هو طلال ذي الشقرة الملائكية والوجه الحيي الذي يذوب خجلاً إذا ما مدحت إحدى خصاله الجميلة..
لم أعرفه طفلاً رغم عهدي به وهو في السابعة من العمر، بل كان رجلاً خفيف النفس حتى تكاد لا تعرفه إلا من خلال توقده المتطاير شرراً من خطراته.. كنت أغبطه وأحسده على تلك الروحانية العالية بين جنباته والتي تخرج من ألقه المتوهج لقتال إسرائيل..
حينما حمل السلاح سراً أول مرة كنت ترى نقيضين يجتمعان ليكتبا حكاية من قصص الشهداء كان طفل الثالثة عشرة يحتضن رشاشاً والبراءة الشقراء تعانق فوهة أخافت أعتى مستكبري الأرض وأذلتهم..
جاء طلال من بلدته الطاعنة في الأسر بنت جبيل، يحمل أطناناً من الفرح بين خفايا لبِّه، هو الآن ينتقل من إنكار إسرائيل بالقلب واللسان إلى إنكارها بالسلاح وباليد..
تلاحقت روحه مع وجدان الأمة، ملاك وجواد، وغسان، وفضل اللَّه، وبلال وكلهم سبقوا أو لحقوا وكان هو ومن بقي ينتظر يوماً، يصرخ فيه بدمائه والأشلاء لبيك يا حسين، انتظر أربعاً وتألق سره أربعون أو أربعون ألفاً كألف سنة مما تعدون..
وفي الأربع تأبط بالجهادين، فكنت ترى نسوة الحي والقرية والمنطقة يقولون عجيب أمره وأمر إخوانه ألا يزلزلهم عن هذا الالتزام شيء، ماذا وضع الإمام الخميني قدس سره والشيخ راغب حرب رضي الله عنه برؤوسهم، فتجيبهم مباشرة وبدون تردد "بل قولوا ماذا نقل هذين المقدسين عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم وأحيوه في قلوبنا، ألم يحيىِ الإمام فينا سنة الثبات التي جاءت على لسان رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم: "واللَّه يا عم لئن وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره اللَّه أو أهلك دونه.."؟.
أستأذنك أيها الشهيد طلال في عليائك حتى أسرد سراً من أسرارك على أسماع الأشهاد، فلن تلومني نظرتك المعاتبة الآن إذا ما قلت لهم أنك جئتني في إحدى الأيام طائش الفكر حائراً تكاد الدمعة تفر من عينك وأنت تسرد لي كيف آذتك رؤية بعض شباب الحي يرتادون أحد نوادي اللهو والفساد، كدت يا أيها البلسم الحنون أن تخرجهم من دينهم، لولا بعض من شفقتك التي كانت تتعاظم إذا ما رأت المضللين المحجوبين عن عالم الآخرة، يومها يا أخي الشهيد حدثت نفسي بعد رحيلك "ما بال هذا الفتي طلق الدنيا قبل أن يبلغ الحلم ما باله ينعي إلي نفسه"..
أذكرك جيداً وأنت تدخل في نعيم مقيم عندما بدأت هجراتك الجنوبية، كم كنت أحب أن أحتفظ بطيفك حياً عندي عندما تعود بكل ذلك الجبل الجليدي من الصمت وأنت تقطف الوردة السادسة عشرة من عمرك في وعر التلال وصقيعها القارس وثلوجها الكاسرة.
يقولون لك مهلاً تبتسم وتنظر إلى صورة الإمام الخميني المقدس الذي كان حياً يومها، كأنك تسأله بالتخاطر: "أَوَتَرضى لنا التمهل يا بن رسول اللَّه"؟ ثم تتحول إلى كائن صامت وترحل إلى الأفق البعيد.. في المرة الأخيرة التي لامست يداي يداك وشفاهي جبهتك أحسست أني لم أمس منك إلا الجسد لأن رشح جبينك كان يصرخ أنك على وشك الالتحاق..
كان برداً قارساً قارساً تحت "موقع السويداء"، وكنت تمازح أحد الأخوة بكل رقتك المعهودة إطمأنوا بك ولم يدركوا السر إلا بعد دقائق حينما وفقت لأداء مهمتك ثم وفقت للشهادة قلت لهم وصلت قالوا من ألم الجراح قلت لهم "هيهات منا الذلة السلام عليك يا أبا عبد اللَّه" فصدقوا أنك عرجت بروحك إلى السماء..
* وصية الشهيد
بسم اللَّه الرحمن الرحيم
﴿وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾ السلام على سيدنا وحبيبنا وقائدنا ونصيرنا أبي القاسم محمد ابن عبد اللَّه والسلام على وصيه بالحق علي ابن أبي طالب وعلى الحسن والحسين الشهيد المظلوم بكربلاء وعلى ذريته ورحمة اللَّه وبركاته.
السلام على الإمام المنتظر صاحب العصر والزمان مالئ الأرض قسطاً وعدلاً بعد أن ملئت ظلماً وجوراً المهدي عجل الله فرجه الشريف ورحمة اللَّه وبركاته، السلام على نائبه الحق وقائد الثورة الإسلامية الإمام الخميني العظيم ورحمة اللَّه وبركاته.
السلام عليكم أيها الأهل الأعزاء والأخوة المؤمنين ورحمة اللَّه وبركاته، الدنيا دار ممر والآخرة دار مقر. أيها الأخوة علينا أن نعمل لتحسين مقرنا لأن هذه الدنيا زائلة فنحن لسنا أفضل من الإمام الحسين عليه السلام فالإمام الحسين قدم أولاده وأصحابه جميعاً قدمهم في سبيل اللَّه فنحن ماذا نقدم غير هذه الدماء وهذه الروح التي هي أمانة من اللَّه سبحانه وتعالى التي وهبنا إياها اللَّه.
وبعد: علينا أيها الأخوة أن نحضر أنفسنا لمواجهة أعداء اللَّه أمريكا الشيطان الأكبر والغدة السرطانية المغتصبة أرضنا الإسلامية إسرائيل التي قال عنها في القرآن الكريم بقوله تعالى: ﴿لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ﴾ ولهذا أيها الأخوة المؤمنين علينا أن نقوم بالدور الكبير ألا وهو الجهاد من أجل قضية وحرية الإنسانية على أساس العمق الإسلامي الذي يختزن فينا ومعنى الحرية أيها الأخوة في داخله لأن اللَّه قد خلق الإنسان حراً فلا يسمح له أن يكون عبداً لغيره، كما لا يمسح لأحد أن يستعبده، من خلال أي موقع من مواقع القوة، وعلى ضوء ذلك كانت مسألة الجهاد في الإسلام من جراء مسألة التوحيد في التوحيد والعقيدة والسيادة وحرية الحياة، فعلينا أن لا ننسى النصر الذي وعدنا به اللَّه سبحانه وتعالى بقوله: بسم اللَّه الرحمن الرحيم ﴿ وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ﴾ صدق اللَّه العلي العظيم والسلام عليكم ورحمة اللَّه وبركاته.
أخوكم طلال الصغير