مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

في رحاب بقية الله: بناء الذات سبيل المنتظرين

آية الله الشيخ ناصر مكارم الشيرازي دام ظله


كان الكلام في البحث السابق أنّ الاعتقاد بظهور الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف لم يكن ممّا طرأ على التعاليم الإسلاميّة، بل هو من أكثر المباحث القطعيّة المأخوذة عن مؤسّس دعائم الإسلام صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله، والمتّفق عليه لدى عموم الفرق الإسلاميّة. والأحاديث في هذا الشأن متواترة أيضاً.

*الانتظار وآثاره البناءة
ولنقف على آثار الانتظار في المجتمعات الإسلامية وما هي عليه من أحوال، لنرى هل أنّ الإيمان بظهور الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف يجعل الإنسان غارقاً في الوهم والخيال، فيستسلم لجميع الظروف، أو هو نوع من الدعوة إلى النهوض وبناء الإنسان والمجتمع.

هل يدعو الانتظار إلى التحرّك، أم إلى الركود؟ هل يبعث في الإنسان روح المسؤوليّة، أم هو مدعاة للفرار منها؟ وأخيراً: أهو مخدّر للشعوب أم موقظ لها؟

إلّا أنّه قبل أن نجيب عن هذه الأسئلة، لا بدّ من الالتفات إلى أنّ أسمى المفاهيم وأكرم الدساتير متى ما وقعت في أيدي أناس جهلة أو غير جديرين بها، فمن الممكن أن تُمسخ بسوء استفادتهم، فتكون النتيجة مخالفة للهدف الأصليّ تماماً. ومثل هذا واقعٌ بكثرة في مسألة انتظار المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف أيضاً.

ومن أجل تحاشي الأخطاء والاشتباهات في مثل هذه المباحث، ينبغي -كما قيل- أن ننْهل الماء من معينه العذب، لئلّا نجد فيه كدر الأنهار أو السواقي المشوبة. أقصد أن نراجع النصوص الإسلاميّة الأصيلة مباشرةً وأن نفهم الانتظار من الروايات المختلفة، حتى نطّلع على الهدف الأصليّ منها!

*الروايات الشريفة
1- سأل بعضهم الإمام الصادق عليه السلام: ما تقول في رجل موالٍ للأئمّة عليهم السلام وينتظر ظهور حكومة الحقّ، ثمّ يموت وهو على هذه الحال؟!
فقال الإمام الصادق عليه السلام: "هو بمنزلة من كان مع القائم في فسطاطه. ثم سكت هنيئة، ثم قال: هو كمن كان مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم"(1).
وهذا المضمون نفسه ورد في روايات متعدّدة وبتعابير مختلفة.

كما ورد في روايات أخرى أنّ انتظار مثل هذه الحكومة الحقّة من أفضل العبادات. وهذا المضمون ورد في بعض أحاديث النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وكلام الإمام أمير المؤمنين عليّ عليه السلام. عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "أفضل أعمال أمّتي انتظار فرج الله عز وجل"(2).

وعنه صلى الله عليه وآله وسلم في حديث آخر: "أفضل العبادة انتظار الفرج"(3).

وهذان الحديثان يشيران إلى انتظار الفرج، سواء بمفهومه الواسع العام أو بمفهومه الخاص؛ أي انتظار ظهور المصلح.

ومثل هذه التعابير تعني أن "الانتظار" معناه: الثورة المقرونة بالتهيّؤ للجهاد، فلا بدّ أن نتصوّر هذا المعنى لنفهم المراد من الانتظار، ثمّ نحصل على النتيجة المتوخاة.

*مفهوم الانتظار!

الانتظار يُطلق عادة على من يكون في حالة غير مريحة وهو يسعى لإيجاد وضع أحسن. فمثلاً المريض ينتظر الشفاء من سقمه، أو الأب ينتظر عودة ولده من السفر، فهما؛ أي المريض والأب مشفقان، هذا من مرضه وذاك من غياب ولده، فينتظران الحال الأحسن ويسعيان من أجل ذلك بما في وسعهما. وكذلك -مثلاً- حال التاجر الذي يعاني من الأزمة السوقية وينتظر النشاط الاقتصاديّ. فهاتان الحالتان؛ أي الإحساس بالأزمة، والسعي نحو الأحسن هما من الانتظار.

بناء على ذلك، فإنّ مسألة انتظار حكومة الحقّ والعدل؛ أي حكومة "المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف" وظهور المصلح العالميّ، مركّبة في الواقع من عنصرين: عنصر نفي، وعنصر إثبات. النفي: هو الإحساس بغرابة الوضع الذي يعانيه المنتظر، والإثبات: هو طلب الحال الأحسن. وإذا قدّر لهذين العنصرين أن يحلّا في روح الإنسان فإنّهما يكونان مدعاة لنوعين من الأعمال، هما:
1- ترك كلّ شكل من أشكال التعاون مع أسباب الظلم والفساد، بل عليه أن يقاومها.

2- بناء الشخصيّة وتهيئة الاستعدادات الجسميّة والروحيّة والماديّة والمعنويّة لظهور تلك الحكومة العالميّة الإنسانيّة، من جهة أخرى.

وهذان النوعان من الأعمال هما سبب في اليقظة والوعي والبناء الذاتيّ. ومع الالتفات إلى مفهوم الانتظار الأصيل، ندرك بصورة جيدة معنى الروايات الواردة في ثواب المنتظرين وعاقبة أمرهم.

*الانتظار يعنى الاستعداد الكامل
إنّ ميزان التضحية ومعيارها ليسا في درجة واحدة. إذا أردنا أن نزن تضحية المجاهدين في سبيل الله ودرجاتهم وآثار تضحياتهم، فكذلك الانتظار وبناء الشخصيّة والاستعداد، كل ذلك ليس في درجة واحدة، وإنْ كان كلّ واحد من هذه "العناوين" من حيث المقدمات والنتائج هو جهاد واستعداد وتهيّؤ لبناء الذات. فمن هو تحت خيمة القائد وفي فسطاطه يعني أنّه مستقرّ في مركز القيادة، وعند آمريّة الحكومة الإسلاميّة! فلا يمكن أن يكون إنساناً غافلاً جاهلاً، فذلك المكان ليس لأيّ إنسان وإنّما هو مكان من يستحقّه بجدارة!

كذلك الأمر عندما يقاتل المرء بين يدي القائد، أعداء حكومة العدل والصلاح، فعليه أن يكون مستعداً بشكل كامل روحيّاً وفكريّاً وعسكريّاً.

ولمزيد من التعرف إلى الآثار الواقعية لانتظار ظهور المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف لاحظوا التوضيح الآتي:
إذا كنتُ، والعياذ بالله، ظالماً مجرماً، فكيف يتسنّى لي أن أنتظر من سيحارب الظالمين؟! وإذا كنتُ ملوثاً غير نقيّ فكيف أنتظر ثورةً يحرق شررها الملوثين؟! الجيش الذي ينتظر الجهاد الكبير يقوم قائده برفع معنويّات جنوده ويُلهمهم روح الثورة، ويُصلح نقاط الضَّعف فيهم إنْ وجدت، لأنّ كيفيّة الانتظار تتناسب دائماً والهدف الذي نحن في انتظاره:
1- انتظار قدوم أحد المسافرين من سفره.
2- انتظار عودة حبيب عزيز جداً.
3- انتظار حلول فصل اقتطاف الثمار وجني المحاصيل.

كلّ نوع من الانتظار مقرون بنوع من الاستعداد... والآن سنتصوّر كيف يكون انتظار ظهور مصلح عالميّ كبير، وكيف نكون في انتظار ثورة وتغيير، وتحوّل واسع لم يشهد تأريخ الإنسانيّة مثيلاً له.

إنّها الثورة التي ليست كسائر الثورات السابقة، إذ هي غير محدودة بمنطقة ما، بل هي عامّة وللجميع، وتشمل جميع شؤون الحياة والناس، فهي ثورة سياسيّة، ثقافيّة، اقتصاديّة وأخلاقيّة. وللحديث تتمّة.


1- بحار الأنوار، المجلسي، ج52، ص125.
2- الوافي، الكاشاني، ج2، ص441.
3- كمال الدين وتمام النعمة، الصدوق، ص287.

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع