جانب الأخوة في مجلة بقية اللَّه السلام عليكم ورحمة اللَّه وبركاته:
أكتب إليكم رسالتي هذه وأنا في غاية الأسف والخجل من نفسي التي ساقتني يوماً إلى التنكر لآداب ديني وللشريعة السمحاء فأردتني وعلقتني بحبائل الهوى وكادت أن توردني موارد الهلكات لولا أحد الأخوة الأعزاء في المقاومة الإسلامية الذي كان لي شرف التأدب بحضرته والعودة إلى جادة الصواب برعايته ورعاية صاحب العصر والزمان عجل الله فرجه الشريف.
كتبت لكم رسالتي هذه وأنا متيقن أن عرض الذنوب على المخلوقين لا يجدي نفعاً إذا لم تعرض هذه الذنوب على جبال الأرض والسماء فانكسار وتضرع وطمع ووقوف بين ساحتي الأمل والرجاء... ولكنني هدفت من رسالتي أن أسهم ولو بالجزء اليسير بتكليفي الشرعي الذي يدعونا إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
كنت قد بلغت الثانية عشرة من عمري، في الصف الثالث متوسط متفوق في دراستي والأول في صفي ومدرستي منذ الأول متوسط انصرف والدي عني ليؤدب أخوتي الصغار معتبراً أني أصبحت في عمر يمكنه أن يطمئن به علي من الوقوع في الانحراف، طالما أني اتردد ولو بشكل متقطع إلى المسجد وأمارس صلاتي بشكل مستمر وأصوم شهر رمضان ولا أكذب وأحترم الكبير والصغير.
إلا أنني رافقت مجموعة من "قبضايات" مدرستي أعجبني فيهم تمردهم على الأنظمة والقوانين والقواعد المدرسية وجوهم الخاص الذي لم آلفه في حياتي ومحيطي.. كان الدخول في عالم هؤلاء بداية طريقي نحو الانحراف والتراجع المدرسي والتمرد على الأدبيات التي ترعرعت بها في كنف عائلتي الصغيرة التي كانت تشد كل أحزمتها وتحرم أخوتي الصغار لكي أحظى بالمدرسة اللائقة ذات القسط العالي والكبير.
وكان أول الغيث ارتياد أحد نوادي الفليبر في منطقة الشياح للعب "البيبي فوت" وهي لعبة تحرق النقود بهدوء وتسلبنا ما ندخره من "خرجية" بسرعة وتطورت حركات تمردنا عندما بدأنا ندمن ألعاباً أخرى. أما عني فقد بدأت رحلات كذبي المتقنة على الإله وأخذت أجترح العذر الكاذب تلو الآخر لأكسب بضعة ساعات اقضيها خلف تلك الآلة الجهنمية التي بدأت تحرمني من صلاتي وأصرف في ساعة ما أدخره في شهر من مبلغ مالي خصصه لي والدي لقاء تعليمي لأخي الأصغر الذي تأخر في التحصيل نتيجة لالتحاقه بمدرسة ذات مستوى متواضع جداً مقارنة مع مدرستي التي يشار إليها بالبنان.
ثم دخلت من دوامة آلة القمار وتشحب من جيبك كل نقودك، وصدقوني أني كنت أصرف في بعض الأحيان المال الذي تعطيني إياه والدتي لشراء الخبز للمنزل أو الخضار أو اللحم وكنت آتنيها متأسفاً قائلاً لقد ضاعت مني الفلوس والمسكينة كانت تصدق.
فإذا ما انتهت فلوسي أذهب أنا والأصدقاء إلى بيت أحدهم ونجلس مجالس لغو وفرح نضيع أوقاتنا بلا فائدة.
هذه الحالة استمرت معي حتى البلوغ ومع وصولي إلى سن التكليف كنت قد تخليت نهائياً عن صلاتي وأصبحت ارسب في صفي، وأفكر جدياً بالهروب من المدرسة.
وتطورت علاقاتي بدور اللهو وبدأت أتردد إلى السينما وإلى المسابح المختلطة المكتظة بما يلهب مخيلة كل مراهق ويدفعه غصباً عنه إلى الانغماس أكثر في عالم المحرمات.
