مع الإمام الخامنئي | لا تنبهروا بقوّة العدوّ* نور روح الله | لو اجتمع المسلمون في وجه الصهاينة* كيف تكون البيعة للإمام عند ظهـوره؟* أخلاقنا | كونوا مع الصادقين* الشهيد على طريق القدس عبّاس حسين ضاهر تسابيح جراح | إصابتان لن تكسرا إرادتي(1) على طريق القدس | «اقرأ وتصدّق» مشهد المعصومة عليها السلام قلبُ قـمّ النابض مجتمع | حقيبتي أثقل منّي صحة وحياة | لكي لا يرعبهم جدار الصوت

تكنولوجيا: الـ"نوموفوبيا"..رُهابُ العصر

تحقيق: فاطمة شعيتو حلاوي

أتشعرُ بضياعٍ استثنائي وقلقٍ غير مسبوق؟ هل ثمّة ما يجلدُ هدوء بالك ويعكّر صفو يومك؟ هل تقلّب محتوى الأدراج والحقائب بحثاً عن أداةٍ حديثةٍ باتت عزيزةً على قلبك؟ وهل تسألُ بجنون مَن حولك إن كان بحوزتهم شاحن كهربائي؟... مهلاً، يبدو أنّك قد أضعت هاتفك المحمول، أو بتّ خارج التغطية بسبب نفاد البطارية! ولكنْ، ثمّة ما هو أبعدُ من فقدان الاتصال، وأجدرُ بالاهتمام من العثور على "الموبايل"، هو رُهابُ فقدان الهاتف المحمول الذي طرقَ حديثاً أبوابَ يومياتنا ودخلها دون أيّ استئذانٍ منه أو أيّ رادعٍ منّا.

*رُهابٌ جديد
إنها الـ"نوموفوبيا"، مرضُ العصرِ الذي يكادُ لا يستثني أحداً من مواكبي الحداثة، فما هي حقيقته وأعراضه؟ وكيف السبيلُ إلى علاجه والحدّ من مخاطره دون التغريد خارج سربِ التطوّر التقني؟
تُعرّف الـ"نوموفوبيا" ( No mobile phone phobia- الخوف من فقدان الهاتف المحمول) بأنها نوع جديد من الرُهاب أو الخوف المرَضي العميق الذي يصيب الفرد لمجرد التفكير بضياع هاتفه المحمول أو حتى نسيانه، وهو أيضاً الهلعُ الناجم من الوجود خارج نطاق تغطية الشبكة.

توضح الدكتورة شهناز حيدر، الاختصاصية في مجال علم النفس التربوي، أن علم النفس ينظر إلى الفوبيا أو الرُهاب كمرض، من زاوية العوارض الوسواسيّة والخوف المرضي المتواصل، والمصحوب بقلقٍ مثير للانفعالات تجاه أمور أو مواقف أو نشاطات محددة عند حدوثها أو لمجرد التفكير بها، مع علم المصاب بأن هذا الخوف غير تقليدي.

*مرض نفسي بامتياز
وبحسب علماء وأطباء النفس، فإن الفوبيا مرض نفسي بامتياز يتطلب علاجاً، لأن تداعياته خطيرة وتؤثر في المنظومة العلائقية للمصاب بين نفسه والآخرين.
لقد ظهر مصطلح الـ"نوموفوبيا" للمرة الأولى إلى العلن عام 2008، عندما تداوله بعضُ المحققين البريطانيين، وتمّ قبوله علمياً ليتحوّل إلى حالةٍ واضحةٍ في كل المجتمعات المعاصرة. وأشارت التحقيقات التي أُجريت في هذا الإطار إلى أنه من بين ألفِ شخصٍ هناك 66 بالمئة مصابون بالـ"نوموفوبيا".

كما أظهرت الدراسات الحديثة أن فئة الشباب، ممن هم بين 18 و24 عاماً، هي الأكثر إصابة بالـ"نوموفوبيا"، وأن النساء يتخوّفن من فقدان هواتفهن أكثر من الرجال.

أمّا عوارض هذا الرُهاب المصحوب بحالةٍ واضحة من الاضطراب والتشوّش الذهني، فتتلخّص بعدم امتلاك القدرة على إطفاء الهاتف المحمول وتفقد بريد الرسائل والمكالمات بهوَس، فضلاً عن التأكد من شحن البطارية باستمرار... أو أن يُبدي شعوراً باستحالة الاستغناء عن موبايله والعيش دونه.

*الهاتف الذكي.. أداةُ النوموفوبيا
يؤكد الاختصاصيون أن الـ"نوموفوبيا" تُصيب على نحوٍ خاص مدمني مواقع التواصل الاجتماعي، ممن لا يتحملون انقطاع اتصالهم بشبكة الإنترنت، وهي حالةٌ تفاقمت مع انتشار الهواتف الذكية، التي لها تأثيرٌ يفوق آلاف المرات تأثير الرسائل النصيّة القصيرة، لأنها، ببساطة، تسمح للمستخدم بالحصول على أجوبة شافية لكل شيء تقريباً.

في هذا المعرض، ترى الدكتورة حيدر أن أدوات الاتصال الحديثة، لا سيّما الهاتف الذكي المتصل بالإنترنت، أصبحت مصدراً لفوبيا تصيب الشباب تحديداً بسبب عوامل عدة طرأت على مجتمعاتنا، أبرزها انفتاح العالم على الفضاء الخارجي، فقدان الإحساس بتقدير الذات، نقص الشعور بالأمان والانتماء، وضياع الهدف في ظل الأزمات الاجتماعية والاقتصادية والأمنية، التي تدفع الشباب للبحث عن بيئة أكثر أمناً، ناهيك عن انشغال الأهل عن أبنائهم بالأعباء المعيشية اليومية.

*الشباب: أسياد اللعبة
وتشير الدكتورة حيدر إلى أن الشباب الذين يلجأون إلى الهواتف الذكية لبناء علاقات افتراضية عبر الشبكة العنكبوتية، ليسوا مُجبرين من خلالها على الظهور بصورهم الحقيقية، بل هم أسياد اللعبة، يخفون ويعلنون ما يرونه مناسباً بالنسبة إليهم، ويجدون ما فقدوه في حياتهم الواقعية.

وهذا ما تؤكده سارة (18 عاماً)، فهي ترى أن الموبايل يشكّل أداة للمواجهة غير المباشرة مع الآخرين، خاصة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لدى من لا يملكون الجرأة على التواصل المباشر.
وتنفي سارة أن يكون تعلّقها بهاتفها الذكي قد لامس حد الإدمان، إلا أنها قد تشعر بانزعاج إذا فقدته لأنه يملأ فراغاً ما في يومياتها، وتحديداً أيام الإجازات الدراسية، ويشكّل أداة للتواصل السريع والسهل مع أصدقائها.
وترى سارة أن رهاب فقدان المحمول لدى الشباب قد يسبّبه غياب الأهل عن أبنائهم، وعدم تخصيص أوقاتٍ كافية للتواصل معهم شخصياً.

أمّا محمد (13 عاماً)، فيؤكد شدّة تعلقه بالهاتف الذكي الذي أهداه إياه أبواه لنجاحه في نهاية العام الدراسي "لأنو حلو ومسلّي" ويملأ أوقات فراغه، لا سيّما أنه يسمح له بالتواصل مع رفاقه عبر الـ"فايسبوك".
ويقول محمد إنه يخشى كثيراً فقدان موبايله، ويراقب مستوى شحن بطاريته طوال اليوم.

*تيهٌ وضياع
يقول أصحاب الاختصاص إنه لدى ابتعاد مصابي الـ"نوموفوبيا" عن تقنية الموبايل، يتولّد لديهم شعورٌ بالتيه والضياع وتغيب عنهم حالة الأمن. حالةٌ تعيشها اليوم إسراء (16 عاماً) إذا نسيت هاتفها المحمول في المنزل أو في أي مكان آخر، لأن ثمة خللاً يصيب روتينها اليومي.
وتزعم إسراء أنها ليست شديدة التعلق بهاتفها المحمول، لكنها لا تنفي في المقابل أن أول ما تقوم به لدى استيقاظها هو تفقده.

وعلى خلاف الآراء التي سبقت، يقول هادي (20 عاماً) إنه "يحبّ أن يفقد هاتفه المحمول"، لأن لا جرأة لديه للتخلّص منه على نحو مباشر، فقد صار أداة قلق وضغطٍ لأنه "مُلاحق" من خلاله أينما توجّه، مؤكداً أنه لا يعاني أي عزلة اجتماعية ولكن بات الهاتف المحمول "سجناً" يُرهق الناس ويعزلهم، وفق رأيه.

*آباءٌ يطاردون النوموفوبيا
إن كانت العزلة الاجتماعية تُصيب البالغين بسبب إدمانهم استخدام الهواتف الذكيّة الموصولة بالشبكة العنكبوتية، فقد توصّلت دراسة أجرتها مجموعة "سوبيريور" للاستشارات إلى أن 59 بالمئة من أطفال منطقة الشرق الأوسط يعانون من الـ"نوموفوبيا" بسبب تعلّقهم الشديد بالهاتف المحمول وتطبيقاته "الذكية".

في هذا الصدد، تشدّد الاختصاصية التربوية الدكتورة شهناز حيدر على أهمية دور الأهل في مراقبة ظاهرة الـ"النوموفوبيا" الخطيرة، وذلك من خلال الوعي والمعرفة العلمية بحقيقة وعوارض هذه الظاهرة.
وبحسب الدكتورة حيدر، فإن دور الأهل في مواجهة الـ"نوموفوبيا" يتجلّى أيضاً في ترشيد الاستخدام الإيجابي لشبكة الإنترنت، من حيث استهلاك الوقت ونوعية المجالات والموضوعات المُطّلع عليها، مشددة على أهمية تودّد الأهل إلى أولادهم وعدم استعدائهم ومساعدتهم في تحقيق أهدافهم، ولا ضير في هذا الإطار من تدريبهم على إتقان مهارات محددة تستهويهم، وتخصيص أوقاتٍ للأحاديث الأسرية والنشاطات المشتركة.

مع الإشارة إلى أن الأهل لن يتمكنوا من مساعدة أبنائهم في التحرّر من تداعيات الـ"نوموفوبيا" إذا كانوا متلبّسين بالمرض نفسه.

*رهابُ اختلال النظام
يشيرُ الاختصاصيون إلى أنه بالإمكان تفهّم تعلّق الناس بهواتفهم الذكية، لأن تفاصيل حياتهم مسجّلة فيها. وهم يشعرون بالتوتر والانعزال عن العالم إذا ما ضاعت أو تعطّلت أو توقفت.
هنا، تشير السيدة ندى (36 عاماً) إلى خوف لديها من فقدان هاتفها المحمول، لأنه أداة تعتمد عليها في تنظيم حياتها اليومية. "إنه أجندتي اليومية"، بحسب تعبيرها. فالموبايل، بالنسبة للسيدة ندى، مفكّرة حديثة لجهة تنظيم جدول المواعيد وتدوين التواريخ الهامة وتسجيل أرقام الهاتف، ولكن مع بعض الفروق، كاستخدام المنبه للتذكير أو لتحديد مواعيد الاستيقاظ أو تناول الدواء.

"الهاتف المحمول بات اليوم كمفاتيح المنزل أو السيارة"، يقول السيد منير (40 عاماً)، وإذا ما فقدتها تُصاب بالاضطراب والقلق ريثما تجدها، لأنها تشكّل بالفعل "مفاتيح" روتينك اليومي، خاصة وأن طبيعة عمله، كما قال، تحتّم تواصله مع الناس يومياً.

*لملء الفراغ النفسي
إذاً، هو الخوفُ من فقدان التواصل مع المحيط الخارجي ينخرُ نفوسَ الراشدين والقاصرين معاً غير آبهٍ بالأعمار، فكيفَ السبيلُ إلى التخلّص منه خاصةً إذا ما تحوّل إلى حالة مرضية؟

يفترض أسلوب العلاج، وفق الدكتورة حيدر، التعاطي مع المصاب بجدية وحزم وبالطرق التربوية المناسبة وغير الجارحة، فضلاً عن ملء الفراغ النفسي والعاطفي الذي يعيشه، لأنه ينبغي معالجة الأسباب لا النتائح.
وبما أن أسباب الإدمان التي أدت إلى الإصابة بالـ"نوموفوبيا" باتت معروفة، فإنه يتوجّب على الأهل والمؤسسات التعليمية والمجتمع المدني بفاعليّاته التربويّة والدينيّة دقّ ناقوس الخطر والتعاون لتقديم برامج وقائية بديلة، كتفعيل التطوّع الاجتماعي وتعزيز نشاط الأندية الرياضيّة.

*الفوبيا الحقيقية
مع عصرٍ باتَ فيه الاتصالُ ثورةً يلامس مداها معظم الفئات والأعمار، ما من أحدٍ يمكنه تجاهل خوفٍ في سريرته من فقدان "نعمة التواصل"، حتى إن لم يتحوّلِ الخوفُ إلى رهاب.

ولكن، ماذا إن تحوّلت النعمة إلى نقمةٍ تعدمُ التواصل الشخصي بين الأفراد الماكثين في دائرة واحدة؟ وماذا إن تحوّل "الموبايل" إلى سوطٍ وهمي يجلدُ هدوءنا وحسنَ مزاجنا يومياً... أليس هنا تكمن "الفوبيا" الحقيقية؟!
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع