مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

مشكاة الوحي: ولاية الله


"الولاية في اللغة تعني القرب. والقرب من المفاهيم الإضافية التي تنتزع من نحو علاقة بين طرفين كالأخوة والأبوَّة والبنوَّة والفوق والتحت وما إلى ذلك، والملاحظ أن هذه العلاقة قد تكون بين طرفين متوازيين كالأخوة، حيث يتساوى الطرفان الأخَوان وكالمجاورة حيث يتوازى المتجاوران في الانتساب إليها، وقد تكون العلاقة بين طرف عالٍ وطرف دانٍ كالأبوَّة والبنوَّة وكالفوق والتحت. والقرب الولاية عادة كالمجاورة يستعمل بين طرفين متوازيين، ولكن ولاية الله على عباده من النوع الثاني".


وعند الحديث عن ولاية الله لعباده يمكن أن يراد بها أمران:
الأول: القرب الذي يعبّر عن العلاقة التكوينية للعباد بالله تعالى، فهم عبيد مملوكون لبارئهم محتاجون إليه في أصل وجودهم، مفتقرون إليه في حاق كينونتهم، ولا يمكن لمخلوق منهم أن يستغني عنه تعالى طرفة عين، وإلاَّ استحال عدماً وأثراً بعد عين، وهو تعالى بولايته عليهم وربوبيته لهم يدبر لهم أمور المعاش ويهي‏ء لهم أسباب الحياة، فهذا ما يتساوى به جميع الخلق دون تمييز. ويدل عليه قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ، وكذلك قوله تعالى: ﴿أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، فهذه الولاية الناتجة عن خالقيته تعالى وربوبيته التكوينية وإحيائه للموتى عامة لجميع الكائنات، ويمكن أن يعبر عنها بالقرب العام.

الثاني: من معاني ولاية الله لعباده هو القرب الخاص للعبد المؤمن، المتقي، العامل للصالحات، الخالص لوجه الله تبارك وتعالى. فالقران الكريم تحدث عن أن الله تعالى يقرّب بعض العباد بشكل خاص ويدنيهم منه ويحبوهم بالكرامات الجليلة والأعطيات العظيمة، يجيبهم إذا دعوه ويلبيهم إذا نادوه، ويبتدئهم بالعطاء قبل أن يسألوه، حباً منه لهم، وهم المعبَّر عنهم بأولياء الله. قال تعالى: ﴿أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ". وقال أيضاً: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ.

ولكي يتحقق العبد بهذه الولاية الإلهية وهذا القرب الخاص لا بد من توفر مجموعة من الشروط نذكر منها:
1 - الإيمان: فكما لاحظنا في الآية السابقة حيث اشترط إجابة الدعاء بالاستجابة لله تعالى والإيمان به، فلا يمكن للكافر أن يكون من أولياء الله تعالى بل هو من أولياء الطاغوت. قال عزَّ اسمه: ﴿اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آَمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ.

2 - التقوى: وهي حالة إيمانية وملكة نفسانية تبعث على تجنب الوقوع في المعصية والحذر مما يؤدي إليها خوفاً من غضب الله تعالى وعذابه الأليم، لذلك فالله يحب المتقين وهو وليهم، أما الظالمون الذين يتعدون حدود الله فمبعدون عن الرحمة الإلهية. قال تعالى: ﴿إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ، ولذلك أيضاً كان أكرم الناس عند الله هو الأكثر تقوى ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ.

3 - الصلاح: قال تعالى: ﴿إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ، هذه الولاية هنا خاصة جداً، وهي من نصيب الصالحين. والصلاح على نوعين: صلاح في مقام الفعل وهو من لوازم الإيمان. وصلاح في مقام الذات وهو المقصود بهذه الآية الكريمة.

وطريقة تحصيل الصلاح في مقام الذات هو الارتباط بالقران، كما تنبه عليه الآية الشريفة:﴿الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وبالتالي فإن الذي يرتبط بالقران ارتباطاً كاملاً ويصبح خلقه القرآن فإنه ينال هذه الولاية الإلهية الخاصة. وهكذا يتبين أن الإيمان والتقوى والصلاح هي مرقاة تحصيل ولاية الله تعالى والقرب منه.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع