نهى عبد الله
"لتكن المنارة مضيئة بمساحة أكبر، على أساساتها أن تكون أعلى".
لمَ عساه يودِع ابنه الصغير في هذا الوادي المقفر؟ سيموت جوعاً وظمأً، كيف ترضى تلك الأمّ بذلك؟! لم يبالِ إبراهيم عليه السلام بالمشقّة والتعب ولوم اللائمين، فلديه مهمّة خاصّة تسابق الزمن: "الرسالة النهائيّة المُثلى منارةٌ، تحتاج إلى أساسٍ خاصٍ من الآن".
وضَع حجراً فوق حجر وبنى بيتاً لله، ووضع مناسكه، فمنه سيغدو هذا الوادي حديث الناس ومحطّ اهتمامهم وأساس ترحالهم.. كلّ ما سيحدث فيه، يسهل أن ينتشر بسرعة، شاء الناس أم أبَوا.
بعد قرون، ضجّ الوادي بالناس فعلاً، وبات مقصدهم إن كانوا حجاجاً، موحدين أو مشركين، أو تُجاراً من اليمن أو الشام، يتوافدون إليه في رحلتي الشتاء والصيف، أو شعراء يتسابقون لتذكرهم المعلّقات على جدار البيت العتيق كل خميس... أصبح الوادي الخبر العاجل وحديث الجزيرة وأطرافها، أصبح قلباً نابضاً بالحياة ومجتمعاً كبيراً للناس.. كم يصعب أن يمرّ به حدثٌ صغير ولا يثير ضجة!
رغم كثرة الأشواك حوله، ما زال ذلك البيت لله، وأصبح مشرفاً على مساحة كبيرة... تكفي لكي لا توأد "الرسالة النهائية"...
حينها جاء الخاتَم، ومن ذلك الوادي سطع نور رسالته المُثلى في كل الأرض، نورٌ يكفي ليشقّ قصور الطواغيت، آذناً لهم برحيل زمانهم... ومع محمد صلى الله عليه وآله وسلم تبدأ الحكاية.