقضي فيه معظم أوقات فراغه بالصلاة والدعاء وتلاوة
القرآن،وكان من أول من أحيا ليال القدر في مسجد البلدة يجمع حوله فتية وشباب البلدة،
وعُرف الشهيد بالخلق الرفيع والسيرة الحسنة، وحمله إيمانه على التفكير بالمقاومة
وبالشهداء الذين سبقوه.
فالتحق بدورات عسكرية
عديدة ليكون مؤهلاً للالتحاق بصفوف المقاومة والمجاهدين على المحاور التي وحدها
عرفته مجاهداً مقاوماً، بطلاً من أبطالها الذين لا يعرفهم أحد سوى تلك الأرض
ومجاهديها حيث تربوا على الكتمان والإخلاص لله وحده، حتى أنه أصيب إحدى المرات،
ولكن أحداً من أهله وأصحابه لم يعرف السبب، فكان الجندي المجهول بالنسبة لكثير من
أصحابه وأصدقائه حتى استشهد.
وراح ينتقل من موقع إلى آخر بين الجنوب والبقاع الغربي مقاوماً أشد أعداء الله،
مدافعاً عن ثغور الإسلام. ملتزماً خط ولاية الفقيه معلناً ولاءه للإمام الخميني
العظيم قدس سره.
شارك في العديد من المهمات العسكرية من رصد واستطلاع ومواجهات وعمليات ومهمات صعبة
كان له شرف المشاركة فيها. وقد اتّسم بالشجاعة الحيدرية وسمى نفسه "أبو حيدر" تيمناً
بأمير المؤمنين عليه السلام ولم يترك خلال هذه الفترة الدراسة حيث أنهى
دراسته الثانوي إلى جانب تفرغه على محاور المقاومة. دفعه شوقه وحبه للاستزادة من
القدرات العسكرية على الالتحاق بدورة عسكرية عالية المستوى، ولكن الأجل وافاه حيث
كان متوجهاً للقيام بما عليه من واجب شرعي فاستشهد مع إخوة له في 8 تشرين الثاني
عام 1991م.
فهنيئاً لك أيها الشهيد عرس الشهادة وسلام عليك وعلى إخوتك الشهداء يوم ولدتم ويوم
استشهدتم ويوم تبعثون أحياء.
* من وصية الشهيد:
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿ إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم
بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ
وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ
وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي
بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيم﴾ُ
صدق الله العلي العظيم.
السلام على أشرف الخلق وسيد المرسلين سيدنا ونبينا محمد وعلى آله الطيبين
الطاهرين.
إخوتي في المقاومة الإسلامية، كونوا عباداً حقيقيين لله تعالى. ولا تركنوا للمصائب
وهموم الدنيا فإنها امتحان لا يمر به إلا من أحب سبحانه وتعالى. لا تبخلوا بدمائكم
وأرواحكم في طريق فتحه الله لخاصة أوليائه وهو أقصر الطرق إليه.
دماء الشهداء لا تنسوها
عليكم أن تحفظوها ببذل النفوس الغالية لتبقى الصوت الذي نسمعه دائماً من داخلنا،
قوموا من أجل رفع راية لا إله إلا الله ومن أجل أن تبقى كلمة الله هي العليا وكلمة
الذين كفروا هي السفلى. كما أرجو أن تبقوا على العهد محافظين وعلى درب الحسين
سائرين وفي خط الولاية لإمامنا الخميني وأرجو منكم المسامحة فرداً فرداً.
إلى أغلى ما عندي في هذه الدنيا إلى من جاهد لتربيتي وقدم ما عنده من عواطف لفرحتي
في دنياي، إلى الحبيبين الغاليين على قلبي إلى والدي ووالدتي أتقدم إليهما
بالمسامحة عما صدر مني لمعصيتهم في بعض الأمور. أوصيك والدي بالتقرب إلى الله
سبحانه وأن تشجع إخوتي على الإيمان والالتزام وتربيتهم تربية صالحة وأن تعطف عليهم
بمعاملتك.
والدتي الحبيبة، آتيك معتذراً نادماً لما كنت غافلاً عن أعمالي نحوك وأن تسامحيني
وتدعي لي في الليل والنهار لشفاعتي عند الله وإدخالي جنانه الواسعة وأن تفرضي على
أخواتي الحجاب لأنه زينة المرأة المسلمة. وأن تصبري يوم فجيعتي كما صبرت سيدتنا
الزهراء عليه السلام وزينب الكبرى في مصاب أهل البيت عليهم السلام
في كربلاء.
أهلي وإخوتي جميعاً وكل من يعرفني أرجو منكم المسامحة.
والسلام عليكم ورحمة
الله
علي محمود ناصر الدين
"أبو حيدر"