مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

تربية الطفل: طفلي موهوب... فكيف أنمي موهبته؟

هنادي سلمان‏


مَن منا لا يتمنى أن يكون أولاده قادة للمجتمع وقدوة للآخرين..! ولكن من منا يعمل لتحقيق هذه الأمنية؟ ومن منا يجهد لتنمية قابلية أبنائه واستعداداتهم الكامنة ومواهبهم التي منحهم اللَّه إياها نعمةً يجب استغلالها وتوظيفها بالطريق الصحيح؟ وهل نحن ممن يقتنعون بوجوب تنمية المواهب التي نتوسمها في أطفالنا لتكون الوسيلة التي تجعلهم القادة والقدوة والعضو الفاعل في بناء مجتمعهم؟...

فلننظر، إذاً، إلى مواهب أبنائنا ونتعامل معها بجدية ونعمل على اكتشافها وتهذيبها وتطويرها عبر الأساليب التربوية الصحيحة. من هو الطفل الموهوب؟ لقد استخدمت اصطلاحات عديدة في الدوائر العلمية وغير العلمية للإشارة إلى الطفل الموهوب مثل "عبقري"، "متفوق" و"لامع"، وهذه الألفاظ تتضمن القدرة البارزة مع تأكيد التفوق العقلي، وقد يعزى هذا المفهوم في الواقع إلى الدراسات الدقيقة المعروفة والتي أجراها العلماء على الأطفال الموهوبين فقد استخدموا التفوق العقلي كمعيار أساسي للاختيار في فصولهم التجريبية.

* هل الابتكار دليل على الموهبة؟
الموهبة، من وجهة نظر الرأي العام، تعني شيئاً أكثر من مجرد القدرة العقلية، فالأطفال الموهوبون وفقاً لذلك هم ذوو المواهب الخاصة الميكانيكية والعلمية والفنية والعلاقات الاجتماعية وهم أيضاً ذوو الذكاء العام العالي. والتفوق في هذه الميادين يتضح بجلاء في الأداء الخارجي وليست المبادرة في الأداء وحدها دليلاً واضحاً على الموهبة ولكن الابتكار أو الأصالة هو الصفة المميزة لعمل الموهوب وسلوكه. وعلى هذا الأساس يمكن أن تحدد الموهبة على أنها القدرة الابتكارية البارزة في ميدان أو أكثر من ميادين التحصيل الإنساني. إن هذه القدرة الابتكارية وما يصاحبها من ذكاء عالٍ تؤدي إلى إنتاج أشباه قيمة وأنها تعتمد على عناصر لا يسهل التعرف عليها، وقد اعتقد البعض أنه لا بد من وجود دافع داخلي قوي يؤثر في التحصيل، كما يتأثر التحصيل بصفات وظروف أخرى، وإلا فكيف يمكننا أن ندرك فشل الكثيرين من الأفراد الموهوبين في إظهار إمكانياتهم الحقيقية، فكثير من ذوي الذكاء العالي والموهبة الخاصة لا يبتكرون شيئاً. فلكي يقوم الفرد بعمل يتصف بالابتكار: يجب أن نثيره ونغذي دوافعه التي تؤدي به إلى الابتكار وننمي موهبته ويجب عليه أن يبذل من الجهد في سبيل المصلحة العامة أكثر مما يبذل الأفراد ذوو الإمكانيات الأقل من جهد(1).

* كيف ينظر الإسلام إلى الموهبة؟
إن الإسلام نظام تربوي يعمل على تعبئة كافة إمكانات الإنسان واستعداداته البشرية لغرض تحقيق إنسانيته الكاملة وخلافته للَّه عزَّ وجلَّ، وهو يرى أن جميع الأطفال يمتلكون استعدادات متنوعة يجب أن تنال قسطها من التربية وهو يحث ولي أمر الطفل الذي يشاهد عند ابنه علائم الذكاء والاستعداد غير العادي أن يبذل كل جهده من أجل تنميتها(2). إلا أن الأطفال يمتلكون استعدادات مختلفة تماماً كما تختلف المعادن مع بعضها: "فالناس معادن كمعادن الذهب والفضة"(3). لكن اختلاف المعادن بعضها عن البعض الآخر لا يشكل دليلاً على الأفضلية أو الدونية بل إن اختلاف محتويات المعادن إنما يكون على أساس كيفية الاستفادة منها، كما أنه يمكن الاستفادة منها جميعاً. ولكن كلٌ في مجاله وكذلك الحال بالنسبة للاستعدادات، لذلك فإن استعدادات الطفل يجب أن تُسْتَخْرَج وتنال حظها من الهداية والتربية كما تستخرج المعادن حيث أنها لا تملى بل تستخرج وكذلك الاستعدادات تُكْتَشَفْ وتُستخرج ويستفاد منها.

* كيف نتعرف على الطفل الموهوب؟
هناك صفات خاصة بالأطفال الموهوبين وهي تتوزع بين صفات عقلية وجسمية واجتماعية وانفعالية.

من أهم الصفات العقلية:
1- أن يتعلم بسرعة وسهولة أكثر من غيره.
2- أن تكون لديه بصيرة فائقة إزاء المشكلات.
3- أن تكون ميوله متعددة النواحي.
4- أن يظهر تفوقاً في القدرة على القراءة، من ناحية السرعة والتفهم واستخدام اللغة والعلوم والآداب والفنون على أنواعها.
5- أن يقوم بالعلم المنتج دون الاعتماد على أحد.
6- أن يظهر ابتكاراً وإبداعاً في الأعمال العقلية.
7- أن يكون صاحب طاقات بارزة وممتازة في الفن والذوق.
8- كما يتصف بالابتكار والحركة المستمرة وبالإبداع في الحديث والقصة والأسطورة والخلاَّقيَّة.

أما من الناحية الجسمية وعلى أساس البحوث التي أنجزت (تحقيقات جامعة هارفارد)(4) فأغلب الموهوبين يتميزون بـ:
- رأس ودماغ كبيرين وجبهة بارزة.
- السلامة من الناحية الجسدية.

الطول والثقل عن الآخرين ومن الممكن أن يكونوا صغاراً وضعفاء ولكن نستطيع أن نخمن موهبتهم من وجوههم. في المجال العاطفي يكون الطفل الموهوب، مرحاً، ومتفائلاً ولكن يسيطر عليه الخوف والتألم بسبب امتلاكه لرغبات متفاوتة مع الآخرين، ولأنه يمتلك ذلك الذوق القوي في الشعر والموسيقى والفن.

* ما هي الأسباب التي تمد الطفل بالموهبة؟
تختلف الآراء حول هذا الموضوع ولكنها لا تستطيع أن تكوِّن رأياً قاطعاً، البعض يعتمد على الوراثة والبعض يعتمد على البيئة. ونحن مع إننا لا نعزل دور الوراثة في هذا المجال وأهمية المحيط والبيئة لكننا نذكر(5) إن أي من هذين الاثنين ولا حتى الاثنين معاً لا يسببان وجود النبوغ والموهبة. إننا نرى أن عوامل الوراثة والمحيط والتربية مؤثرة في هذا المجال، إلا أن هناك عناية خاصة من اللَّه تبارك وتعالى غرسها في نفوس العباقرة والموهوبين وهذه العناية تمكنهم من امتلاك استعدادات وميول ليست موجودة لدى الآخرين. وهذا هو السبب في تميزهم.

* كيف نربي الطفل الموهوب؟
صحيح أن الطفل قد يتمتع بقدرة عقلية وذكاء معين وباستعدادات غنية جداً إلا أن هذه الاستعدادات والطاقات تتطور من سنة إلى سنة وتطورها هذا يحتم الحذر والدقة في التعامل معها كي لا نسي‏ء حين نرجو النفع. لذا تجري دائماً دراسات قياسات واختبارات لدراسة استعدادات الطفل من خلال سلوكه واستجاباته واهتماماته وقدراته اللغوية ومستواه العام من حيث النمو العقلي والجسمي والاجتماعي والانفعالي. ونمو هذه الاستعدادات ليس مقصوراً على عامل النضج وحده، فالمسألة ليست مسألة زمن بل إن هذه الاستعدادات بحاجة إلى تدريب، فهي تختلف تبعاً لاختلاف الخبرات المؤمنة والمحصول اللغوي والبيئة والنضج الجسمي والاجتماعي(6).

لذا يمكن القول أن العناية بالموهوبين يجب أن تتجه إليهم في الميادين الرئيسية الثلاثة للتربية وهي المنزل والمجتمع والمدرسة، فالمدرسة هي البيئة التربوية التي يقضي فيها الموهوب معظم أوقاته، وبالتالي يمكن رعايته وتنمية موهبته حيث يمتلك المربي قدرة التحكم إلى حد كبير وهناك عدَّة أهداف يجب أن يراعى تطبيقها في المدارس، لكي نصل إلى تنمية المواهب عبر الأساليب الصحيحة. أهمها هدف الإبداع والخلق الجديد والابتكار والإضافة كلٌ حسب استعداداته وموهبته، كما يجب أن نمكِّن الموهوب من القيادة بنجاح لأنه سيضطر إلى القيام بها خلال حياته. أما المناهج فيجب أن يتم وضع مناهج خاصة تلبي احتياجات الموهوبين ويفترض في هذه المناهج أن تحقق الأهداف الخاصة بالموهوبين من ناحية تكوين الشخصية القيادية والقادرة على الخلق والإبداع.

أما فيما يخص المجتمع بأفراده ومؤسساته فيجب أن يدرك أهمية العناية بالطفل الموهوب ورعايته وتنمية موهبته. وهذا يستدعي العمل على إيجاد جمعيات خاصة تعتني بأصحاب المواهب على اختلاف أنواعها من رسم أو شعر أو موسيقى وحتى نضمن توجيه هذه الموهبة، بالرعاية والعناية، نحو ما يصب في مصلحة الفرد والمجتمع ووفق ما يتماشى مع تعاليم ديننا وقيمنا الاجتماعية. ومن ثم يأتي دور المنزل، المنشأ الأصلي للطفل. ومما لا شك فيه إن إثراء المناخ المنزلي مادياً ومعنوياً وتنمية التفاعل داخل المنزل كفيل بتخريج وتنمية المواهب إلى حد كبير، ومهم جداً في هذا المجال إدراك أهمية الحوافز الداخلية والخارجية في تنمية المواهب، حيث يلعب المنزل دوراً كبيراً في هذا المجال، وحيث يكون للأم الدور الأكبر في هذه العملية التنموية. إن الأسرة التي تتمتع بوعي تربوي أسري قادرة على تحفيز وتنمية موهبة طفلها في جو تربوي سليم عبر تهيئة المجال لنموها المتوازن والمتواصل في الوقت نفسه ولتفتحها عن طريق التفاعل الايجابي والتلقائي.

* وسائل تنمية المواهب‏
على كل والد أو والدة يلمسان وجود استعدادات خاصة أو موهبة لدى طفلهما، تقع مهمة تدريب هذه الاستعدادات وتنمية هذه الموهبة عبر عدة وسائل أهمها:

1- تشجيع هذه الموهبة وملاقاتها بالاستحسان ولا بد أن ننبه من خطورة مواجهتها بالرفض أو النكران، الأمر الذي يخلق لدى الطفل الموهوب حالة من الإحباط والانطواء على الذات، أو حالة من العدائية كوسيلة لتفجير الطاقات والإمكانيات التي يمتلكها والتي لا يستطيع إظهارها.

2- التواصل مع المربين في المدرسة حول الوسائل التي يجب اتباعها من أجل الحفاظ على هذه النعمة الإلهية وتطويرها. إذ إن هذا التواصل بين الأهل والمدرسة من شأنه أن يعزز ثقة الطفل بنفسه وبموهبته.

3- البحث عن المؤسسات الاجتماعية أو الكشفية التي تعنى بالمواهب لإلحاق الطفل الموهوب بها وبذلك نضمن تربية وتطوير وتثقيف الموهبة عبر أساليب تربوية صحيحة. كما إن الأهل يستطيعون إلحاق الطفل بدورات صيفية خاصة أو إخضاعه لدروس خصوصية على أيدي الخبراء والمختصين، هذا طبعاً إذا كانت الحالة الاقتصادية تسمح لهم بذلك. أما إذا كان الوضع المادي غير جيد فيمكن اتباع وسائل التثقيف العادية عبر أشرطة وكتب التجويد القرآني إذا كانت الموهبة صوتية، عبر الكتب الأدبية والشعرية والقصص إذا كانت الموهبة أدبية، أو عبر إهداء الطفل أدوات الرسم العادية وكتاب لتعلم مبادئ الرسم إذا كانت موهبته تختص بالرسم... أو ربما عبر مساعدته في تدريبات رياضية لتقوية عضلاته إذا كان ممن يميلون إلى الرياضة... المواهب كثيرة ومتعددة والوسائل موجودة، ولكن يبقى أن نختار الوسيلة المناسبة التي تتماشى مع شخصية الطفل وإمكانياته.

وهنا لا بد أن نلتفت إلى نقطة هامة وهي خوف بعض الأهل من أن يساهم وجود الموهبة لدى الطفل في تراجعه الدراسي، حيث تكون سبباً في انشغاله عن دراسته. إن هذا الأمر يجب أن يتبدد لأن الموهبة إذا عرفنا كيف نتعامل معها، تكون دافعاً لمتابعة الدراسة بجدٍ واجتهاد. خاصة إذا شرحنا للطفل الموهوب أهمية التحصيل العلمي والتثقيف والمعرفة في حياته العملية وأهمية أن يدعم الموهوب موهبته بالعلم والثقافة. يبقى أن نقول بأن لكل موهبة سلبياتها وايجابياتها ولكننا نستطيع عبر التنظيم والتدريب أن نوظف مواهب أطفالنا لتكون وسيلة سامية وهادفة لخدمة مجتمعهم ومحيطهم. لأن الموهبة تكسب صاحبها روحاً شفافة، نبيلة، ترى ما لا يراه الآخرون وتسمع ما لا يسمعونه وتشعر بأوجاع الناس وأفراحهم بآلامهم وسعادتهم وتعبر عن ذلك فناً راقياً يسمو بالنفس الإنسانية ويحاكيها موسيقى وشعراً أو رسوماً تصوِّر شجونها وأمانيها أو أناشيد تخلِّد أمجادها وانتصاراتها...


(1) كيف تنمي مواهب أبنائك؟ مؤسسة الفكر الإسلامي.
(2) التربية الفكرية للطفل. د. أبو الفضل عزتي، دار الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله.
(3) المصدر السابق.
(4) الأسرة وأطفال المدارس. د. علي القائمي دار النبلاء.
(5) المصدر السابق.
(6) الطفل العربي وثقافة المجتمع ذكاء الحر دار الحداثة.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع