عناقيد الغضب، هكذا أسمى الصهاينة حربهم على المقاومة الإسلامية، وقبلها شرم الشيخ التي أعطت الغطاء الدولي لإسرائيل بضرورة وضع حد لما يسمّونه (الإرهاب) والعناوين كثيرة تتعدد بألفاظها ومصطلحاتها إلا أنها تتوحّد في صب الجهود لجميع القوى المستكبرة لضرب الموحّدين أينما كانوا وأينما قطنوا ورحلوا وسافروا وهاجروا لا لذنب إلا أنهم أناس يتطهّرون وأنهم آمنوا بالله العزيز الحميد، وكأن أبناء الإسلام شرذمة أتت من اللاتاريخ ومن اللاجغرافياً الأرض، ولا انساب لهم ولا أصول متجذرة في عمق الأجداد ومتحدرة منهم، وكأنهم هم بلا هذه الجذور والأصول وليس الصهاينة، لذلك يجتمع المستكبرون في مؤتمراتهم ولا همّ لهم إلا أطهر وأقدس الناس، فهم دون غيرهم يجب أن يُزالوا من الوجود، وهم دون غيرهم يجب أن تفنيهم المجازر والمذابح، أما أبناء صهيون فلا بد أن تكون الناس كل الناس في خدمة مشروع دولتهم الكبرى أو العظمى، وما على من لا يُعجبه هذا المنطق إلا الإذعان مخافة أن يحصده منطق التقتيل والتشريد والتجزير.
أما ذنب المقاومة الإسلامية الوحيد هو أنها تبحث عن خلاص الشعوب وتسعى لإزالة الاحتلال، وهي لم تكن إلاّ ردة الفعل لفعل العدوان ولم تكن الفعل بذاته، ويبدو أن جرمها هو عين جرم النعجة إذا ما بدأت سكين الجزار تفري أوداجها فإذا ما صرخت متألمة وقامت ببعض الحركات المزعجة للجزار فإنها تسيء الأدب، لأن المطلوب منها المزيد من الأدب واللطافة لئلا تتلطخ ثياب الذابح بدماء ضحيته.
نقول هذا ونحن ندرك أن الخطاب العقائدي والسياسي للمقاومة لا طاقة لأحدٍ أن يسمعه إلا أن تفرضه هي على الجاحدين والمنكرين من خلال تصعيد العمليات الجهادية والنوعية والاستشهادية وقصف صواريخ الكاتيوشا، ولم يكن أحد قبل ذلك يحرِّك ساكناً أو يسكّن متحرّكاً، إلا بعد هذا الجهاد والعطاء والصواريخ، مضافاً لذلك فالمجازر التي ارتكبتها إسرائيل في ظل حرب عناكيب غضبها أو عطبها ﴿مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاء كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾ - العنكبوت والتي اختصرت في بلدة قانا وحصدت آلة حربها الرضيع والطفل والمرأة والعجوز، هذه المجزرة ومثيلاتها كمجزرة المنصوري والنبطية وسحمر هي التي أوضحت معالم الطريق وأعطت الوعي للناس، هذه المذابح ستبقى في الذاكرة والوجدان ولن تُمحى تلك المشاهد المأساوية من ذاكرة من شاهدها وبكى عليها دماً لا دموعاً.. وهي كفيلة لأن تفرض منطقها على من لم تُسمِعْه أذنه بحكم وقر الصدأ كل الكلمات التي تقال متغنية بالسلام الإسرائيلي، وهي جديرة بأن تفرض نفسها على كل من ﴿لهم قلوب لا يفقهون بها، ولهم أعين لا يبصرون بها..﴾.
فللدم لغة خاصة، وللمظلومية سحر مميز يلقف ما صنع سحرة عناقيد الغضب ويجعلهم في سكرتهم وخمرتهم التي اختمرت من حصرم الكرمة ليتحول قادة عناقيد الغضب إلى ما يشبه (جنون البقر) فتصبح الهستيريا هي سيدة الموقف، وقد فات الصهاينة أن يدرسوا معنى إراقة دماء الأبرياء الغاضبة على غضبهم وآثارها الايجابية مهما كانت مدمية، ذلك أن الدم الذي سال على أرض كربلاء هو الذي حطّم كبرياء القتلة وهشّم آلتهم الحربية، وهذا هو معنى انتصار الدم على السيف، وليس هذا وحده، فمن يراقب حركة سير الأحداث ويوميات الإجرام اليهودي في نيسان يدرك أن ألطافاً إلهية كانت دائماً تواكب مسيرة المقاومين.
فمن يصدِّق استمرارية العدوان بأشد ضراوته لفترة ستة عشر يوماً وتكون النتائج المعروفة؟
ومن يستطيع أن يتصوّر أن يقوم العدوان بأكثر من خمسمائة غارة ولا يحصل بها إلا المزيد من خيبات الأمل، ولا نقصد هنا تدمير المنازل وقطع الطرقات وقصف محطات الكهرباء والتجمعات المدنية الآمنة.
ومن يا تُرى يُنكر كيف سخّر الله للمقاومين الطبيعة بهوائها ومطرها وسحابها وضبابها؟ وكيف حماهم من بأس الرصاص والصواريخ والقذائف؟
وكيف كان يلهمهم وفي مواقع لا تُحصى أن ينتقلوا من مكان إلى آخر ولمجرد وصولهم إلى المكان الآخر يقصف الأول ويسلم حماة دينه؟
وكيف سلّم الله المجاهدين والذين كانوا يطلقون دفعات الصواريخ من حصاد القذائف المنهمرة، إلا أنهم كانوا دائماً يخرجون بأمان ليعاودوا إطلاق الصواريخ؟ فكما أرسل الله على أصحاب الفيل الطير من أبابيل ﴿تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ﴾وكما سخّر الله الهواء في طبس ليفشل مؤامرة كانت تستهدف الثورة الإسلامية في إيران وحياة الإمام الخميني الراحل قدس سره كذلك في لبنان حيث يفعل الله ما يشاء لنصرة المجاهدين، هذه القوى والألطاف الغيبية دائمة التجليات لمجاهدي المقاومة، حتى أنها صارت عندهم أكثر حضوراً من المحسوسات والملموسات، أما غيرهم ممن أزعجهم ما عليه المجاهدون من نصر وعزة فإنهم ولفرط غيظهم يلقون الكلام على عواهنه بدل الشكر لله على ما أنعم، حيث كان من الأجدر بهم الوقوف عند الظواهر العديدة لعناية السماء، فهداهم الله وهدانا والسلام.