إلى أن وفق لي اللَّه أمران لولاهما لكنت الآن من الهالكين، الأمر الأول هو موقف العائلة الدقيق والحازم مني والذي جعلتني أشعر بغربة وعزلة حقيقية في المنزل، فقد قاطعني أبي وخالي وعمي وأولاد خالي الكبار مقاطعة شاملة فلم يعد أي منهم يكلمني أو يحدثني وفرض على جو من القيود الطويلة العريضة، لا خروج لا سهر مع الكبار لا مصروف، لا اعتبار وأنا المدلل في هذه العائلة، واستمر هذا الحظر مدة 3 شهور، بعدها جرى نقلي لمدرسة رسمية ووفقني اللَّه للالتقاء بأساتذة مؤمنين حيث دعاني أحدهم إلى المسجد عندما سألته عن مسألة في مادة العلوم بعد نهاية حصته، وقال لي قبل عودتك إلى المنزل زرني في مسجد الإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف في الغبيري فأوضح لك المسألة، اضطربت لدعوة المسجد وكنت قد هجرته منذ سنتين، ولعله لاحظ ذلك في عيوني فأصر على الموعد.
عندما دخلت المسجد وجدته أي الأستاذ هاشاً باشاً كأنما فرح العالم كله عمّ قلبه، احتضنني وقبلني وقال لي لعلك لم تُصل بعد، صلَّ وتعال لأحل لك المسألة.. شعرت وكأنني كائن زجاجي شفاف أمام عيني هذا الأستاذ العارف بدواخلي وصدقوني أنها كانت صلاة كلها خجل، لرد الجميل إلى ذلك القلب الكبير الذي استطاع بدبلوماسيته وحنكته أن يعيدني أنا الضال إلى المسجد ولو نصف ساعة ولم أكد أنهي الصلاة حتى وجدته قد تناول كتاباً جديداً بين يديه يتفحصه، وما أن رآني حتى ناولني إياه وقال هذا الكتاب هدية مني أرجو أن تحفظه جيداً قلت له شكراً، ونظرت إلى جلدته الخارجية فإذا به كتاب "العلم يدعو للإيمان" ثم بدأ يشرح لي المسألة التي تساءلت عنها في الصف شرحاً تداخلت به نظريات العلوم مع الإعجاز الإلهي بدقتها وصناعتها وما أن انتهى من المسألة حتى أحسست أنني أمام داعية بثوب أستاذ علوم، وأن كل هذا الحنان يلزمه عرفان جميل مني ولكن كيف... تركني الأستاذ مع أسئلتي ألوكها في عقلي وأنا عائداً إلى المنزل... لم ألتهم الطعام بل التهمت كتاب الأستاذ الهدية وتمنيت لو تعود عقارب الساعة ساعة إلى الوراء حتى أعود إلى حضن ذلك اللقاء الدافئ في مسجد اقترن اسمه بصاحب العصر والزمان عجل اللَّه تعالى فرجه وصممت على التردد إلى المسجد طالما أستاذي يتردد إليه ليراني وأراده وهو الإنسان الأول في هذه الحياة الذي أشعرني بأنني إنسان رغم حداثة سني... وتكررت اللقاءات وتوسع الأستاذ بالشرح وبعد شهر واحد كنت أنا وأحد أفراد مجموعة السوء والفساد نخطو خطوات التوبة الأولى ونعود بكل جوارحنا إلى ربنا، كان ذلك الأستاذ الشهيد القائد الأستاذ محمد بجيجي الذي أكن وما زلت أكن له ما حييت جميل إنقاذي من الموت الروحي والعودة إلى طريق اللَّه ولسلوكها مرة أخرى بعزم وتصميم وإرادة لن تلين إن شاء الله.
وها أنذا أخط طريقي في الحياة بتلك الوصمة السوداء التي تربطني كل ساعة بحبل الخجل مهما بذلت من جهد لنسيانها لأنها ترببة جيل ما زال يحتاج إلى رعاية ونصح وإرشاد لأن الطريق الموحشة والتي يكمن فيها الشيطان قد تنقطع بسالكها في آخر لحظة من حياته إذا لم يعمل على تهذيب نفسه وترويضها على كمال الطاعة والخلوص لرب السماوات والأرض الرحمن الرحيم، والانتباه إلى رفقاء السوء وتعرجات طريق الفساد والإفساد.