مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

ذو الشهادتين: خزيمةُ بنُ ثابِتٍ الأنصاري

ظافر قطيع

رجلٌ آمن بالله ورسوله وصدَّقَه في أمر السماء أفلا يصدِّقه في أمر الأرض؟ إنه خزيمة بن ثابت بن الفاكه بن ثعلبة... بن مالك بن الأوس الأنصاري الأوسي من بني خطمة. آمن مع قومه من الأوس يوم وصلت أنوار النبوّة إلى يثرب فأصبحت المدينة المنوّرة. كنيته "أبو عمارة المدني" ذو الشهادتين. شهد بدراً وأُحُداً وما بعدهما، من المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. وأما أصحاب المغازي - أي الذين كتبوا عن غزوات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم - فلم يذكروه في البدريين، فقد قال الذهبي في السِيَر: قيل إنه بدري والصواب أنه شهد أُحُداً وما بعدها. في حين أنّ الترمذي وابن عبد البر القرطبي يذكرانه في مَن شَهِد بدراً. فقد شهد مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فتح مكّة فكانت راية بني خطمة بيده يحملها وقد تولّى هو وعمير بن عدي بن خرشة تكسير أصنام بني خطمة التي كانت حول الكعبة المشرفة.

*روايته حديث الرسول
كان قريباً من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقد روى عنه صلى الله عليه وآله وسلم أحاديث عدّة. ومن الذين روَوا عن خزيمة في الصحاح الستة إبراهيم بن سعد بن أبي وقاص، وجابر بن عبد الله الأنصاري، وغيرهما.

ومن بعض الأحاديث التي رواها خزيمة بن ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
- عن عبد الله بن يزيد الأنصاري عن خزيمة بن ثابت قال: صليت مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم بجَمعٍ بإقامة واحدة(1).
- عن عمارة بن خزيمة بن ثابت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: اتقوا دعوة المظلوم فإنها تحمل على الغمام يقول الله جلّ جلاله: وعزّتي وجلالي لأنصرنّك ولو بعد حين(2).
- عن عطاء بن يسار قال: قال أسامة بن زيد وسعد بن مالك وخزيمة بن ثابت قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إنّ هذا الطاعون (الوجع) رجس (رجز) وبقيّة عذاب عُذِّب فيه قوم قبلكم فإذا كان بأرض فلا تدخلوها وإذا كان بأرض التجارة بها فلا تدنوا منه (يعني الطاعون)(4).

*خزيمة ذو الشهادتين
يروي ابن سعد في طبقاته عن معمر عن الزهري عن عمار بن خزيمة بن ثابت عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ابتاع (اشترى) فرساً من رجل من الأعراب [اسمه سواء بن الحارث المحاربي] فاستتبعه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليعطيه ثمنه. فأسرع النبي المشي وأبطأ الأعرابي، فطفق رجال يلقون الأعرابي يساومونه الفرس، ولا يشعرون أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد ابتاعه، حتى زاد بعضهم الأعرابي في السَوْم على ثمن الفرس، الذي ابتاعه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلما زاده نادى الأعرابي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: إن كنت مبتاعاً هذا الفرس فابتعه وإلا بعتُه. فقام النبي صلى الله عليه وآله وسلم حين سمع قول الأعرابي حتى أتاه، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: ألست قد ابتعته منك؟ فقال الأعرابي: لا والله ما بِعتَكُهُ. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: بلى قد ابتعته منك. فطفق الناس يلوذون بالنبي وبالأعرابي وهما يتراجعان، فطفق الأعرابي يقول: هلمّ شهيداً يشهد أنّي بعتك. فمن جاء من المسلمين قال للأعرابي: ويلك إنه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن ليقول إلّا حقاً. حتى جاء خزيمة بن ثابت فقال: أنا أشهد أنك قد بايعته، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ما حملك على الشهادة ولم تكن حاضراً؟ فقال خزيمة: صدقتك لما جئت به وعلمت أنك لا تقول إلّا حقاً، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من شهد له خزيمة أو شهد عليه فحسبه". فجعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شهادة خزيمة شهادة رجلين(5).

ولما كتبت المصاحف بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم زمن أبي بكر وجمعت آياته من الصحف والأكتاف توثيقاً لما يقرأ شفاهاً كان من الشروط أن يكون الكاتب قد كتبها عن فم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويشهد عدلان اثنان. فيروي معمر عن الزهري عن خارجة بن زيد قال: قال زيد بن ثابت: لما كتبنا المصاحف فقدت آية كنت أسمعها من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فوجدتها عند خزيمة بن ثابت الأنصاري ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا (الأحزاب: 23). قال: وكان خزيمة يدعى ذا الشهادتين، أجاز رسول الله شهادته بشهادة رجلين(6).

*شهادته (رضوان الله عليه)
روي عن محمد بن عمارة بن خزيمة بن ثابت من وجوه قال: ما زال جدي خزيمة بن ثابت مع علي بصفّين كافاً سلاحه وكذلك فعل يوم الجمل. فلما قتل عمار بصفّين قال خزيمة: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: تقتل عماراً الفئةُ الباغيةُ، ثم سلّ سيفه فقاتل حتى قُتل (رضوان الله عليه)(7).

وكان خزيمة قد سمع ذلك من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم كان المسلمون [رسول الله وأصحابه] يبنون المسجد وأصحاب رسول الله يحمل كلّ واحد لَبِنَة لَبِنَة وعمار لِبْنَتين فجاء عمار النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم وقد أثقلوه باللُّبن فقال: يا رسول الله قتلوني يحملون عليَّ ما لا يحملون. فجعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ينفض وفرته بيده - وكان رجلاً جعداً - وهو يقول: ويح ابن سمية ليسوا بالذين يقتلونك إنما تقتلك الفئة الباغية(8). فبقيت هذه الكلمة ملء سمع خزيمة وقد تلقفها من فم من لا ينطق عن الهوى لترسم له طريق الحق فيسلكه وينال بها السعادة والشهادة.


1- المعجم الكبير، الطبراني، ج4، ص83.
2- مجمع الزوائد، الهيثمي، ج10، ص152.
3- مسند أحمد، أحمد بن حنبل، ج5، ص214.
4- المعجم الكبير، م.س، ج4، ص91.
5- الطبقات، ابن سعد، ج4، ص378.
6- مسند أحمد، م.س، ص189.
7- الاستيعاب، ابن عبد البر، ج2، ص448.
8- السيرة النبوية، ابن هشام، ج2، ص344.


 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع