نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

شخصية العدد: بُريد بن معاوية من أوتاد الأرض

الشيخ تامر محمد حمزة

عن ابن أبي عمير عن جميل بن درّاج، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: "بَشِّر المخبتين [الخاشعين – المتواضعين] بالجنة: بريد بن معاوية العجلي، وأبا بصير ليث بن البختري المرادي، ومحمد بن مسلم، وزرارة، أربعة نجباء، أمناء الله على حلاله وحرامه، لولا هؤلاء انقطعت آثار النبوة واندرست"(1).
هي شخصيات أربع نالت شرف شهادة الوثاقة والصدق عند المعصوم عليه السلام وشرف الحفاظ على آثار النبوّة.


*البطاقة الشخصية والمكانة

بريد بن معاوية أبو القاسم العجلي، عربي، روى عن أبي جعفر وعن أبي عبد الله عليهما السلام ومات في حياة أبي عبد الله عليه السلام. وجهٌ من وجوه أصحابنا، وفقيهٌ له محلّ عند الأئمة عليهم السلام. وقال أحمد بن محمد بن سعيد: قال لنا علي بن الحسن بن فضال: "مات بريد بن معاوية سنة 150هـ"(2).
وقد ذكره الشيخ الطوسي رحمه الله في أصحاب الباقر عليه السلام وأصحاب الصادق عليه السلام(3). وأيضاً ذكره العلّامة الحلّي رحمه الله، فقال: إنه من حواريي الباقر والصادق عليهما السلام...(4).
وقال ابن داوود: هو أحد الأربعة المخبتين الذين اتفقت العصابة على توثيقهم وفقههم وهو أيضاً عند الجمهور [المذاهب الأخرى] وجه(5).

*بريد من أوتاد الأرض
مما أورده العلامة الكشيّ في حق بريد مسنداً عن جميل بن درّاج قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: "أوتاد الأرض وأعلام الدين أربعة: محمد بن مسلم، وبريد بن معاوية، وليث بن البختري المرادي، وزرارة بن أعين"(6).
وأوتاد جمع وتد، وهو ما رزّ في الحائط أو الأرض من الخشب. وقد استعمل القرآن الكريم هذا اللفظ ووصف به الجبال لبيان دورها وفعلها بالنسبة للأرض فقال: ﴿أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا * وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا(النبأ: 6-7).
وأطلق على هؤلاء الأربعة أنهم أوتاد الأرض؛ منهم بريد العجلي لأنهم يثبتون الناس على دينهم وعقائدهم بسبب ما ينشرونه من علوم لهم بعد أن يتحملوها من الأئمة عليهم السلام.
فنعتوا أنهم أعلام الدين يسترشد بهم من اتبعهم وأخذ عنهم.

*أصحاب أبي كانوا زيناً
على المستوى التربوي، كان الإمام الصادق عليه السلام يؤكد على أتباعه وشيعته أن يكونوا لهم زيناً ولا يكونوا عليهم شيناً. وأما أن يصل الأمر إلى أن يحدد أشخاصاً بأسمائهم وأنهم بلغوا هذه المرتبة فهذا لم يحصل إلا للنادر منهم. وقد تم هذا الأمر لبريد بن معاوية العجلي ولنظرائه كما في الرواية التي رواها داوود بن سرحان قال: "سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إني لأحدثّ الرجل بحديث وأنهاه عن الجدال والمراء في دين الله تعالى وأنهاه عن القياس فيخرج من عندي فيتأوّل حديثي على غير تأويله، إني أمرت قوماً أن يتكلّموا ونهيت قوماً فكلٌّ يتأوّل لنفسه يريد المعصية لله تعالى ولرسوله، ولو سمعوا وأطاعوا لأودعتهم ما أودع أبي عليه السلام أصحابه، إنّ أصحاب أبي كانوا زيناً أحياءً وأمواتاً، أعني زرارة، ومحمد بن مسلم، ومنهم ليث المرادي وبريد العجلي. هؤلاء القوّامون بالقسط، هؤلاء القوّامون بالصدق، هؤلاء السابقون السابقون أولئك المقرّبون"(7).

*الإمام يحفظ بريداً بطريقة القدح والذم
استعمل الأئمة عليهم السلام أسلوب القدح والذم لبعض أصحابهم كأسلوب من أساليب الحفظ لهم، حتى أنهم كانوا يعيبون على مَنْ يبثّ في الناس أخبار المدح فيهم؛ لما يشكّل من تهديد على حياتهم أو حياة الأئمة عليهم السلام وهذا ما حصل مع بريد العجلي.

*بريد قرين زرارة قدحاً وذماً
استعمل الإمام عليه السلام أسلوب الذم للحفظ كأسلوب الخضر عليه السلام حينما عمد إلى السفينة فخرقها وجعل فيها عيباً ظاهراً ليحفظها، وهذا ما حصل مع بريد وقرينه زرارة حينما أمر الإمام الصادق عليه السلام عبد الرحيم القصير بأن يأتي إليهما وليقل لهما: هذه البدعة؟ أما علمتم أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: كل بدعة ضلالة؟...

هذه الرسالة من الإمام بحسب الظاهر فيها ذم لهما، ويرغب الإمام بأن يذاع هذا الخبر حتى يصل إلى مسامع السلطة فتظنّ بُعدهما عن الإمام وأن لا علاقة لهما به. والذي يثبت لنا أنّ هذا الأسلوب هو لمجرد الحفظ لهما ولأمثالهما ما أورده "الكشي" في "ترجمة زرارة" من أن الإمام الصادق عليه السلام بعث برسالة إلى زرارة مع ولده عبد الله قائلاً له: اقرأ مني على والدك السلام وقل له: إني إنّما أعيبك دفاعاً مني عنك فإن الناس والعدو يسارعون إلى كل من قربناه وحمدناه لإدخال الأذى في من نحبّه ونقرّبه، ويرمونه لمحبتنا له وقربه ودنوه منا، ويرون إدخال الأذى عليه وقتْله ويحمدون كل من عبناه نحن، فإنما أعيبك لأنك رجل اشتهرت بنا وبميلك إلينا... فأحببت أن أعيبك ليحمدوا أمرك في الدين بعيبك ونقصك، ويكون بذلك منا دفاع شرهم عنك، يقول الله عزّ وجل: ﴿أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا (الكهف: 79)(8).


1.معجم رجال الحديث، السيد الخوئي، ج7 ص222.
2.رجال النجاشي: ترجمة برير العجلي.
3.رجال الطوسي: ترجمة برير العجلي.
4.الخلاصة، العلامة الحلي، ج1، ترجمة برير.
5.أعيان الشيعة، الأمين، ج3، ص558، عن رجال ابن داوود.
6.معجم رجال الحديث، م.س، ج4، ص197.
7.أعيان الشيعة، الأمين، ج3 ص558.
8.وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج30، ص374.

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع