نسرين إدريس قازان
أمراء الجنة: شهيد الدفاع عن المقدّسات حسام الدين محمد الزركلي (أبو الفضل)
اسم الأم: عليا الأطرش
محل الولادة وتاريخها: سوريا 18/2/1981
الوضع العائلي: متأهل وله 3 أولاد
رقم السجل : 425
تاريخ الاستشهاد: 9/7/2013
ليس الوطن حدوداً جغرافية أو هوية تحمل الجنسية، الوطنُ انتماءٌ معمّد بالدماء.. و"حسام الدين" المولود في بعلبك لأب سوري وأم لبنانية، كان أول من وقع عليه بصره وهو يزيل غشاوة الرحم، وجه خاله (الشهيد) أحمد، الذي أخذه بين ذراعيه وراح يناغيه من الغروب وحتى شروق الشمس..
*ظنّ الأطباء أنه توأم!
كانت الأم برفقة زوجها المهندس في الأردن ولمّا لم تستطع البقاء هناك، قررت وزوجها العودة إلى لبنان والاستقرار بالقرب من أهلها حيث أنجبت حسام، كان قوي البنية كثير الحركة في الرحم وهذا ما أوهم الأطباء بأن في البطن توأمين.
"حسام الدين"، وكم يشبهُ اسمه، وكأنه سُمّيَ به لأنه سيأتي اليوم الذي سيكون فيه سيفاً للإسلام مسلولاً على أعداء الدين المتجلببين جلبابه، وكيف لا يكون كذلك وقد رأت أمه في الرؤيا أثناء حملها به أن الإمام الخميني العظيم قدس سره قد تبرّع لها بدم من دمه وشعرت به يجري في شرايينها، فاستبشرت بذلك. وقد أولى أخوها أحمد ابنها "حسام" عنايةً خاصة فكان يجلسه دوماً على ركبتيه، ويخصّصه بالحلوى والسكاكر.
*وضوح الهدف والطريق
في الرابعة من عمره فَقَد حسام خاله أحمد الذي استشهد أثناء قيامه بواجبه الجهادي. وكان مشهدُ رحيله متزامناً مع رحيل الكثير من أبناء بعلبك شهداء، فاشتد عود حسام بين أزقةٍ كُتبت عليها الشعارات الثورية وعُلقت عليها صور الشهداء، وكان ذلك كافياً لتكون طريقه واضحة في الحياة. تلك الطريق التي حرص أن يمسك بيد من استطاع من إخوته ومن رفاقه للسير فيها، فلعب دوراً مؤثراً في ذلك. كان يشتري من مصروفه الخاص رغم قلّته ثياباً كشفية لمن لا يستطيع شراءها بهدف تشجيعه على الانضمام إلى الكشافة، وقد حرص على تثقيفهم جهادياً ودينياً، وتعريفهم إلى عدوهم، حتى لا يكون حملهم للسلاح وليدَ بيئة تربوا فيها أو فعلاً يتماشى مع السائد.
في السادسة عشرة من عمره، التحق حسام بأول دورة عسكريّة له. كانت الحماسة واضحة في عينيه اللتين كانتا تبرقان كلما اقترب موعد ذهابه إلى المحور. وقد شارك في دكّ المواقع الإسرائيلية في تحرير العام 2000 وتطهيرها وفي نقل الغنائم، وكان ذلك أول مهمة رسمية له في صفوف المقاومة.
*الإيثار من أجمل صفاته
اختصر حسام حياته كلها في العمل، بين عمله في المقاومة وعمله الخاص في حدادة السيارات. وكان كل همّه تأمين الراحة لأهله ولزوجته وولديه، فلم يخفّف التعب من عزيمته، حتى بات لا يستطيع الجلوس للراحة، بل إذا ما وجد لحظة فراغ يخترع شيئاً يعمل به.
الإيثار هو الصفة التي لازمته، حتى إذا اشترى ثوباً جديداً لم يلبسه قبل أن يطلب إلى إخوته ذلك، وإن حظي بهدية من العمل اقتسمها وأحد رفاقه المجاهدين، فسعادته كمنت في العطاء، وفي جلساته العائلية كان أغلب حديثه عن أهل البيت عليهم السلام أو قصصاً عن الشهداء ومعارك المقاومة قبيل التحرير.
كانت زوجة حسام حاملاً، وتمنى كثيراً أن يكون الجنين فتاة ليسميها فاطمة، وهو والدٌ لصبيين، ولكن الصور الطبية أظهرت أن الجنين صبي، فحمد حسام الله على نعمته وتحسّر على أن لا ينال منزله شرف اسم فاطمة، ولكن بعد استشهاد حسام بشهرين أنجبت الزوجة مولودةً أسمتها كما أحب حسام: فاطمة..
*مع زينب عليها السلام وعلى طريقها
إذا كان حسام صاحب الابتسامة الدائمة فإنها لم تستطع أن تخفي بريق الحزن في عينيه؛ حزن كان يختفي بمجرد وصوله إلى عمله، ولهذا قال له أحد المجاهدين يوماً: "إن سعادتك عند الوصول إلى المحور ينقصها فقط توزيع الحلوى!".
مع انطلاقة الدفاع المقدس كان حسام أول الحاضرين هناك، وبات لا يطيق العودة إلى الديار، وكأنّ روحه التائهة منذ سنوات في دروب الدنيا قد وجدت ملاذها للخلاص، وهو الذي لم يستطع تقبّل بقائه حياً بعد حرب تموز 2006. في مدينة القصير، كان حسام القنّاص الذي لا يخطئ عدوه، يمشي في مقدمة المجموعات متعجّلاً للالتحام مع الأعداء، فلا يطيقُ صبراً، ولا يتحمّل بعداً، وإن رجع في إجازة ليرتاح يتعبه الانتظار للعودة إلى قتال أولئك الذين ساروا على خطى الظالمين.
وفي إحدى معارك "تلّ مندو"، قامت مجموعة منهم بشتمِ المجاهدين بأقذر العبارات، فلم يتحمّل حسام ما سمعه، فخرج إليهم غير عابئ برصاصاتهم، وصرخ بهم وهو يرفع إصبعه نحو السماء: "أبالموت تهددني يا ابن الطلقاء؟ ألا إن الموت لنا عادة وكرامتنا من الله الشهادة"، وفي خضم المعركة سقطت قذيفة بالقرب من مجموعته فأصيب بيده، فهُرع المسعف إليه، فطلب حسام منه الاهتمام بالجرحى الآخرين، فيما قام هو بتطبيب نفسه، وبينما هو منشغل بلفّ يده وإذ بجعبة أحد المجاهدين تشتعل فيها النيران، فنسي حسام نزف يده وركض ليرمي بالذخيرة خارج الجعبة ويساعد رفيقه بخلعها خوفاً من أن تنفجر به..
*سبيل توّج بالشهادة
إصابةٌ لم تؤخر حسام عن العودة إلى المعارك، غير أنها زادتْ من حسرته إذ بثَّ حزنه وشكواه من أن يكون غير لائق بالشهادة! وقبيل أن يشفى من إصابته كانت عينه خلفَ منظار سلاحه يتربصُ بالأعداء، وكيف لا يفعل ذلك وهو الذي قال منذ بداية المعارك: نحن من وهبنا أنفسنا فداءً لأهل البيت عليهم السلام..
لم تمنع المعارك الضارية في القصير حساماً من تقديم خدماته، وكأنه لا يستطيع أن يتنفس الهواء من دون تعب، فتراه يتنقل من بيتٍ لآخر ليؤمّن الماء الساخن لرفاقه، غير عابئ بالمخاطر المحدقة به، وعندما استشهد بعض المجاهدين، حوصر جثمان الشهيد مصطفى العزقي، فكمن حسام عشرة أيام لحماية جثمانه من الأسر.
استشهد أغلب رفاق حسام، فزاد ذلك من حزنه وكربه، وكان الشهيد علي فؤاد حسن قد أرسل له صورة وردة عبر الهاتف الخلوي، وسلّم عليه قبل استشهاده بدقائق، فتأثّر بذلك كثيراً؛ وكان يسأل الله تعالى دائماً أن يرزقه الشهادة دفاعاً عن العقيلة زينب عليها السلام، وتوجت مسيرة المجاهد بارتفاعه شهيداً.