مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

هل جد الإمام المهدي عجّل الله فرجه مدفون في بلدة شمع؟


إعداد: د.حيدر خير الدين


يزين مزار شمعون الصفا بلدة شمع وتزيّن بلدة شمع المنطقة باحتوائها لضريح ولي من أولياء الله وهي تتفاخر بهذا المقام لاتصال نسب الإمام الحجة بن الحسن‏ عليه السلام به حيث تعبق في رحابه وتدور في أرجائه الكرامات والفضائل والحوادث التي تقوِّي هذا الاعتقاد الراسخ ليس بين أهل هذه البلدة فحسب وإنما مع الجوار وبلاد عاملة، فالناس يفدون إليه وينذرون عنده ويتباركون فيه ويستشفون به ونظراً لقداسته وقدمه فقد أعطى اسمه للبلدة فغدت تعرف ب "شمع" التي تتبع قضاء صور وتبعد عنها مسافة عشرين كيلومتراً فيما تبعد عن العاصمة بيروت مسافة 99 كلم وترتفع عن سطح البحر حوالي 350 م‏2 وهي تقع على هضبة مرتفعة ويتوسطها المزار المبارك الذي جاء بإزاء قلعة أثرية مساحتها حوالي 15000م‏2، ولا غرو أن يتحصّن فيها الصهاينة واللحديون في احتلالهم للجنوب حيث قاموا بسرقة بوابة المزار الضخمة ونقلها إلى عكا ثم عمدوا إلى تحويل الموقع الأثري إلى ما يشبه الثكنة العسكرية حيث هدموا العديد من الجدران والأبنية لأهداف عسكرية. وتشير ضخامة بناء المزار إلى أهميته الدينية وقداسته في مختلف العصور التي عايشها.

* فمن هو شمعون الصفا؟
- قيل: إنه نبي من ذرية هارون، وهو الذي كان في زمن القائد الرَّباني طالوت. وقيل انه وصي النبي عيسى‏ عليه السلام الذي يرجع نسب السيدة نرجس والدة الإمام المهدي ‏عجل الله تعالى فرجه إليه؛ إذ تذكر الوقائع التاريخية أن نرجس كانت من بنات ملوك الروم وأن أمها من ولد شمعون الصفا وقد أراد جدها قيصر تزويجها وهي ابنة ثلاث عشرة سنة من ابن أخيه وقد اجتمع الناس في قصره من نسل الحواريين والقسيسين والرهبان ثلاثمئة رجلٍ ومن ذوي الأخطار سبعمائة رجل ومن أمراء الأجناد وملوك العشائر أربعة آلاف رجل، وقبل أن يتم الزواج تساقطت الصلبان وانهارت أعمدتها وفرَّ الملك من عرشه مغشياً عليه فتشاءم جدها قيصر ومن حوله من الأساقفة ولم يتم الزواج فرأت نرجس في تلك الليلة طيفاً وكأنها في مجلس جدها وقد اجتمع بها المسيح وشمعون الصفا وبعض الحواريين، ودخل عليهم النبي محمد صلى الله عليه وآله في جماعة من ولده فيهم أبو محمد الحسن‏عليه السلام فخطبها النبي إلى حفيده ورحب المسيح بطلبه وتم الزواج بينهما في حديث طويل، فلما استفاقت نرجس كتمت أمرها مخافة القتل حتى رأت في المنام أن الإمام الحسن العسكري أتاها واخبرها بان جدها سيحشد جيشا لحرب المسلمين وأمرها أن تخرج مع الجيش وتقع أسيرة في يد المسلمين، وبالفعل خرجت مع جيش الروم ووقعت أسيرة بيد الجيوش الإسلامية المظفرة وسيقت إلى سوق النخاسين ببغداد للبيع، فأرسل الإمام العسكري‏ عليه السلام من يشتريها بكتاب عرفته في المنام فجي‏ء بها إلى سامراء حيث يقيم الإمام‏ عليه السلام فبشرها بمولود مبارك يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً.

