اخرج إلى الضوء | عندما يكون القائد والداً للمجاهدين مهارات | المساندة النفـسيّة في الأزمات والحروب الملف | كيف نواجه إشاعات الحرب؟ الملف | بصبركنّ... ننتصر الملف | دعاء أهل الثغور: مدد المجاهدين الملف | الشهداء المستبشرون معالم المجتمع الصالح في نهج البلاغة الملف | قيم المقاومة آخر الكلام | تحت الركام.. الافتتاحية | الصبر حليف النصر

الفيليبين: قاعدة أميركية في منتصف الطريق بين كاليفورنيا والخليج



"الدنيا حظوظ" كما يقول المثل الشعبي المستمد من واقع الحياة، وكما يصدق هذا المثل بالنسبة للأفراد فهو صحيح أيضاً بالنسبة للشعوب. والشعب الفيليبيني من شعوب الأرض التي يأبى الحظ أن يحالفها ولو لمرة واحدة. لكن من وراء سوء الطالع هذا؟


والجواب يشير دائمساً إلى الولايات المتحدة ذات الأطماع الدائمة في أراضي الغير. فالموقع الاستراتيجي جداً للفيليبين حوّلها إلى قاعدة عسكرية أميركية وجعل حكومتها وشعبها عرضة للابتزاز الأميركي الدائم كسبيل لضمان بقاء التواجد الأميركي. ويبدو أن خسارة أميركا لقواعدها العسكرية يعني تهديداً للنوايا الاستراتيجية السياسية للبنتاغون في منطقة حساسة مثل جنبو شرق آسيا. وقد تساءل أحد مسؤولي البنتاغون مؤخراً قائلاً: كيف نستغني عن قاعدة في منتصف الطريق بين شاطئ كاليفورنيا وشواطئ الخليج؟ سنعرض في هذه الحلقة أوضاع الفيليبين الماضية والحاضرة وأهمية موقعها الجيوسياسي ومنا نتج عنه من مشاكل خطيرة داخلية وخارجية.

● نبذة تاريخية
احتل الأسبان الجزر عم 1571 وأطلق عليها اسم الملك الأسباني آنذاك فيليب الثاني، ومن ثم تحول الاسم إلى جزر الفيليبين. وتكونت حركات استقلالية قامت بانتفاضات عارمة إبان الاحتلال الأسباني الذي قمع هذه التحركات بعنف. وكانت الولايات المتحدة خصماً دائماً لأسبانيا في تلك الفترة.. وعندما اندلعت الحرب الأسبانية الأميركية عام 1898 والتي هُزم فيها الأسبان انتقلت الفيليبين إلى الوصاية الأميركية الاستعمارية، حيث عمدت أميركا إلى تحطيم مقومات الشعب الفيليبيني القومية بهدف إخضاعه. وخلال الحرب العالمية الثانية كانت الفيليبين مسرحاً لمعارك عنيفة حيث اجتاحتها اليابان عام 1942 وتمكن ماك آرثر من استرجاعها عام 1945 وتعهدت الولايات المتحدة بالاعتراف باستقلال البلاد عام 1946 وتمكن ماك بعد توقيع اتفاق تجاري وآخر عسكري يمنح الولايات المتحدة 20 قاعدة بحرية لمدة 99 سنة. وفي الستينات تنامت النزعة القومية المعادية للأميركان خاصة أثناء الحملة الانتخابية التي جرت عام 1965 وأتت بالرئيس فرديناند ماركوس إلى الحكم، هذا الرئيس تحول إلى سياسة دكتاتورية قمعية منذ عام 1973 ونصّب نفسه حاكماً لمدى الحياة ليكون راعياً ممتازاً للمصالح الأميركية. وأمام ذلك الوضع الرهيب تبلورت المعارضة لماركوس ضمن تيارين.

تيار الليبراليين الإصلاحيين ومركزه جزيرة لوزون وتيار الحركة الدينية الإسلامية في جزيرة ميندانا والجنوبية الذي أنشأ الجبهة القومية لتحرير المسلمين (المورو) وما زالت هذه الحركة تناضل حتى الآن من أجل الاستقلال الذي كان أصلاً ناجزاً إبان الاستعمار الأسباني. وفي العام 1983 تم تجديد اتفاقية القواعد الأميركية مما أدى إلى احتجاجات شعبية قوية؛ وفي نفس العام وبإيعاز من ماركوس تم اغتيال زعيم المعارضة بينينو أكوينو لدى عودته من المنفى وهو ينزل من الطائرة. وقد أثار حادث الاغتيال هياج الجماهير التي لم تعد تخشى قمع النظام ونزلت إلى الشوارع. وبالفعل تم إبعاد ماركوس عن الحكم عام 1986 فغادر البلاد مع حاشيته وتسلمت السلطة كورازون اكوينو أرملة زعيم المعارضة.. ومنذ استلامها الحكم لم تنجح في تحقيق أي شيء إطلاقاً، وواجهت مشاكل كبيرة من قضية القواعد الأميركية إلى الانقلابات المتكررة مروراً بمطالب الحركة الإسلامية في الجنوب والحركة الشيوعية في الشمال.. ويبدو أن سياستها تخضع جداً للابتزاز الأميركي لا سيما الاقتصادي منه، وسنعرض لهذه الأوضاع في سياق الحلقة.

● نبذة جغرافية
تتألف الفيليبين من أرخبيل جزر مساحته 300 ألف كلم2 ويقع مقابل الساحل الجنوبي الشرقي لآسيا أي في الطرف الغربي من المحيط الهادئ، وأقرب الدول لهذه الجزر ماليزيا وأندونيسيا من الجنوب وتايوان من الشمال. هذا الأرخبيل الضخم يتشكل من 7100 جزيرة المأهول منها حوالي ألف فقط، وهي تنتشر على مسافة 1850 كلم من الشمال إلى الجنوب و965 كلم من الغرب إلى الشرق وتنال 11 جزيرة منها حوالي 95% من المساحة والسكان.. وأهم هذه الجزر: لوزون، مينداناو، سامار، ينغروس، بالادان، ميندورو وباناي. وأكبر هذه الجزر لوزون 108000 كلم2 ومينداناو 99000 كلم2. وهذه الجزر جبلية كثيرة المرتفعات باستثناء الخطوط الساحلية الكثيرة التسنُّن، سهولها قليلة وصغيرة لا يتجاوز عرضها 20 كلم.. وتشكل الغابات 42% من المساحة الكلية.

أما المناخ فهو استوائي حار ورطب تكثر فيه الأمطار التي تحملها الرياح الموسمية الصيفية وتتعرض سنوياً بين شهري تموز وتشرين الثاني لإعصار استوائي مدمر يدعى "تايفون" الذي يخلف أضراراً جسيمة. وفي الشتاء يكون الطقس جافاً ويكون بارداً في شباط.. ومعدل درجة الحرارة على العموم 27 درجة مئوية.
عاصمة الفيليبين هي مانيلا التي تقع في جزيرة لوزون ويبلغ عدد سكانها 1.8 مليون نسمة ومن أهم المدن كويزون سيتي، دافاو، سيبو وكالوكوان.
أما طابع الفيليبين العام فهو زراعي، وأهم مزروعاتهم السكر والأرز والذرة والأناناس وجوز الهند وهي البلد الأول في إنتاج زيت جوز الهند.. كما هناك صناعة للأطعمة والملبوسات والأخشاب.. وفي الفيليبين ثروات منجمية هائلة من الذهب في منطقة باغيو.

● مشاكل دون حلول

كما ذكرنا يكمن أصل مشاكل الفيليبين في اعتبار الولايات المتحدة لها قاعدة عسكرية، ومن هنا تعمد الولايات المتحدة إبقاء الفيليبين في أوضاع اقتصادية صعبة بهدف الابتزاز والمساومة، وهذا ألقى بظله على الأوضاع الداخلية بشكل مأساوي، فالمراقب يلاحظ حركة الانقلابات المتكررة التي تدلل على مأزق داخلي كبير... وهناك الحرب التي يشنها الشيوعيون ضد النظام، وحرب الاستقلال التي يخوضها مسلمو المورو في الجنوب:

1- القواعد الأميركية:
يوجد هناك القاعدة الجوية كلارك فيلد والقاعدة البحرية في خليج سوبك إلى جانب أربع قواعد أميركية صغيرة.. وفي أيلول من عام 1991 سينتهي أجل معاهدة استئجار هذه القواعد، لذا يعتزم الجانبان الجلوس حول طاولة المفاوضات لمناقشة مستقبل القواعد، وقد أعلنت رئيسة الفيليبين أنها ستسترشد قبل كل شيء مصالح بلادها في مسألة القواعد.. وهي تعي ما تقول لأن في بلادها رأي قوي يطالب بإزالة القواعد الأميركية فوراً لأن وجودها يتنافى مع المصالح القومية.. لكن الفيليبين تحصل مقابل السماح للقواعد في البقاء على مساعدات مالية هامة تذهب إلى خزينة الدولة، وسيكون لكيس الدولارات دور هام في المحادثات خاصة أن الولايات المتحدة تعي جيداً الأهمية الاستراتيجية غير العادية لقواعدها العسكرية هناك. كل هذا يشهد أن أكوينو ستكون في الأشهر القادمة بين محرقين. المحرق الأول هو الرأي العام الذي يطالب بإصرار بإزالة القواعد الأميركية من البلاد والمحرق الثاني واشنطن اللامتهاونة والملتصقة بشدة بقواعدها العسكرية في الفيليبين.

2- جزيرة مينداناو ومسلمو المورو:
صمد مسلمو الجنوب صموداً بطولياً في وجه الاستعمار الأسباني القديم مما منحهم استقلالاً تاماً أيام ذلك الاستعمار، كما صمدوا في وجه حملة التنصير الأسباني التي طالت شمال الفيليبين.. ثم جاءت أميركا، فحمل الشعب المسلم السلاح ضدها مدة 40 عاماً، ذلك بعد وعود قطعتها أميركا بالاستقلال دون أن تفي بها... ومع إعلان استقلال الفيليبين أُلحق الجنوب المسلم بها دون وجه حق... حيث بدأت معركة حضارية عسكرية تعرض فيها المسلمون لحملات تنصيرية هائلة ومحاولات لضرب الإسلام في الصميم.. ولا بد أن نذكر هناك مجزرة عام 1950 التي راح ضحيتها 35 ألف مسلم شهيد وعشرات الألوف من الجرحى ونصف مليون مهاجر.
وما تزال أكوينو تتبع سياسة التسويف والمماطلة نحو المسلمين، وسعت الجبهة القومية للتحرير بقوة للاستقلال وللانضمام إلى منظمة المؤتمر الإسلامي بعضوية كاملة. لكن أكوينو سوّفت هذه المسألة بالتعاون مع بعض أعضاء المنظمة.
يبلغ عدد جزر شعب مورو حوالي 2000 جزيرة أكبرها منداناو وبالأدان وباسيلان، وتبلغ المساحة الإجمالية 115 ألف كلم2 وعدد سكانها 14 مليون بينهم 9 ملايين مسلم و3 ملايين وثني والباقي مسيحيون.. والمذهب السائد هناك هو الشافعي ولغتهم بأحرف عربية. أما زعيم الجبهة فهو نور ميسوراي من أسرة مسلمة عريقة لها تاريخ طويل في مقاومة الاستعمار الأسباني، وكان مدرساً للعلوم السياسية في جامعة الفيليبين.. وقد تعلم اللغة العربية في ليبيا ويتابع تحصيله في الأزهر.

3- جيش الشعب الشيوعي: يخوض هذا الجيش حرب عصابات ضد الحكومة المركزية منذ 18 عاماً. وهو يضم الآن 24 ألف مقاتل يعملون على أكثر من 50 جبهة في أنحاء البلاد ويسيطرون على أكثر من 18% من القرى الريفية ويتلقون عوناً، طواعية أو بالإكراه، من حوالى 5 ملايين فلاح، ويتمتعون بتنظيمات في مناطق مدنية، وتنشط فرق الاغتيال التابعة لهم في المدن الرئيسية... ويتركز هذا النشاط في الجزء الشمالي أي في جزيرة لوزون التي تضم العاصمة مانيلا وكبريات المدن.
ويهتدي جيش الشعب الشيوعي بالماويَّة وفقاً للتدرج المرحلي التالي: بدءاً من الفكرة ثم إلى البقاء والتوسع، مروراً بمراحل حرب العصابات والحرب المطولة والمتحركة، وانتهى بالهجوم التقليدي الأخير على القوات الحكومية المسلحة. ويأمل أن يقترن ذلك بانتفاضة شاملة للقبض على ناصية السلطة الوطنية. ويتباهى بأنه سيدرك مرحلة التكافؤ مع القوات الفيليبينية عام 1990؛ وهذا ليس مستبعداً إذا استمر الوضع الحالي. ويطالب الجيش الشعبي بإصلاح الأراضي والإصلاح الزراعي وبإنهاء التواجد الأميركي ولو بالنضال المسلح.

الواضح الآن أن جيش الشعب الجدي يحقق انتصارات بصورة بطيئة، وأن القوات المسلحة التابعة للدولة تُمنى بهزائم بصورة بطيئة أيضاً. ففي مانيلا حكومة ضعيفة يعوزها القرار دائماً، لذا اعترفت أكوينو بفشل سياسة السلام التي اعتمدتها تجاه الشيوعيين، لذلك عادت وأمرت الجيش بالقيام بعمليات مكثفة ضدهم.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع