مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

قضايا معاصرة: "مُلك سليمان" من السيرة إلى السينما


وئام أحمد(*)


لطالما مررنا بقصّة النبيّ سليمان عليه السلام، عند تلاوتنا لآيات القرآن الكريم، فأُعجبنا بالمعجزات التي خصّه الباري بها، كما بقصّته مع الهدهد والملكة بلقيس، أو في حديثه مع النملة، ولكن هل تنتهي الحكاية هنا؟ إنّ أكثر ما يمّيز السينما كفنّ، عن غيرها من سائر الفنون، أنّها ترسم التاريخ من خلال المشاهد البصرية، فعندما يكون هذا التاريخ متأصّلاً في عقيدتنا وإيماننا بالله، سيكون لهذه السينما دور آخر، ولذّة فريدة.


* السينما وترسيخ النموذج
لن نخوض غمار الحديث حول السينما الدينية وأهميّتها؛ لأنّ هذا المفهوم ما يزال حديث النشأة، فحتّى الآن لم يميّز النقّاد والسينمائيّون بين السينما التاريخية والدينية، ولكنّنا سنحاول من خلال تناول تجربة فيلم "ملك سليمان"، أن نلقي الضوء على بعض جوانب الفيلم لنوضح من خلالها الإطار العام لأيّ فيلم دينيّ. يميل الإنسان، بلحاظ وجوده وفطرته، إلى الأنموذج والمثال الذي يقتدي به في حياته، حتّى ولو في بعض جوانبها، ينظر إلى كمال هذه الأسوة، وإلى الصفات التي يطمح من خلالها للتماهي معها. وقد حرص الغرب كثيراً على تقديم هذه الخدمة لمجتمعنا من خلال نماذجه المتعدّدة التي كان يسوّق لها في عقولنا، فرأينا البطل الخارق، والمحقّق الذكيّ، والقائد الفذّ، لكن على ماذا بُنيت هذه النماذج؟ ما هي صفاتها؟ هل تشبه عقيدتنا وتتوافق معها؟

* قصّة سليمان عليه السلام: مفاهيم أصيلة
عندما تساءلنا حول سبب اختيار شخصيّة النبيّ سليمان لتجسيدها في فيلم، كان الجواب أنّ تراثنا الدينيّ والفكريّ مليء بالنماذج الأصيلة، التي يجب إظهارها، وتقديمها لمجتمعنا، ووجدنا أنّ قصّة النبيّ سليمان عليه السلام تُحاكي مفاهيم أصيلة عدّة:
1- ترسيخ ضرورة التأسّي بالأنبياء عليهم السلام والاقتداء بهم في مجتمعنا.

2- استجابة لتأكيد من سماحة القائد الخامنئيّ دام ظله على إنتاج أعمال ترتبط بأنبياء بني إسرائيل من ناحية استخلاص العبر والدروس الدينيّة، ويُعتبر النبيّ سليمان عليه السلام من أبرز أنبياء بني إسرائيل.

3- تقوية أُسس الحكومات الإسلامية؛ حيث إنّ النبيّ سليمان عليه السلام يُعتبر من الأنبياء القلّة الذين حكموا ممالك باسم الله سبحانه.

4- تُعتبر معركة النبيّ سليمان عليه السلام مع الجنّ، مصداقاً للجبهة الحقيقية بين الحقّ والباطل.

5- تجسيد المفاهيم الدينية هو من معجزات الأنبياء وتجلٍّ لعلومهم.

6- تُساهم في تكوين نظام جامع في التربية.

7- تقديم تجربة إدارة حقيقية للأزمة وكيفيّة التعامل معها.

8- التعرّف الفعلي على الجنّ والشيطان والمكائد التي يمكن أن يحيكها للبشر.

9- قصّة النبي سليمان عليه السلام هي موضوع أساس ورد في مختلف الأديان.

* التوثيق علميّ وهادف
إنّ أكثر ما يميّز فيلم "ملك سليمان"، عن غيره من الأفلام ذات الطابع الدينيّ، أنّ طريقة إنتاجه من ألفها حتّى يائها، قد رُسمت بشكل محترف. كما إنّ هذه التجربة الفريدة قد تمّ توثيقها بشكل علميّ هادف، يصلح ليكون مرجعاً أساسياً لأيّ باحث في مجال السينما الدينية عامّة، وفي ما يتعلق بمعالجة القصص القرآنية بشكل خاصّ.

من أجل دقّة تقديم صورة النبيّ سليمان عليه السلام وتجاوز كلّ هذه المشكلات، تمّ تشكيل خمس مجموعات بحثيّة، كلّ مجموعة تناولت بُعداً مختلفاً يتكامل مع المواضيع الأخرى، وقامت بالعمل عليه من خلال الأُسس القرآنية، الروائية، التاريخية، السياسية، الاجتماعية، كما قامت ببحث عالميّ في المسائل الفنية والبحثية المختلفة.

* إطار العمل: قرآنيّ
بداية العمل كانت في الاطّلاع على الروايات كافّة المتعلّقة بقصّة النبيّ سليمان عليه السلام التاريخية منها والدّينية، كما نظرة العهدين القديم والجديد إليه، ومن ثمّ تمَّ الانتقال إلى حسم الخلافات الموجودة بينها. وقد ارتكز العمل منذ البداية على النظرة القرآنية، وعلى الفهم العميق والواضح للآيات الشريفة، كما تمّت مباحثة ذلك مع مجموعات أخرى حتّى جرى تشخيص تخيّلات ونظرات المخرجين والفنّانين لتلك الشخصية.

في النهاية، تمّ تقديم هذه المادة البحثيّة لكتّاب سيناريو متديّنين، من أجل سبك السيناريو ضمن المحافظة على الإطار القرآنيّ بأسلوب دراميّ سينمائيّ، يراعي الشروط الفنية.

* التوفيق الإلهيّ
يقول مخرج (ملك سليمان) "شهريار بحراني": إنّ اختيار الممثل "أمين زندكاني" كان توفيقاً إلهيّاً، وقد استحقّ الدور؛ لتمتّعه بمجموعة من الصفات الأخلاقية، فضلًا عن قدرته التمثيلية التي عبّرت عن مقدرة فنّية كبيرة، فهو يتمتّع أيضاً بصفات روحية ساعدته على الاندماج مع الشخصية التي قدّمها، كما إنّ تاريخه الفنّي لا شائبة فيه تجعل ذهن المشاهد مشوّشاً بسبب قيام الممثل بأدوار عدّة ما بين جيّد وفاسد، ويجعل ذلك المشاهد في حيرة من شخصيّته الحقيقية.

ويُعتبر المخرجون الإيرانيّون من القلائل الذين نجحوا في وضع الماورائيّات في قالب مادّيّ ملموس، أو على الأقلّ قابل للإدراك بالعين مع الإحساس به.

* الجنّ والشياطين في الفيلم
لا نغفل هنا عن أنّ العامل الأساس في نجاح هذه العملية في فيلم "ملك سليمان" هو مقدرة الفنّان على نقل الصفات -التي وردت في القرآن- المتعلقة بالجن والشياطين إلى المشاهد، دون الاعتماد على التضخيم والغوص كثيراً في الخيال، فشخصيّة الجنّ والشياطين في "ملك سليمان" كانت ترتكز بشكل أساس على وصف هذا الكائن الدخانيّ، ليحاكي ما هو موجود في أذهان الناس من مخلوقات لم تُرَ بالعين المجرّدة، وحيكت حولها الأساطير الكثيرة، مع أنّها ذُكرت في القرآن الكريم في مواضع كثيرة. وعندما دخلت إلى كادر الفيلم ورآها الناس على الشاشة، خُيّل للمشاهد أنّ هذه المخلوقات حقيقية وأنّها قد تخرج من الشاشة في أيّ لحظة، ويعود ذلك كما يعبر الدكتور "قديريان" (صانع شخصيات الفيلم فنياً) للمؤثّرات الصوتية التي عمل على تنفيذها أكثر من مئة عازف وعازفة من الصين، والتي أبدعت في التأثير على العامل النفسيّ للمشاهد، ونقلته إلى ذلك العالم الخياليّ الواقعيّ.

* مسار جديد في السينما الدينيّة
يمكن القول إنّ الجزء الأول من قصّة النبيّ سليمان عليه السلام قد أسّس لمسار حقيقيّ في السينما الدينية، ونتمنّى أن تُستكمل الأجزاء الباقية ( الجزء الثاني قد أنجز نَصُّه)، لأنّ الإساءة والتوهين اللذين تعتمد عليهما سينما هوليوود في تقديمها لصورة أنبيائنا العظام عليهم السلام لا يُسكت عنهما، خاصّة مع آخر أفلامها: "نوح" و"مملكة موسى".
المسؤولية هنا كبيرة جداً؛ لأن الفيلم الدينيّ ليس معداً للترف، وإنّ تناول الأمور الدينية يحتّم مسؤولية شرعية، قد تكون صدقة جارية أو عبئاً حتى يوم القيامة.

"..أنتم غرباء؛ لأنّكم أصيلون..
يجب أن تَثبتوا في خط المقاومة..
الحمد لله أنّكم على هذا الدرب..
في السابق، كان هناك بعض الأشخاص في هذا المسير، منهم من تألّق، ولكنّه لم يستطع البقاء...
.. انضمّ كثر، ولكنّهم ما لبثوا أن انفصلوا عنه...
أنتم قلّة، يجب أنْ تبقوا، أنْ تستقيموا ولا تتعبوا من هذه المسيرة..."
(1).


(*) باحث في مجال الدراما الدينية.
1.من كلام للسيد القائد الخامنئي دام ظله خلال لقائه فريق فيلم ملك سليمان.

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع