الشيخ حسن بدران
الإجابة على هذا السؤال تستدعي منا محاولة الإجابة بصدق
عن أسئلة سابقة من قبيل: هل نملك الأهلية واللياقة لنصرته؟ هل نملك المستوى المطلوب
من الإيمان بالهدف من ظهوره المبارك؟ هل نملك الشعور بالمسؤولية تجاه الهدف؟ هل نحن
من أهل الإخلاص لهذا القائد الإلهي والإيمان بقيادته وبالتالي نملك الاستعداد
الكامل لبذل الطاعة التامة له؟ وهل نملك الكفاءة والخبرة الكاملة بالمهام التي
تقتضيها طبيعة النصرة؟
إن التشرف بالحضور في ساحة الجهاد بين يدي الإمام عجل الله فرجه له ميزة خاصة، وما
يميز أنصار المهدي عجل الله فرجه هو مدى شجاعتهم وإقدامهم وصلابة إيمانهم وشدة
إخلاصهم للمهدي عجل الله فرجه حعجل الله فرجه وطاعتهم له، وحسن انقيادهم لقيادته.
وما يجب أن نكون عليه لكي نهتدي السبيل في المشاركة في نصرته عد يمكن تلخيصه على
النحو التالي:
* الإعداد النفسي الخاص
أول ما علينا فعله من مستوجبات النصرة هو إصلاح أنفسنا، يقول الإمام الخميني قدس
سره: "علينا أن ننظر في صحيفة أعمالنا قبل أن تصل إلى محضر اللّه ومحضر صاحب
الزمان عجل الله تعالى فرجه". ويقول في مكان آخر: "عليكم أن تصلحوا أنفسكم
لتتمكنوا من القيام، ولا يكون الإصلاح إلا باتباع أحكام اللّه". لا شك أن هذا
الإصلاح سيساهم بدرجة كبيرة في توطين النفس على نصرة الإمام عجل الله فرجه بحيث لا
يبقى في النفس أدنى تردد أو تباطؤ في القيام بالواجب المطلوب حياله، وتوطين النفس
هو إيجاد وخلق الدافع الإيماني الذي يحمل النفس على القيام بالعمل بشوق وحماس
واندفاع كبير. وقد يفهم من بعض الروايات الأمر بأن نكون على مثل هذا المستوى من
الحضور الرسالي كما في الرواية الواردة في شأن الرايات السود: "فأتوها ولو حبواً
على الثلج". وفي بعضها الآخر: "فكنت في صندوق مقفل عليك فاكسر ذلك القفل وذلك
الصندوق حتى تقتل تحتها". ومهما يكن فإن التوفيق للقيام بنصرة الإمام عجل الله فرجه،
لا يمكن أن يحصل ما لم نهيء لصاحب الأمر عجل الله تعالى فرجه مثل هذه النفس
المتصلبة في ولائها للإمام عجل الله فرجه، وهذا القلب الراسخ في إيمانه به، وقد جاء
في بعض الروايات توصيف لأنصار المهدي عجل الله فرجه بأنهم "محشوة قلوبهم إيمانا
حشوة الرمانة من الحب".
* بناء علاقة حقيقية مع صاحب العصر والزمانعجل الله
تعالى فرجه
دعا الإمام الخميني قدس سره لبناء علاقة حقيقية مع صاحب العصر والزمانعجل الله
تعالى فرجه، علاقة تستبعد معنى الغياب والاغتراب وتفترض الحضور الدائم له عجل الله
تعالى فرجه: "إن صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه يراقبنا جميعاً، يراقب العلماء
وما يفعلونه والإسلام بأيديهم، ولا عذر لهم. وقد غرس النواة الأساسية في بناء هذه
العلاقة الحية والفاعلة. إن ثورة الشعب الإيراني هي نقطة البداية للثورة الكبرى في
العالم الإسلامي تحت راية الحجة المهدي عجل الله تعالى فرجه أرواحنا فداه. ووضع
الجميع أمام مسؤولياتهم إزاء الإسلام إنه الوقت الذي ينبغي فيه تحقيق الإسلام..
الإسلام أمانة في أيدينا ونحن مكلفون بحفظ هذه الأمانة.. علينا نحن - المنتظرين
لقدومه المبارك - أن نبذل قصارى جهدنا لتحكيم قانون العدلي الإلهي في دولة صاحب
العصر عجل الله تعالى فرجه هذه".
* فهم جوهري للإسلام
لم يكن الإسلام كما فهمه الإمام الخميني قدس سره مجرد عبادات ترسم الطريق للإنسان
في نطاق علاقة شخصية مع اللّه تعالى فحسب، بل إن العبادات نفسها سياسة وعقيدة ومبدأ
وحياة، فالإسلام الذي يوصلنا إلى الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه هو الإسلام
الذي تكون الصلاة فيه مظهراً سياسياً كما يقول قدس سره: "اسعوا للصلاة واحيوا هذه
السنة السياسية في الإسلام.. لا تغفلوا عن صلاة الجمعة والجماعة أبداً، فإنهما
المظهر السياسي للصلاة. والنمط الذي يحكم علاقتنا بالقران لا ينبغي أن يقتصر على
جانب دون آخر: يجب أن يكون القران حاضراً في جميع شؤون حياتنا". وفي مجال العلاقة
مع المسجد: "المسجد هو مركز الاجتماعات السياسية.. المسجد أحد خنادق الدفاع عن
الإسلام والمحراب محل للحرب". وفي مجال الحج يقول قدس سره:
"منذ بدء الحج لم يكن
بعده السياسي أقل أهمية من بعده العبادي. وبالنسبة لعاشوراء إحياء عاشوراء مسألة
سياسية وعبادية هامة جداً..".
* العمل في نطاق الجماعة
إن نصرة صاحب العصر والزمانعجل الله تعالى فرجه لا يمكن أن تتحقق بعيدا عن
الانتظام الجماعي والانضباط العام، وإن العمل على تأمين مقومات النصرة يستدعي من
الأنصار الانخراط في التشيكلات التعبوية والجهادية وتحمل المسؤوليات إزاء هذا
الواجب المقدس. وقد جاء مدح الأنصار في الروايات في سياق العمل الجماعي "يقومون
بإذن اللّه فيدعون إلى دين اللّه"، "يؤيد اللّه بهم الدين" فهذه
العبارات تدل بوضوح على أن الروح الحاكمة على أنصار الإمام المهدي عجل الله فرجه
وهي روح الجماعة المنضبطة والمنظمة كما لا يخفى.
* الانتظار يعني العمل الجاد
لم تعد المهدوية مجرد تعبير أو فكرة أو علامة استفهام تخطر في عقول البعض، وإنما
صارت عاطفة جياشة، تملأ الوجدان، وتوقظ الضمائر، وتحرّك الشعوب، وتتحرق لها القلوب
شوقا ولهفة، وتلهج بها ألسنة المحبين: "اللهم اجعلنا في حزبه.. القوامين بأمره..
الصابرين معه". كما لم يعد خافيا أن الانتظار يتنافى ويتعارض مع السكون وترك العمل
والتثاقل إلى الأرض، بل صار مقترنا في الأذهان بكل عمل حي وجهد مستمر ونشاط فعال.
وقد قرن الإمام الصادق عليه السلام الانتظار بالعمل في الحديث المروي عنه عجل الله
فرجه: "من سره أن يكون من أصحاب القائم عجل الله فرجه فلينتظر وليعمل بالورع ومحاسن
الأخلاق وهو منتظر". وعليه فالانتظار يستلزم العمل، ومن هنا فلا عذر لأحد في ترك
القيام بالواجب الملقى على عاتقه، وكما يقول الإمامقدس سره: "إننا نريد أن نحافظ
على الإسلام، وذلك لا يتم بالاعتزال ولا تتصوروا أن المسؤولية ستسقط عنكم إذا
اعتزلتم بل إنها ستتضاعف عليكم".
* القيام وإعداد القوة
ما زال نداء الإمام الخميني قدس سره يملأ الأسماع
والآفاق:
"يا مستضعفي العالم، انهضوا واتحدوا، واطردوا الظالمين فإن الأرض للّه وورثتها هم
المستضعفون. وهو يعلمنا أن لا نخشى من إهراق الدماء إذا كان في ذلك رضا للّه تعالى،
أمير المؤمنين عليه السلام الذي كان يحيي الليل في العبادة متخشعاً ومتهجداً كان
سيفه يقطر من دماء الأعداء نهارا، وصاحب العصر والزمانعجل الله تعالى فرجه سوف
يزيل شوكة الظلم ويبني دولة العدل بالسيف والجهاد والاستشهاد"، وكما يقول الإمام
قدس سره فإن النصر يتطلب القيام والاستشهاد: "الشهادة رمز النصر.. الموت الأحمر
أفضل من الحياة السوداء". والقرآن الكريم يأمرنا بإعداد ما استطعنا من القوة ومن
رباط الخيل لإرهاب عدو اللّه به، والروايات تشير إلى ضرورة إعداد ولو سهم لنصرة
الإمام عجل الله تعالى فرجه كما تشير إلى صلابة وبأس أنصاره ففي الرواية الواردة في
ينابيع المودة عن أبي بصير، قال: قال جعفر الصادق عليه السلام:
"ما كان قول لوط
عليه السلام لقومه: لو كان لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد إلا تمنياً لقوة القائم
المهدي وشدة أصحابه. وهم الركن الشديد، فإن الرجل منهم يُعطى قوة أربعين رجلاً، وإن
قلب رجل منهم أشد من زبر الحديد. لو مروا بالجبال لتدكدكت، لا يكفون سيوفهم حتى
يرضى اللّه عز وجل".
* الولاء للفقيه العادل
إذا كانت المعالم التي ترمي إليها حركة الإمام المهديعجل الله تعالى فرجه قد أصبحت
اليوم أكثر وضوحا وجلاءاً فإنما ذلك ببركة التوجيهات المباشرة لمقام الولي الفقيه
المعظم الذي يقوم بدور خطير في عصر الغيبة وهو النيابة العامة عن الإمام الحجة عجل
الله تعالى فرجه، وبمقتضى هذه النيابة العامة التي أثبتها الإمام الخميني المقدس
فكرا وسلوكا، فإن الطاعة للإمام الحجة عجل الله تعالى فرجه لا بد أن تمر من خلال
طاعة الولي الفقيه، وإلا فكيف يمكن أن نقوم بواجب النصرة له، وفي نفس الوقت نخالف
أوامر وتوجيهات نائبه العام؟!! فالطاعة للولي الفقيه إنما هي طاعة للشريعة والقانون
الإسلامي المتمثل بشخص الولي في عصر الغيبة، ومن هنا كان من اللازم العمل على إقامة
الحكم الإسلامي، يقول الإمام قدس سره: "الحكومة الإسلامية هي حكومة القانون الإلهي
على الناس". ويقول في محل آخر:
"ولاية الفقيه هدية اللّه تبارك وتعالى للمسلمين".
* الاهتمام بقضايا المسلمين
يمكن أن نتلمس بعض الأهداف التي تصبو إليها الحركة المهدوية من خلال الملامح العامة
لنهج الإمام الخميني قدس سره فقد شدد على ضرورة اتحاد المسلمين لمواجهة المستكبرين
في الأرض، بل اعتبر الدعوة إلى الوحدة أساس الإسلام: إن الدعوة إلى الإسلام في
الأساس دعوة إلى الوحدة. كما دعا إلى الاستقلال وعدم الركون لغير اللّه تعالى:
"لا
فرق عندنا بين الشرق والغرب، إننا وبالتوكل على اللّه وبمعونة شعبنا الشجاع سنحصل
على الاستقلال الحقيقي". ومن ناحية ثالثة لفت أنظار الأمة إلى قضاياها الأساسية
التي لا ينبغي التغافل عنها: "القدس ملك للمسلمين ويجب أن تعاد إليهم.. يوم القدس
هو يوم الإسلام". فالمشاركة في تفعيل أمثال هذه القضايا الأساسية هي حتما نوع من
التمهيد للظهور المبارك وتدخل في نطاق النصرة له عجل الله تعالى فرجه ولو قبل حين.
وأخيراً، فإن هذه التوجيهات النورانية للإمام الخميني قدس سره تعتبر - بلا شك -
المنارة التي تضيء لسالكي درب الإمامعجل الله تعالى فرجه الطريق ليعبروا إلى عصر
جديد وفجر قريب نسأل اللّه سبحانه أن يجعلنا ممن ينتصر به لدينه والحمد للّه رب
العالمين.