نسرين إدريس قازان
اسم الأم: سلاف العلي
محل وتاريخ الولادة: شقراء 31/12/1987
الوضع الاجتماعي: خاطب
رقم السجل: 291
تاريخ الاستشهاد: 19/7/2013
*سيماء الراحلين
وسرعان ما كان الخبر اليقين.. بلى لقد كان عليّ هناك في معركة ضروسٍ مع التكفيريين،
وكانت مهمّته إسعاف الجرحى، ولكنه أصرّ على مسؤوله إيفاده مع أربعة مجاهدين لتنفيذ
مهمّة صعبة، ولقد رفض الأخير بداية لأنه يعلم أنّ عليّاً قد حدَّد موعد زفافه. لكن،
وبعد أن قال له إنّه أجّل موعد العرس بالتوافق مع خطيبته، وإنّه لن يصيبنا إلّا ما
كتب الله لنا، أذِن له، فللراحلين سيماءٌ تتجلّى في لحظة اقتراب العروج وأحد لا
يستطيع الوقوف أمامها.
وبين الرصاص قضى ساعات يقاتل، إلى أن أصيب رفيقه علي وهبي، فهرع عليّ لإسعافه،
وبينما هو منشغل بمداواته، عاجلته رصاصة في رأسه، فسقط على أثرها شهيداً وهو
يكبِّرُ عالياً ثلاث مرات، فامتزجت دماؤه بدماء رفيقه الذي سرعان ما لحق به.
*نثرت الورد والأرز
في شقراء تلك البلدة الجنوبية التي تزيّنت لقدوم العريس، انتظرت الأم فلذة كَبدها،
وقد هيّأت له الزفّة، فوضَعت بدلة العرس على النعش، ونثرت الورد والأرز والزغاريد،
وألبست عروس ابنها خاتم الزواج، ومشت معها إلى مدفن القرية، ليُدفن حبيبهما في
المكان الذي حدّده لخطيبته قبيل انطلاقه إلى سوريا، حيث قال لها وهو يجلس بالقرب من
ضريح رفيق دربه وتوأم روحه الشهيد محمد جابر غريب: "هنا سيكون قبري.." ووضع
صخرة، وانطلقا آفلين، وفي قلب كلّ منهما حديثٌ صامت عن سفر لا رجوع منه اقترب
موعده. قبيل رحيله انتقى عليّ لعروسه هديّة أخيرة، وهي حجابٌ أسودُ، مبرّراً أنه
لأيام عاشوراء.. مدركاً أنها ستلبسه حين عودته..
*سعيداً بما منّ الله عليه
كان عليّ، منذ صغره، هادئاً ساكتاً ومطيعاً، فإذا ما قالت له أمه: "اجلس هنا ولا
تتحرك"، يقبع مكانه حتى تأذن له. كان يحرقُ قلبها وهو يحتار كيف يجعلها سعيدة
ومرتاحة البال فيساعدها في متابعة إخوته ويتحمّل معها مسؤوليّات المنزل بغياب والده
الذي يكدّ طوال النهار لأجلهم.
وكان يتابعُ، أيضاً، دروساً ثقافية ويشارك في أنشطة كشافة الإمام المهدي عجل الله
تعالى فرجه الشريف. وقد تأثّر عليّ كثيراً بسِيَر الشهداء من أبناء قريته، الذين
ذاقوا مرارة الاحتلال وعاشوا أصعب مراحل الجهاد في سبيل الله، فلم ينسَ طرفة عين أن
الاستقرار الذي يعيشون فيه هو نتيجة بذل الأرواح، ودماء الشهداء.
*في ركب المقاومة
لم يكن قرار الالتحاق بركب المقاومة مستغرَباً لدى والديه. وعندما حزم حقيبة الدورة
العسكرية الأولى، كان في الرابعة عشرة من عمره. يومها ودّع والديه وكأنّه ذاهب في
رحلة.
فرّغ عليّ وقته كلّه للعمل، وبين الدورات العسكرية المتلاحقة، وأوراق الكتب التي
عشق مطالَعتها، واغترف منها، ما أغنى عقله وقلبه، قضى أيّامه التي كانت كلّما انقضى
منها يوم أفصح عن تجلٍّ من تجلّيات التميّز والفرادة، حتى إنّ بعض أصدقائه في العمل
سألوا والدة عليّ إنْ كان ابنها منذ صغره على هذا المنوال أم أنّه ربّى نفسه ليصل
إلى ما وصل إليه؛ فهو متسامح لا يزعجه شيء، ومحبٌّ لا يملّ من إغداق الاهتمام على
مَنْ حوله، ودائماً يضع نفسه موضع المسؤول عن الآخرين، فيخدمهم، ويقضي حوائجَهم.
أحبّ عليّ التصوير والصيد، وبرع في كليهما. ففي الصيد تمرَّس إلى حدٍّ لم يكن
يتجرّأ أحد على منافسته في دقّة الإصابة مهما كان الهدفُ صغيراً، وهذا الأمر ساعده
كثيراً في عمله الجهادي.
*الإيمان في مواجهة الكفر
شارك عليّ في العديد من المهمات الجهادية، حتى قبيل التحاقه بصفوف المقاومة، فقد
رفض إبان حرب تموز 2006 مغادرة القرية، وبقي فيها إلى أن ألزم المجاهدون جميع من
بقي في القرية بالخروج منها حفاظاً على حياتهم. ومع اشتعال حرب التكفير كان مع
الثلّة التي انتفضت وأبت الضيم، ومن شام السيدة زينب عليها السلام، إلى القصير، إلى
حلب، تنقّل حاملاً سلاحه، وروحه الوثّابة تسابقه، وكيف لا يكون بذلك الشوق إلى
الشهادة، من يدرك قداسة هذه الحرب، التي برز فيها الإيمان في مواجهة الكفر، وطلب
الإصلاح في أمّة رسول الله محمّد صلى الله عليه وآله وسلم، ولمثل هذه الأيام يدخر
الصالحون أبناءهم، ولمثل هذا الموت يقدمونهم، فطوبى لمن أذن الله له بالقتال في
سبيله وبذل روحه عشقاً له.
وهناك في حلب اختار لنفسه الزفّة التي يريدُ، فارتدى بدلة عرسه والرصاصُ حوله يطلق
الزغاريد، ولما حان موعد الوصال، تناثرت حبيبات حمراء، كأنّها لؤلؤ مكنون، كما
الورد يُرشُّ في الأعراس.. وفي تلك اللحظة التي أغمض فيها عليّ عينيه عن هذه
الدنيا، وضع أخوه الصغير الذي يشبهه بكلّ شيء يده على قلبه صارخاً: "لقد استشهد
عليّ". كلمات هزَّت العائلة المجتمعة بعد الإفطار لغرابتها، وقامت الأمّ إليه تسكته
وهي تلومه على قوله: "عليّ في بيروت! لماذا قلت هذا؟". ويكأن حديثه فأل فراقٍ لا
يتمنّاهُ أحد، ولكنّه لم يستطع إلّا تكرار ما قاله من دون أيّ تبرير سوى أنّ قلبه
المتعلّق منذ نعومة أظافره بروح أخيه قد وشى له بالحدث الجلل، وكيف لأصابع الحبّ أن
لا تشعر إذا ما انسلَّتْ روح الحبيب من بينها؟!