نسرين إدريس
الاسم: حسين مهدي محمد علي.
اسم الأم: دلال الحاج سليمان.
محل وتاريخ الولادة: بدنايل 27/10/1968.
الوضع العائلي: متزوج وله ولدان.
رقم السجل: 225
مكان وتاريخ الاستشهاد: طريق كوكبا حاصبيا 3/5/2000، الموافق لـ28 محرم 1421هـ.
إذا أردتُ أن أتكلم عن صفات الشهيد ومزاياه وجهاده، فإن هذا الوقت غير مناسب، وستأتي الأيام المناسبة لتشهد وحدها من هو الشهيد كربلا...
سماحة السيد حسن نصر الله دام ظله
هو المحرّم يمدُّ شرايين أساه عبر التاريخ، يحمل صدى صوت الحسين عليه السلام ليُشيّد أعتاب الحق في دنيا الباطل بنادقَ نابتةً كشقائق النعمان في حقول الأجساد المقطَّعة، فتزهر كربلاء وردة تقطرُ الدم لتسقي الحياة أرقى معاني العطاء.. كانت كربلاء.. وكان هو؛ هاجر إليها بحبه الخالص لساكني أديمها الشامخ فوق الكواكب.. ومنذ أن غاب وجهه الملائكي، صار للحياة طعمٌ آخر، ولونٌ باهتٌ يعكسُ رماديَّة الزمن المحبوكة أيامنا على أشواكه المدماة بدموع حنيننا.. مذ تلوَّنت جبهته بحبات التراب الحمراء، بكت النخيلات الباسقات على ضفاف الغاضرية، وضاعت تعابير حوافر الخيل العابرة إلى نينوى ملبية العشق الإلهي الأوحد.
حسين مهدي محمد علي، اسمٌ مركَّب من أسماء سفينة النجاة التي من ركبها نجا، ومن لم يتعلق بها لم يدرك الفتح، اسم كأنه ترتيب خاص يتقرب المرء به إلى الله، فكيف إذا ما تلاصقت هذه الأسماء بحروف كربلاء؟! وكيف إذا تمازجت مع شخصية رجل تعددت مزاياه حتى حارت العقول في حقيقة ما كان يمثله في حياته، من عمق إنساني، ورفعةٍ أخلاقية، وتفانٍ في الجهاد، وروح حسينية، وقبضة خمينية، مع ما أضفت شهادته في ذلك اليوم من أيار من أبعادٍ جعلت منه نقطة تفكرٍ يتوقف القلب عندها ليصلي..
الحاج كربلاء رجلٌ يمثل اختصاراً واضحاً للإنسان الإلهي الذي خرج من ضيق الجسد إلى رحابة الروح، وعرف تمام المعرفة كيف يُنير ظلام الدنيا بفوانيس دمع العبادة ودم الجهاد، كان فارساً لم تشهد الميادين أشجع ولا أربط جأشاً منه، يقاتل ببسالة الأبطال العاشقين للموت، يحمل في ذاته ثورة يؤججها إيمانه العميق بالله واليقين بالنصر المبين.. ولد الشهيد حسين في منطقة القبة طرابلس ضمن أسرة ملتزمة، بين خمسة صبية كان هو رابعهم، ولأن عمل والده ضمن قوى الأمن في مدينة طرابلس، كان حتماً عليهم العيش فيها، فنشأ وتربى هناك وانتسب إلى مدارسها حتى الصف الثالث المتوسط، حيث قررت العائلة أن تنتقل لتستقر في مسقط رأسها بدنايل، فأكمل دراسته الثانوية في متوسطة "حنة رياق" ونال شهادة العلوم الاختبارية، وقد انضم في هذه الأثناء إلى كشافة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجهم الشريف، وكان ذلك النشاط الوحيد الذي قام به الشهيد حسين أثناء متابعته دراسته الأكاديمية.
بعد نجاحه في المرحلة الثانوية انتسب إلى كلية العلوم في الجامعة اللبنانية زحلة الفرع الرابع عام 1986 ليتابع دراسته في العلوم الطبيعية، وكان في هذه الأثناء قد التحق بصفوف المقاومة الإسلامية، ليُصبح مجاهداً من مجاهديها الذين تركوا الدنيا لعاشقيها، وغادروها ليلتحقوا بركب الحسين عليه السلام في مسيرة الحق ضد الباطل.
لقد عايش الشهيد حسين كل المراحل المضطربة التي مرَّ بها لبنان، وأبت روحه أن تبقى حبيسةً داخل طموح الغد والمستقبل الزاهر، فأمسك بيده التي ما فارقت القلم بندقيةً جعلت نبض قلبه ذخيرتها، وسار مع الفجر في دروب محفوفة بالموت ليؤذن اذان الصبح تراتيل انتصار.. ولأن المقاومة كانت الحياة التي أراد أن يعيشها، ولأن حب الجهاد امتلك لبه، اختزل الشهيد حسين كل جوانب حياته وجعلها حياةً جهادية محضة، لا يقدم على شيء إلاَّ إذا كان لمصلحة المقاومة، ولا يفكر بشيء إلاَّ لخدمة المجاهدين. وبحقٍ، نستطيع القول أن الشهيد الحاج كربلا، بحزن عينيه المسافرتين إلى حد السيف يوم العاشر من المحرم، وبهدوئه الذي دثر به كل من عرفه وعايشه، وبجرأته الحاسمة، ونقاشه المنطقي، بحبه الشديد لآل البيت عليهم السلام، وانتظاره عند دروب الرصاص صاحب العصر والزمان عجل الله فرجه؛ بذوبانه التام بالإمام الخميني؛ بهجره للدنيا وهو لا يزال يتنقل بين حدودها؛ كان الإنسان الممزوجة طينته بالطهارة النورانية، التي كلما نظر إليها الفرد تعلَّم درساً من دروس الآخرة.. لقد عاش الشهيد حسين وبداخله تتردد أصداء كربلاء، يسمع في كل حين سيد الشهداء: "ما رأيت أصحاباً أبر ولا أوفى من أصحابي"، فيفتح صوت الإمام عليه السلام جرحاً في قلبه.. جرحاً تسيل حرقاته متمتمةً "لبيك يا حسين".
وحتى يقدم الشهيد كربلا أرقى خدمة في المقاومة الإسلامية، خضع لعدة دورات عسكرية اختصاصية في مختلف المجالات ما جعلته قادراً على تحمل مسؤوليات عدة، وتنقَّل طوال فترة عمره بين موقعٍ وآخر، بين الجنوب والبقاع، مشاركاً في أكثر من 70 عملية جهادية منها العديد من العمليات النوعية، وأهمها اغتيال إيرز غريشتاين، هذا عدا الدوريات الاستطلاعية في عمق المناطق المحتلة.
عندما تزوج الشهيد الحاج كربلا عام 1994 ورُزق بابنة وولد، أول ما تمناه أن يراهما يكبران ويجاهدان في سبيل الله، ويسيران على الدرب الذي اختطَّه بعزيمةٍ علوية، وإصرار حسيني. وقد اضطلع بمسؤولية المحور الشرقي في البقاع الغربي، ومسؤولية التعبئة في القطاع الثاني البقاع، وكان القائد المتواضع، والجندي المجهول، المحب الخدوم، الذي يرى المسؤولية تكليفاً على المرء أن يتعاطى معها بمنتهى الحساسية، ليكون خادماً مخلصاً للمجاهدين الذين باعوا لله جماجمهم.. وكان المربي، الذي كتب لتلامذته سطور تعاليمه بحبات العرق المنسابة من على جبهته، لترسم الدرب الوعرة النابتة بين شتول التعب، والألم، والتضحية والتفاني.. كان عندما تسطع بسمته الرقيقة على وجهه الحزين، تشرق الشمس وتغرّد الأطيار، وعندما يسقط شهيد، يحسب العمر الذي مضى، ويسأل الله ربه أن يختصر الغد الآتي.. وقد تأثر كثيراً بشهادة رفيق دربه الشهيد حسين مظلوم ولاء فتكفَّل ولده، واهتم به كثيراً ليسد القليل من الفراغ الذي يخلفه رحيل الوالد في قلب طفله، فكان نِعمَ الوفي لدماء الشهداء، وخير أبٍ لأيتامهم. من كان مثل الشهيد كربلا، ربى نفسه على مخافة الله، وأداء الواجبات بصمتٍ وجاهد في سبيله بسرية، حتى مآثره التي تغنت بها الدنيا بعد استشهاده، ما هي سوى غيضٌ من فيض عطاءاته..
بقي الحاج كربلاء، يقارع العدو الصهيوني طمعاً في شهادة تؤهله ليكون جندياً من جنود صاحب العصر عجل الله فرجه، فلم يكل، ولم يهدأ، ولم يعرف التعب طريقاً إلى سواعده التي بعزمها زرعت راية حزب الله على موقع الأحمدية أحد الحصون المنيعة للجيش الإسرائيلي، ولا هدأت نفسه الطالبة لرضا الله، إلاَّ عندما غزل شراع رحيله في ذلك اليوم من أيار 2000. كان نهار الأربعاء الواقع فيه 3/5/2000، عندما توجه الشهيد الحاج كربلا وزميله في الجهاد والمقاومة الشهيد القائد جلال رمَّال، للقيام بعملية نوعية في عمق الداخل المحتل، وكانت تلك العملية، حسبما قال سماحة الأمين العام لحزب الله، تعني للشهيد كربلا أمرين، أولهما أنها عملية نوعية تستهدف أسر إسرائيليين، وثانيها، معانقة لشهادة مضمخة بالدماء، وهو الحلم الذي طالما حمله الشهيد كربلاء على جفنيه.
وأينع زرع كربلاء على شط الجهاد أكفاناً بلون الشفق، ارتاح سيفه من صليل حفظته كل ذرة من تراب الجنوب والبقاع، وفتحت الأرض قلبها لتكون غمداً أخيراً ينغرس فيها جسد الحاج كربلاء المندى بالدماء.. وارتفعت روحه محلقةً فوق السماء، تروي للعالم أجمع قصة جديدة من حكايا مجاهدي حزب الله. ويبقى، أننا مهما حاولنا الاقتراب من حياة الشهيد الحاج كربلا، نجد أنفسنا لا نزال على عتبات الحديث نستجدي بضع كلمات نسترُ بها خجلنا أمام نجيعه الممتد من أرض الجنوب إلى الطفوف.. وتبقى وحدها دساكر الجنوب والبقاع، والفكر الذي لم يبزغ إلاَّ من بين سجدة شكر وجبهة كربلا، والشمس التي لم تعرف شعاعاً قبل أن تتمتم شفتيه دعاء العهد.. والمواقع المتفجرة بعزيمة إخوانه، والطرقات الممتدة أمام النصر الملون ببسمته وحزن عينيه.. تبقى الأيام التي رأته وهو يسير في قافلة المجاهدين ويلتحق بركب الشهداء، وحدها شاهدة وتعرف حق المعرفة من هو الشهيد كربلا..
* من وصية الشهيد حسين مهدي محمد علي الحاج كربلا:
باسمه تعالى
سيدي أبا عبد الله، علَّمتنا كيف ينتصر الحق على الباطل، علَّمتنا الثورة والإسلام، علَّمتنا التضحية والفناء في سبيل الله، هكذا صنعت وربَّيت أجيالاً على مرّ العصور يستشهدون ويجاهدون لنصرة الحق، وها هم الآن أبناء المقاومة الإسلامية والانتفاضة ينتهجون نهج الجهاد المقدَّس ضد أشد أعداء الله والإنسانية على مرّ العصور اليهود وأعوانهم. إلى إخوتي في المقاومة الإسلامية: أنتم أيها البواسل يا من عرفتم حقيقة وجودكم ووعيتم معنى الحرية، أنتم الذين ترجمتم شعار الحياة في موتكم قاهرين، أنتم رجال الظل تبنون مجد الأمة بدمائكم وتضحياتكم لترفعوا راية الحق، أنتم يا من تسهرون عندما تنام كل العيون وتظمأون ليرتوي العطاشى وتجوعون ليأكل المحتاجون، أنتم يا فخر الأمة السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، اصبروا على الأذى واجعلوا صبركم من الإيمان كمثل الرأس من الجسد، واخلصوا في عملكم لله وأحيطوه بالسر والكتمان وتذكروا الشهداء والاستشهاديين لأنهم نوَّروا لنا الطريق.
أوصي كل أم مرضعة أن ترضع طفلها الحقد على اليهود وتربيه على حب الإسلام.
أوصي كل أب شريف أن يشجع ولده على قتال إسرائيل وينمّي له شجاعته وعنفوانه.
أوصي كل مدرِّس أن يعلم تلاميذه خطورة المشروع الصهيوني ويبيّن لهم أطماعهم الاستعمارية.
أوصي كل مجاهد وثائر أن لا يتراجع عن نهجه ومبدئه، وأن يقاتل إسرائيل حتى يكون له إحدى الحسنيين إما الشهادة أو النصر..
إلى أولادي: كنت أحب أن أرى اليوم الذي أجهزكم فيه وأنتم ذاهبون إلى المقاومة لقتال اليهود، كنت متلهفاً لأرى كيف تتدربون وتطلقون النار، كنت متشوقاً لرؤيتكم وأنتم تدافعون عن الإسلام لكن البركة في والدي وإخوتي فعليهم تقع المسؤولية الآن.