صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين آخر الكلام | الضيفُ السعيد الافتتاحية| الأمـومـــة... العمل الأرقى  الشيخ البهائيّ مهندسٌ مبدعٌ في العبادةِ... جمالٌ مع الخامنئي | نحو مجتمع قرآنيّ* اثنا عشر خليفة آخرهم المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف* أخلاقنا | اذكروا اللّه عند كلّ نعمة* مناسبة | الصيامُ تثبيتٌ للإخلاص

أول الكلام: كذلك نجزي المحسنين

 السيد علي عباس الموسوي
 

من قضاء الحكمة الإلهيّة خلقُ السموات والأرض ضمن نظام الأسباب والمسبّبات، فلا عبث في هذا الكون ولا شيء يصدر إلا لعلّة وسبب. ومن قضاء الحكمة الإلهية أن لا يطّلع الإنسان على كافّة الأسباب، بل يعلِّمه الله عزّ وجل بعضاً منها إمَّا مباشرةً أو بجهدٍ يَبذله في سبيل ذلك.

والإنسان الذي يرى ويشاهد نظام الكون هذا، وهو على يقين من أنّه يُدار بحكمةٍ بالغة، ودقّةٍ متناهية، ولطفٍ عجيب، تجده يعجز عن تفسير بعض الظواهر الكونيّة، فتخفى عليه أسبابها كما تخفى عليه نتائجها. ولكنّه بدل أن يقف موقف المستسلم العاجز المدرِك للحكمة الإلهيّة البالغة، وإن خَفِيَت عليه، يقف موقف المعترض المتسائل، والمستغرب المستنكر، وينسى أنّ الله عزّ وجل أتقن كلّ شيء صنعه، وأن عليه أن يعترف بعجزه وضعفه عن فهم منطق الأشياء.
وهذا النظام الإلهيّ الذي نجده سائداً في عالم التكوين، سائدٌ في الحياة الإنسانيّة، أي بما يرتبط بالإنسان وفعله. فالأفعال الصادرة عن الإنسان هي الأخرى خاضعة لنظام الأسباب الإلهيّة المنطلقة عن الحكمة البالغة. فلكلِّ فعل سببٌ. وإذا كان خفاء الأسباب الكونيّة ممكن أحياناً، فإنّ خفاء أسباب الفعل الصادر من الإنسان غير وراد، بل هو خاضع للعلم الوجدانيّ الحضوريّ ﴿بَلِ الْإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (القيامة: 14).

وكذلك الحال في النتائج المترتّبة على الأفعال الإنسانيّة، سواء أكان ذلك على المستوى الفردي أم على المستوى الاجتماعيّ. فإذا انتشر فعل الخير في المجتمع كان لذلك آثاره على المجتمع ككلٍّ. وإذا أدّى المجتمع فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر انعكس ذلك حياةً طيِّبةً فيه. وإذا أدّى الإنسان الحقوق التي افترضها الله عليه كان ذلك سبباً للعطاء الإلهيّ والرزق الوافر. وإذا كان ظالماً يأكل حقوق الناس ابتلاه الله بأنواع من البلاء جزاءً لعمله.
ولكن قد يخفى على الإنسان أسباب ما يراه من بعض النتائج على الناس، فيقف موقف المستغرب المستنكر، فهو يتوقّع بعض النتائج من بعض الظواهر التي يَعتبر أنّ أسبابها متحقِّقة، ولكنّه لا يجد أنّها تتحقّق، ولا يتوقّع بعض النتائج لعدم تحقّق أسبابها بنظره، ولكنه يجدها متحقّقةً وواقعةً.

وهذا يعود إلى عدم إحاطة الإنسان وعدم معرفته بالأسباب الحقيقيّة، ولذا كان لا بدّ له من أن يعترف بعجزه. وقد أشار القرآن الكريم إلى بعض تلك الظواهر مبيِّناً أسبابها الحقيقة، والنتائج المترتبة عليها، فمبادلة المحسن بالإحسان قاعدة فطريّة بشرية، والله عزّ وجلّ وعد المحسنين الذين يجعلون مدار حياتهم على أداء التكليف الإلهيّ الموجّه إليهم بالجزاء الوافر، فالحسين الشهيد في كربلاء خرج أداءً منه للتكليف الإلهيّ ولم يعتنِ بأقوال المرجفين، ولكن يظنّ بعض الناس أنّ هذا الجزاء لا بد وأن يكون بإغداق الرزق والعطاء الإلهيّ المادّي على هؤلاء المحسنين. ولكنّ الله عز وجل يخبر عن نوع آخر من الرزق يعطيه لهؤلاء، إنّه العلم والحكمة، لا المال والجاه وغيرها، ويُشير بذلك إلى خطأ الناس في تقديرها لما ينبغي أن يُعطى بدلاً عن الإحسان. فحكى في قصّة نبيه يوسف عليه السلام كيف أنّ جزاء الإحسان كان العلم والحكمة لا المال والجاه، قال تعالى: ﴿وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (يوسف: 22).
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع