نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

فضّة: خاصّة الزهراء عليها السلام


ندى الطويل

قال "أبو القاسم القشيري في كتابه: قال بعضهم: انقطعت في البادية عن القافلة فوجدت امرأة فقلت لها: مَن أنت؟ فقالت: ﴿وَقُلْ سَلَامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (الزخرف: 88)، فسلّمت عليها.

فقلت: ما تصنعين ها هنا؟ قالت: ﴿وَمَن يَهْدِ اللهُ فَمَا لَهُ مِن مُّضِلٍّ (الزمر: 37)، فقلت: أمن الجنّ أنتِ أم من الإنس؟ قالت: ﴿يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ (الأعراف: 31)، فقلت: من أين أقبلتِ؟ قالت: ﴿يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ (فصلت: 44)، فقلت: أين تقصدين؟ قالت: ﴿وَلِلهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ (آل عمران: 97)، فقلت: متى انقطعتِ؟ قالت: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ (ق: 38)، فقلت: أتشتهين طعاماً؟ فقالت: ﴿وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لَّا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ (الأنبياء: 8)، فأطعمتها، ثمّ قلت: هرولي وتعجّلي، قالت: ﴿لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا (البقرة: 286).

وعندما وجد أنّ هذه المرأة لا تتكلّم إلّا بالقرآن الكريم سأل أولادها عنها ليعلم مَن هي، ومن أين تعلمت هذه العلوم، فقالوا: هذه أُمّنا فضّة جارية الزهراء عليها السلام، ما تكلّمت منذ عشرين سنة إلّا بالقرآن"(1).

* من هي فضّة؟
هي جارية للسيدة فاطمة عليها السلام، وكانت على درجة عالية من الإيمان، والتقوى، والورع، ومحبتها لأهل البيت عليهم السلام. وعرفت بوفائها لمولاتها السيدة الزهراء عليها السلام.
أما من ناحية نسبها، فلم يتعرّض أيّ مصدر لترجمتها، ولكن يستفاد من الروايات ما ورد عن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي، عن أبيه، عن علي: أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أَخدَمَ فاطمة ابنته جاريةً اسمها فضّة النوبيّة(2).

وقد ذهب البعض إلى أنّها ابنة ملك الهند، فقال:
"فضّة جارية الزهراء عليها السلام اشتراها لها أمير المؤمنين عليه السلام، قيل إنها كانت من بنات الملوك، ملك الهند، كما قال البرسي، أو ملك الحبشة، كما قال غيره"(3).

* علاقتها بأهل البيت عليهم السلام
وقد مدحها أمير المؤمنين عليه السلام ونسبها إليهم أهل البيت عليهم السلام، حيث دعا يوماً في حقها: "اللهم بارك لنا في فضّتنا"(4).

كانت فضّة (رضي الله عنها) عارفة بمقام ومنزلة أهل البيت عليهم السلام حقّ المعرفة، فقد "روى ورقة بن عبد الله الأزدي قال: خرجت حاجّاً إلى بيت الله الحرام راجياً لثواب الله ربّ العالمين، فبينما أنا أطوف وإذا أنا بجارية تنادي بفصاحة منطقها، وتقول: اللّهم ربّ الكعبة الحرام، والحفَظة الكرام، وزَمزَم والمقام، والمشاعر العظام، وربّ محمّد خير الأنام صلى الله عليه وآله وسلم البررة الكرام، أسألك أن تحشُرني مع ساداتي الطاهرين، وأبنائهم الغرّ المحجّلين الميامين.

ألا فاشهدوا يا جماعة الحجّاج والمعتمرين، أنّ مواليَّ خيرة الأخيار، وصفوة الأبرار، والذين علا قدرهم على الأقدار، وارتفع ذكرهم في سائر الأمصار، المرتدين بالفخار"(5).

* مواساتها لأهل البيت عليهم السلام
قال الله تعالى: ﴿يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا (الإنسان: 7)، والمقصود بالآية هم: الإمام علي، والسيّدة فاطمة الزهراء، والإمامان الحسن والحسين عليهم السلام، وجاريتهم فضّة، الذين نذروا إن برئ الحسنان عليهما السلام من مرضهما أن يصوموا ثلاثة أيّام شكراً لله تعالى، ولمّا صاموا أعطوا إفطارهم يوماً لمسكين، وثانياً ليتيم، ويوماً ثالثاً لأسير، قربةً إلى الله تعالى، وباتوا جياعاً ثلاثة أيّام لم يذوقوا إلّا الماء، فجزاهم الله تعالى على عملهم هذا الجنّة(6).

* من خواص أهل البيت عليهم السلام
كانت فضّة عليها السلام من القلائل الذين حضروا دفن السيدة الزهراءعليها السلام. يقول أمير المؤمنين عليه السلام عند تكفين السيدة الزهراء عليها السلام: "فلما هممت أن أعقد الرداء، ناديت يا أم كلثوم، يا زينب، يا سكينة، يا فضّة، يا حسن، يا حسين، هلمّوا تزوَّدوا من أمّكم"(7).

* مسيرة الوفاء لخط الولاء
لم تزل فضّة بعد شهادة السيدة الزهراء عليها السلام منقطعة إلى أهل البيت النبوي، فكانت تخدم عليّاً وأولاد فاطمة عليهم السلام فنالت قسطاً كبيراً من المعرفة، حتى عُدّت من الضليعات بالفقه والسنّة والتفسير.

وقد رافقت البيت العلوي حين انتقل الإمام عليّ عليه السلام وأهله من المدينة إلى العراق، ويبدو أنها كانت مقرّبة منه وكانت المسؤولة عن طعام الإمام عليه السلام. فقد ورد عن عمرو بن حريث، أيام كان الإمام عليه السلام في البصرة، وقد رصد عمرو غذاءه: "أتت فضّة بجراب مختوم، فأخرج منه خبزاً متغبّراً خشناً، فقلت لفضّة: يا فضّة لو نخلت هذا الدقيق وطيّبتيه، قالت: كنت أفعل فنهاني، وكنت أصنع في جرابه طعاماً طيّباً، فختم جرابه [أي ربطه ولم يأكل منه]"(8).

ولم ينقطع خط الوفاء لمسيرة الولاء بعد شهادة سيّد الأوصياء عليه السلام، فقد رجعت مع ركب أهل البيت عليهم السلام إلى المدينة.

يقع مقام السيدة فضّة خادمة الزهراء عليها السلام في كربلاء، في أحد الأزقة التي تتفرّع من شارع العباس عليه السلام، وقد جُدّد إنشاؤه بعد سقوط النظام البائد.


1- مناقب آل أبي طالب، ابن شهر آشوب، ج3، ص121.
2- الإصابة، ابن حجر، ج4، ص387.
3- زينب الكبرى، النقدي، ص64.
4- أمالي الصدوق، الشيخ الصدوق، ص187.
5- بحار الأنوار، (م.س)، ج43، ص174.
6- الأمالي الصدوق، (م.س)، ص229.
7- بحار الأنوار، (م.س)، ج43، ص176.
8- (م.ن)، ج40، ص325.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع