نسرين إدريس قازان
شهيد الدفاع عن المقدَّسات تبارك عبّاس مظلوم (هادي صالح)
اسم الأم: فضة مظلوم
محل وتاريخ الولادة: بريتال 1/10/1994
الوضع الاجتماعي: عازب
رقم السجل: 75
تاريخ الاستشهاد: 19/5/2013.
الولد يحمل صفات تشبك حبّه في الفؤاد، فيصير النبضُ نغمة حبّ متواصلة. هذا ما كان يشعر به الحاج عبّاس مظلوم تجاه ولده السابع "تبارك"، فما قرّة الأعين في هذه الحياة إلّا فتنةٌ لقلوب الوالدين.
*لا تقل لاح وقت الرحيل!
كان يستاء مَنْ حول الحاج عبّاس مِنْ أهل وجيران كلّما سمعوه يوصي ابنه الشابّ: "عليك أن تنتبه إلى هذه المسألة، وأن تداري تلك، وأن تفعل كذا وكذا، فإنّ موعد الرحيل قد لاح على جبينك". فكيف لأب أن يقول لفلذة كبده هذا القول؟ ولكن من كان مثل الحاج، يُدرك جيّداً أنّ هذه القنطرة المحفوفة بالمخاطر ما هي إلّا عبور إلى الحياة الآخرة، وما حمله "تبارك" من صفات روحيّة يؤهّله ليكون شهيداً، والشهادة منية العاشقين... لم يهتمّ الحاج عبّاس بتربية أولاده العشرة تربية صالحة فحسب، بل زرع في نفوسهم الحميَّةَ والإباءَ وعِشقَ الجهاد منذ نعومة أظافرهم.
*أسرة مجاهدة راضية
"تبارك". ويا له من اسمٍ قرآنيّ يحمل الكثير من المضامين.. وكان جدّ الحاج عبّاس قد لُقِّب بهذا الاسم لما اشتهر به في زمانه من التديّن والورع والكرم والجود والحكمة، فظلّت سيرته متواترة عبر الأجيال.
في قرية بريتال، عاش "تبارك" حياته في عائلة كبيرة، كدّ الأب كثيراً وتعب لأجل إعالتها، فكان إلى جانب عمله، منضمّاً إلى صفوف التعبئة العامّة لحزب الله، يجاهدُ في سبيل الله ولأجل عائلته.
كبر "تبارك" أمام هذا النموذج الصالح، وتحت ناظري أمٍّ أحرقت أيامها لتضيء منزل أسرتها، فكانت رغم ضيق الحال تقطف السعادة قطفاً، فالرضا والقناعة كنزها الذي لا يفنى.
وإذا كان لكلّ فرد من اسمه نصيب، فإنّ لـ"تبارك" الحظّ الأوفى من اسمه، فقد تميّز منذ صِغره بوعيه المُبكر وهدوئه، ودفء لسانه، ما جعله محبوباً كثيراً إلى الآخرين، ولم يكن في لعبه مع أقرانه عجولاً ومتهوّراً، فإنْ وقع خلاف في حضوره، وقف مع الحقّ من دون أن يسبّب له ذلك أيّ إحراجٍ حتّى لو كانت المشكلة مع أخيه.
*إصرار وتحدٍّ لطاعة الله
ومن نِعَم الله على المرء أن يولد ويكبر في بيئة متديّنة، فعندها يختلطُ فَهم التعاليم الإسلاميّة بالطعام والشراب. وهكذا "تبارك"، كان ابن خمس سنوات حين قرّر الشروع بتعلّم الأحكام الشرعيّة والالتزام بأدائها، وإذا ما نهاهُ والدهُ عن فعل بعضها رأفةً به، زاد إصراره متحدّياً عمره وصحّته والبيئة المحيطة.
بهذا العنادِ الداخليّ الذي حمَلَه، بنى "تبارك" شخصيّته، فكان واثق الخطى مقداماً، التحق صغيراً بكشافة الإمام المهديّ |، ولم يستطع الانتظار لبلوغ السنّ التي تؤهّله للانضمام لأولى الدورات العسكريّة، فطلب إلى والده مساعدته في ذلك، خصوصاً وأنّ بنيته الجسديّة كانت عاملاً مساعداً. فنجح الأب بإلحاق ولده في الدورة، لتتوالى الدورات مُراكماً بها خبرة مهمّة في ظرفٍ زمنيّ قياسيّ.
نظّم "تبارك" وقته بين عمله والجهاد، دأبهُ دأب أبيه، أمّا السهراتُ فكانت تحلو بوجود الأصدقاء تحت سقف حديث والده الذي غالباً ما يدور في فلك الجهاد ونصائح مهمّة حوله.
*رضا الوالدين سعادة
لم يحمل "تبارك" همّ شيء من شؤون الدنيا، فما كان يتقاضاه مقابل عمله، كان يسلّمه لأمّه كما هو، فما معه هو ملك للجميع. ومع بلوغ "تبارك" سنّ الشباب اتّفق الإخوة على الشروع ببناء منزل له فوق منزل الأهل، فحرص "تبارك" على تخصيص جزء منه لوالديه وصمّمه بناءً لما فيه راحتهما.
عندما يعود "تبارك" من عمله، كان أوّل ما يقوم به قُبيل وصوله إلى باب الدار، هو شمّ محيط البيت لمعرفة ما إذا خبزت أمّه أم لا، فرائحة الخبز التي تعبق بالمكان تفتح مسامات قلبه وكأنه يتنفّس من رائحة خبزها الحياة، فيسارع إلى حيث وضعتها لِيَلْتَهم ما طاب له من خبزٍ بلذّةٍ غريبة.
*بالضحك كان يخفّف الهمّ
عُرف "تبارك" منذ صغره بالكرم والسخاء وحسن الضيافة ومحبّة الناس، فكان يوزّع شهريّاً على ثلاثين عائلة فقيرة اللّبن والخبز، في وقت قد لا تجد في جيبه قرشاً واحداً. وكذا الأمر مع رفاقه، فهو الصديق المرح الذي لا تفارق البسمة وجهه، والذي يعرف كيف يجعل من الضحك باباً لتخفيف همّ المهموم، ونافذةً للبدء بالتفكير في حلول ناجعة.
نالت هذه الشخصيّة احترام الناس ومحبّتهم، وبدر منها في الكثير من المرّات لمحات روحيّة تشي بأنّ شيئاً قريباً ينتظرُ هذا الشاب، وأجاد والده قراءة تلك الأمارات، فربط على قلبه، وبدأ يوصي ولده بوصايا، تساعده على لحظات العبور، وخصوصاً أنّ الحرب مع التكفيريين كانت قد بدأت تشتدّ.
*البشرى بالنصر... والشهادة
اتُّخذ قرار تحرير مدينة القصير الحدوديّة، فتوجّه فرسان بواسل إلى هناك، كان "تبارك" واحداً منهم، وكانت نقطة انطلاقته من مقام السيّدة خولة عليها السلام في بعلبك، حيث أوصله والده وودّعه، فصلّى صلاته قبيل الانطلاق، وتوجّه إلى معركة حامية الوطيس، وكغيره من المجاهدين لم يَهِن على الرغم من الصعوبات الجمّة التي واجهته والمجاهدين. وعندما سنحت له الفرصة اتصل بوالده الذي سأل عن مجريات المعركة أكثر ممّا سأل عن صحّة وسلامة ولده، وكلّما شعر بقلبه يكاد يطلع من صدره خوفاً وشوقاً لرؤية ولده، قال له: عليكم بحسم المعركة قريباً.. فأجابه "تبارك": أبشر بذلك.
وكانت البشرى شهادة، شهادة تمنّاها الأب لنفسه منذ سنوات طويلة، فحرمته منها ظروفه الصحيّة، ولكن ما هو أعظم من تقديم النفس، تقديم فلذة الكبد، ولا يوفّق إلى هذا إلّا ذو حظّ عظيم.
العراق / بغداد
نزار راضي الكعبي
2016-02-09 09:52:43
رحم الله شهدائنا الأبرار الذين قدموا حياتهم لنا حتى نعيش بكرامه ، ففازوا بالخلود . شكرا لنشركم المحترم ووفقكم الله