* فمن هو صاحب مرقد "شمعون" في بلدة شمع؟
إفادة المؤرخ الأمين‏

في البداية أذكر ما حدثني به المؤرخ الكبير السيد حسن الأمين قائلاً: "إن جبل عامل يقع ضمن الأرض المقدسة التي باركها الله تعالى أن العديد من هذه المزارات التي تكلل جباله وهضابه وسهوله هي للأنبياء والأولياء والعباد والزهّاد وان تاريخها مجهول وأخبارها منقطعة تماماً وان البت فيها بشكل قطعي أمر مرفوض ومغالط من الناحيتين العلمية والدينية ما لم تكن هناك وثائق أو حجج أو أخبار موثوقة، وان شمعون الصفا هذا لعله وصي النبي عيسى‏ عليه السلام وذلك لأمرين، الأول، لعدم اعتراف اليهودية به وزيارته كما كانوا يفعلون قديما قبل قيام الغدة السرطانية "إسرائيل" بزيارة قبور أنبيائهم في "سجد" و"بوركاب"، أما الثاني لكون جبل عامل يقع ضمن مسرح النبي عيسى‏ عليه السلام ودعوته المباركة".

* شهادة ابن البلدة
ويؤيد الأستاذ علي جابر ابن البلدة الذي يتابع أخبار المزار هذا الاعتقاد، وذلك لوقوع العديد من الكرامات والأحداث التي تنبى‏ء عن كونه جد الإمام المهدي‏ عجّل الله فرجه، ولعل بناء مسجد الإمام العسكري‏ عليه السلام في القليلة هي إحدى هذه الكرامات التي يتناقلها الناس باستمرار، كما أن النذور الموهوبة لحضرته‏ عليه السلام تجعله في مقدمة الأماكن المقدسة لدى الناس عموماً، ويندر أن نجد مزاراً في المنطقة له من التبرعات كما للنبي "شمع" ولذلك فما غادره الصهاينة واللحديون منهزمين عام 2000م حتى سارع الأهالي إلى ترميمه وفق القواعد الأثرية وبإشراف مديرية الآثار وذلك لكون البناء قديماً جداً ، حيث يرجّح تاريخه بحوالي 600 سنة.

* صورة المزار
يتألف المزار من رواق خارجي محمول على "ثلاثة عقود تحملها أعمدة حجرية ضخمة، ويتخللّ الرواق مدخلان: الأوَّل على يمين الزائر وهو الرئيسي يؤدي إلى غرفة مربعة ذات عقود متداخلة تحمل مثبتين وقد أقيما فوق ضريح النبي مباشرة الذي يعلوه قفص خشبي، وعند أطرافه أكواز نحاسية لا تزال تحمل عطراً فواحا رغم تقادم السنين ورغم غسلها عدة مرات، ويقع الضريح المبارك في أسفل البئر، ويتوسط الجدار الجنوبي محراب متواضع، وبإزاء الغرفة من الجهة الشرقية غرفتان متلاصقتان بنيتا فيما بعد وذلك لتداخل العقود بينهما وللاختلاف الواضح في نوع الحجارة وطريقة البناء، الأولى فتحت على الضريح مباشرة فيما الثانية والتي تعرف ب "أم النبي" فهي للجهة الجنوبية، وتقوم في الجهة الشرقية للمزار مئذنة حجرية ترتفع حوالي 17م وعند مدخلها ثبتت لوحة حجرية عسرة القراءة تم العثور عليها عند كحط الورقة الخارجية، وتنتشر في باحة المزار الأضرحة من كل جانب وقد اختلط قديمها بحديثها وذلك للتبرك بحفرته المشرّفة وعند الزاوية الشرقية للحفرة درج حجري ينزل إلى صهريج حجري مخصص للماء حيث بني عقد كبير يستوعب كميات ضخمة من مياه الأمطار وتشير سعته هذه إلى قدرته لاستيعاب آلاف الزوار الذين كانوا يتقاطرون إليه لا سيما في الخامس عشر من شعبان وفي أيام عاشوراء، هذا الصهريج جاء مشابهاً إلى حد بعيد بالصهريج الذي اكتشف عند النبي عمران في القليلة عندما قصفته الطائرات الصهيونية أثناء عدوان نيسان عام 1996م. وبجوار المزار من الناحية الشرقية عدة غرف أقيمت ملاصقة لإيواء الزوار والضيوف ممن شدوا الرحال إلى شمعون الصفا، وتشير كتابة على حجر رخامي مبنية على يسار مدخل إحدى الغرف إلى تاريخ بنائها:

بسم الله الرحمن الرحيم‏
أوضة بل نزهة للناظرين غرفة مبنية للزائرين‏
في حما شمعون زادت رفعة إذ له فضل وسر مستديم‏
أيها الزوار طبتم أنفسا فاقصدوها نعم دار المتقين‏
جاء في التاريخ عز كامل ادخلوها بسلام امنين‏
أُنشى‏ء هذا المكان بعون الله وتوفيقه بأمر الشيخ حسين خاتون‏
وبسعي الشيخ نور الدين سنة 1100هـ


* المزار بقلم رحالة
لم يذكر المزار احد من الرحالة والمؤرخين باستثناء عبد الغني النابلسي الذي أتى على وصفه في رحلته المسماة "الحقيقة والمجاز في رحلة بلاد الشام ومصر والحجاز" حيث زاره بتاريخ 19/2/1105هـ المصادف ل 17/11/1693 فقال عنه: "حتى مررنا على قبر شمعون الصفا ونحن في غاية المسرّة والصفا وقبره على جبل عالٍ وهو مشهور بين أهل تلك البلاد انه من الأنبياء أولاد يعقوب عليهم السلام أو من الأحفاد وعندنا في دمشق في الغرب من مقبرة باب الصفير بين البساتين من جهة محلة الشاغور قبر كبير يقال انه قبر شمعون الصفا والله اعلم بمن ظهر من ذلك ومن اختفى". وفي كتاب الزيارات للهروي في أوله عند زيارته لحلب قال: والصحيح أن شمعون الصفا في مدينة رومية الكبرى في كنيستها العظمى في تابوت من الفضة معلق بسلاسل في سقف الهيكل والله اعلم.

فوقفنا بالقرب من ذلك ودعونا الله تعالى بعد قراءة فاتحة الكتاب وإهداء ثوابها لذلك الجناب ثم قلنا في النظام في رفيع ذلك المقام من الوافر:
|

وأكملت المسرّة والهناءُ

بشمعون الصفا زاد الصفاء

وذلك القصر طاب له الوفاءُ

وأشرقت المعالم والروابي

بقبر ثم زَوْرَتُه شفاءُ

على الجبل العظيم عظيم نورٍ

تبدّى منه للعين الضياءُ

مررنا في الطريق عليه حتى‏

سقى الرحمن مرقده غماماً

له المدح وفي المدح ثناءُ

مدى الأوقات ما اضطربت مياه‏

يريك الصبح ذلك والمساءُ

بذاك البحر حيث سرى الهواء


إلى هذا المزار المبارك والمقام المقدس تشرئب الأعناق وتُسر النفوس وتحظى القلوب لان فيه عطراً من عبق الأئمة يفوح في حناياه وينتشر بين أرجائه فتحمله الرياح كمددٍ إلى فرسان المقاومة الذين وجدوا فيه رائحة المنتظر فشحذوا السيوف وكدوا الأقدام وعضوا على النواجذ ورموا أنظارهم ناحية المقدس أليس الصبح بقريب...

*****
 



1) أعيان الشيعة
2) سيرة الأئمة الاثني عشر
3) حياة أولي النهى‏
4) مروج الذهب‏
5) الإشارات‏
6) الحقيقة والمجاز في رحلة بلاد الشام ومصر والحجاز
7) الغيبة الصغرى‏
8) الإمام المهدي حقيقة لا خيال‏
9) حياة الإمام العسكري الشيخ الطبرسي
10) حياة الإمام العسكري للقرشي



 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع