نسرين إدريس
رجل المهمات الصعبة ومن يُدّخر للشدائد الشهيد القائد حسين علي مظلوم (الحاج ولاء)
بطاقة الهوية
الاسم: حسين علي مظلوم
اسم الأم: شهيرة مظلوم
محل وتاريخ الولادة: بريتال 1 - 2 - 1971
الوضع العائلي:
متزوج وله 4 أولاد
رقم السجل: 46
مكان وتاريخ الاستشهاد:
زغلة - حاصبيا 2 - 11 – 1999
حائز على تنويه الأمين العام السيد حسن نصر اللّه عدة مرات
يُغمض جفنُ الزمن على دمعةٍ لو ذرفت والشفاهُ تلهج باسمه
لحفرت أخاديد من الوجع العميق على نياط القلب.. وتنتفضُ الروح الهائمة على المحاور
لتنثر التراب الذي مرّ عليه الحاج ولاء، تعطرُ منه هواءً مذ انطفأت أنفاسه، صار
ثقيلاً على الرئتين يشدُ عليهما كأنه قيدٌ يحبسُ فيه كل من بقي يتكىء على البندقية
ينتظرُ الشهادة. وأي رحيل كان رحيله؛ فعندما اخترقت الشظايا جسده، ارتدت بريتال
نقاباً من الوحشة والسكون الحزين، وراحت تمدّ ناظريها صوب الجنوب، لتلمس بعضاً من
ذكريات الحبيب، فتزداد فخراً وتشمخ عزاً، وترنو إلى بيتِ جدته التي ربته لتنحني عند
كفيها تقبلهما، تشمّ في تقاسيمها ريح الطهارة والعنفوان، ريحٌ كانت وشاح ولاء. جدته
التي تكفلت بتربيته وإخوته بعد انفصال والديه وهو صغير، امرأة مؤمنة عرفت كيف تغرسُ
في قلب طفلها الصغير التدين والشجاعة، وبعاطفتها الجياشة لفته بحنانٍ أجاد نقله
للآخرين بصدقٍ وتفان، فكان رقيقاً كنسيم الربيع، مفعماً بالحبّ والإخلاص؛ مطيعاً
لجدته لا يرفض لها طلباً، يسارع لخدمتها ويخففُ من عنائها بعطفه الشديد عليها، إلى
جانب ذلك كان يهتم كثيراً بصلة الرحم، فيزور والدته ويطمئن عنها، ويسأل عن والده
ويساعده في عمله خصوصاً أنه ترك المدرسة باكراً لأجل العمل مع والده ليعاونه في
تأمين القوت، ولقد عجنت الحياة روحه بصعوباتها فاختمرت ذاته بالوعي المبكر وتحمّل
مسؤولية العيش وهو فتىً يافعٌ كأي رجل أربعيني..
شهد ولاء الصحوة الإسلامية التي اجتاحت بريتال عند إعلان انطلاق المقاومة الإسلامية
عام 1982، وعاصر استشهاد العديد من شبان بلدته التي لم تبخل بتقديم أرقى التضحيات
في سبيل إعلاء كلمة الحق. وفي هذا المجتمع الذي ينضحُ بالطيبة والإيمان كبر ولاء
وقد زُرع حب الجهاد في فؤاده وأخذ منه مأخذاً كبيراً.. عندما بلغ من العمر أربعة
عشر عاماً استشهد أخوه أثناء قصف الطيران الإسرائيلي، فشعر ولاء حينها أنه فقد
الجزء الأول من نفسه، وعرف أن عليه أن يكافح لأجل أن يعود نفساً متكاملة، ولن تكتمل
النفس ما لم تنفجر من الجسد غدران الدماء.. وكان لا بدّ له من أن يخضع لدورات
عسكرية وثقافية عديدة في سن مبكرة، فالتحق بصفوف حزب اللّه (متفرغاً) وهو في
العشرين من عمره، وقد امتلك من التقوى والشجاعة والبسالة والإقدام ما أهله لأن
يتسلم زمام عدة مسؤوليات في المقاومة الإسلامية على محاور البقاع الغربي.. وإذا
كانت رحلة الجهاد عند أغلب شهداء حزب اللّه، رحلة مليئة بالمواقف والبطولات
والمشاركات العسكرية العديدة، فإن رحلة الحاج ولاء كانت بكل سكناتها جهاداً ومقاومة
وتفانياً لأبعد الحدود، فمن التخطيط إلى التنفيذ والاستطلاع؛ في كل عمليات المقاومة
نرى بصماته الواضحة، ولن نجد في أوراق التاريخ كله سطوراً تستطيع أن تحوي حقيقة ما
كان يقوم به الشهيد ولاء، فهو وإن عُيّن مسؤولاً بقي جندياً عاشقاً للبندقية،
وكان الإخوة يتسابقون ليشاركوه في عمليةٍ أو اقتحام أو أي عملٍ لأنهم كانوا يدركون
أن المهام الصعبة والتي تحتاج لدقةٍ متناهية توكل إليه مباشرة.
الحاج "ولاء" مدرسة تعلم منها المجاهدون الكثير من المواعظ والعبر الصامتة، تعلموا
من بطولاته كيف يكون التواضع طريق سلوكٍ يتقبل به اللّه الأعمال، وكيف يصبحُ السكون
تسبيحاً، وهو لهم الأخ الكبير الملجأ؛ والأب الرحيم المتفهم؛ والصديق المخلص المؤثر
على نفسه؛ وهو خادم المجاهدين على المحاور؛ كان الشهيد ولاء رفيق كل المقاومين في
محاور الجنوب إلى آخر محور في البقاع الغربي، وصديقاً لحوالي مئة شهيد سقطوا واحداً
تلو الآخر لتبقى راية حزب اللّه خفاقةً.. أما بين أفراد أسرته، فكان البيت الذي
يأويهم، والدفء الذي يحميهم، والمنارة التي تهديهم، يحمل هموم الكل ويخفف عنهم،
ويبقى صامتاً عن الكثير الذي لم يكن يفضي به لأحد إلا بالقليل منه لأخيه؛ ودائماً
يدعو أهل بيته وأقاربه للبقاء على أهبة الاستعداد لمواجهة أي عدوان إسرائيلي مرتقب،
وكيفما تلفَّت يوصيهم ببعضهم بعضاً.. وجاء تشرين الثاني بحزنه العميق، كان اليوم
الثاني منه، توجه الحاج ولاء مع مجموعة لرصد ثكنة زغلة الإسرائيلية في حاصبيا، لكن
العدو الإسرائيلي كشف المجموعة، فأغار الطيران الحربي عليهم، فما كان من الحاج ولاء
إلا أن طلب من أفراد المجموعة ارتداء الدروع ولبس الخوذ وساعدهم في ذلك، وهو لا
ينفك يقوي عزيمتهم ويهدىء من روعهم، ثم ما لبث الطيران أن أعاد الغارة فَعَلاَ صوت
الحاج ولاء بالتكبير وهو يسقط شهيداً إلى جانب الشهيد علي مدلج.. اعتبر قادة
العدو الإسرائيلي أنهم حققوا انتصاراً ب"قتلهم" أحد الشخصيات الميدانية المهمة في
حزب اللّه وانتقموا لقتلاهم، وقد بقيت الجثتان ستة أيام تحت الركام ليستخدمهما
العدو ككمين للمقاومين..
وعاد الحاج ولاء ليستكين بين كفي جدته وهما تنوحان عليه، وتخبرانه أنه صدق القول
حين ظلّ يؤكد لها أنها ستكون جالسة ويأتيها نبأ استشهاده.. غادر الحاج ولاء ببسمته
المشرقة وهدوئه الوقاد، وكل من عرفه يتذكر وجهه الحزين في أواخر أيامه كيف كان
يتنقل من مكان لآخر ليطلب المسامحة من كل من عرفه؛ ولكن من المستحيل أن يشعر أحد،
أو أي مكان أن الحاج ولاء رحل، فهو لا يزال وسيبقى "دينمو المقاومة" (كما عبّر
الأمين العام لحزب اللّه سماحة السيد حسن نصر اللّه) يضخُ العزيمة في شرايين
المقاومين ويحثهم للحاق به إلى جنّات النعيم.. إنها الشهادة؛ معراج المخلصين، إنها
الشهادة؛ حياة من فهموا معنى الحياة فعاشوها بولاءٍ مطلق لله..
من وصية الحاج
ولاء: "عشت مرارة الحياة والانتظار وأنا لا أنال ما ناله الاستشهاديون العظام
الذين كانوا أهلاً لهذا المقام الرفيع عند اللّه، ولكن أسأل اللّه أن يعطيني ما
أعطى لأوليائه وعباده المخلصين حتى يرضى عني ويغفر لي ما سلف في دار الدنيا
الفانية.. أحبائي الشهداء الذين سبقوني؛ أنتم من جرّأني على الانتساب إليكم وأنا
خجل منكم، أنتم العظماء الأتقياء الذين أضاءوا مسيرتنا بدمائهم الزكية، وبفعل
دمائكم عشت أدعو اللّه أن يوفقني ويجعلني معكم مع الحسين عليه السلام".